السعودية: خبراء يطالبون بإنشاء هيئة تخصصية لحصر احتياجات سوق العمل

%84 من الخريجين يعتقدون أنهم لن يوفقوا في الحصول على وظيفة

مطالبات بفلترة التخصصات الجامعية لتتواءم مع سوق العمل
TT

أوصى خبراء في التربية والتعليم في السعودية بضرورة إنشاء هيئة تخصصية تعنى بتحديد احتياجات سوق العمل وحصرها والعمل على ربطها بالتخصصات الجامعية لـ«فلترة» البعد النظري والتطبيقي الذي تحتاجه سوق العمل واحتياجات المجتمعات المعرفية.

وأكدت الدكتورة رقية المعايطة، المستشارة في مركز خبراء التعليم، لـ«الشرق الأوسط»، أن التعليم الثانوي هو نقطة الانطلاق إلى التعليم العالي الذي يخرج التخصصات المختلفة التي تحتاجها الدولة، وتعتبر مرحلة الثانوية هي المرحلة المغذية للتعليم الجامعي، فالشباب يريد الحصول على تعليم راسخ لا مجرد الحصول على مقاعد في مدارس تكون فيها المناهج وأساليب التدريس قد عفى عليها الزمن؛ إذ يبدو بالفعل أن نماذج التعليم الثانوي النظامي المتوافرة حاليا لم تعد تتوافق تماما مع الواقع في بداية القرن الحادي والعشرين، ولا مع احتياجات الشباب في مجال التعليم.

وقالت الباحثة التربوية إنه على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة السعودية في مجال التعليم، خاصة في مرحلة الثانوية، فإنها لا تزال تعاني من غياب الرؤية في تحديد معالم تلك المرحلة، كذلك لا توجد مواءمة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل، وتدني كفاءتها الداخلية والخارجية، حيث إن الشباب يكتشفون في معظم الأحوال خلال التعليم الثانوي عالما من المعرفة مقسما إلى مواد دراسية عديدة (اللغات، الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا، العلوم الطبيعية، العلوم الاجتماعية.. إلخ)، ولهذا، وجدت فجوة حقيقية بين ما هو موجود وما هو مرغوب مستقبلا.

وزادت الباحثة بالقول «تسعى كل فلسفة تربوية إلى تحديد غايات التربية والتعليم الأساسية للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية القادرة على توفير رأس المال المعرفي والإبداعية القادرة على إدماج التقنية الحديثة في العمل، فضلا عن تحقيق التعلم مدى الحياة، والبنية التحتية المبنية على تقنية المعلومات والاتصالات التي تسهل نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، كذلك الحوافز التي تقوم على أسس اقتصادية قوية تستطيع توفير كل الأطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو».

وأبانت الدراسات أن المهارات الأساسية التي يحتاجها طلبة المرحلة الثانوية ليواصلوا تعليمهم الجامعي بكفاءة في ضوء اقتصاد المعرفة ومتطلبات اقتصاد المعرفة، ترتكز على المعلومات والتقنية والعلاقة الطردية بين التنمية وتوليد المعلومات واستخدامها، والتي إذا تم تحقيقها ستعمل على توفير وظائف ليس للمؤهلين معرفيا فقط، بل للمبدعين والمبتكرين أيضا، ولأصحاب المهارات الداعمة لأعمالهم، وهذا لا شك دور مؤسسات التعليم العام والعالي كمؤسسات معرفية.

وأوضحت الدراسة الحاجة إلى الوصول لما يتواءم مع تطلعات مؤسسات عالمية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، التي تؤكد على أهمية الخروج من التعليم الذي يحافظ على الأفكار والقوالب النمطية، إلى توافر تعليم ثانوي جيد يتوافق مع الاحتياجات التعليمية للشباب وللمجتمع، والعمل على دمج سياسات تعليم المرحلة الثانوية في سياسة قائمة على الربط بين القطاعات بتعزيز إقامة الشراكات مع المجتمع المدني، ومع وسائط الإعلام، والتجارب العالمية، كتجربة اليابان في التعليم التي تفتخر بأن نسبة الأمية فيها 0.0 في المائة، والتي أعلنت أنه بعد عام 2000 يعتبر الشخص الذي لا يجيد لغة أجنبية ولا يستطيع التعامل مع الكومبيوتر في عداد الأميين.

وساق الخبراء مثالا بتجربة سنغافورة في التعليم، التي حققت مراكز متقدمة جدا في مسابقات الرياضيات والعلوم العالمية، حفزت العالم لدراسة أسرار تفوق الطلاب السنغافوريين في الرياضيات للاستفادة من تلك التجربة في تصميم المناهج، وتطوير طرق التدريس، وإعداد المعلمين المتمكنين الذين يسهمون في صقل المواهب وتنمية العقول. وتجربة الولايات المتحدة الأميركية في التعليم، التي تسعى دوما إلى تطوير سياساتها التعليمية بعد كل أزمة تمر بها، فكان منعطفها الثاني عندما أصدرت تقرير «أمة في خطر» (A Nation at Risk)، نتيجة لعدم قناعته بما يقدمه التعليم الثانوي الأميركي من مخرجات.

وتابعت الدراسة «ارتكزت أهداف المدرسة الثانوية على: القدرة على التفكير، الإعداد للحياة، تنمية القدرة على التعامل مع المعلومات، اختيار البدائل وحل المشكلات، اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة في سوق العمل، والعادات والاتجاهات السليمة. كذلك من تجربة المملكة العربية السعودية الحالية في تطوير التعليم، كالمشروع الشامل لتطوير المناهج، ونظام المقررات، ومشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام (تطوير)، الذي جاء استجابة لتوجيه القيادة السياسية العليا، ولبنة من لبنات الإصلاح التعليمي، مستهدفا تحسين أداء عناصر العملية التربوية والتعليمية، لتكون مؤهلة لإعداد الجيل الصالح الفاعل المساهم في تنمية الوطن والمجتمع، من خلال برامجه الأربعة: برنامج إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، برنامج تطوير المناهج التعليمية، برنامج تحسين البيئة التعليمية، وبرنامج دعم النشاط غير الصفي».

من جانبها، ذكرت دراسة نشرت مؤخرا عن جامعة الملك سعود، قام بها عدد من الباحثين المتخصصين، أن 84 في المائة من خريجي وخريجات التعليم العالي السعودي يعتقدون أنهم لن يوفقوا في الحصول على عمل لأسباب عديدة، منها الافتقار إلى البرامج التدريبية التطبيقية، التي تؤهلهم إلى الحصول على وظائف مناسبة، وذكر 60 في المائة من أعضاء هيئة التدريس التي شملها البحث أن هناك قصورا في الجوانب التطبيقية والعملية في المناهج الدراسية الجامعية، وهو ما أدى إلى خلل بين التعليم النظري في المؤسسات الجامعية والتطبيق الفعلي في سوق العمل. وذكر 71 في المائة من الطلبة والطالبات الخريجين أن عدم وجود تنسيق فعال بين قطاع العمل ومخرجات التعليم سيؤدي إلى البطالة، وأشار 84 في المائة من الطلبة والطالبات إلى أن سوق العمل بحاجة إلى العديد من التخصصات غير المتوافرة حاليا في مؤسسات التعليم الجامعي، وهذا مما يضيع فرص توظيف على الخريجين، كما ذكر 90 في المائة من الطلبة أن الشروط والمواصفات التي تحتاج إليها سوق العمل غير متطابقة مع تخصص الخريجين وهو ما يسبب إحباطا كبيرا لهؤلاء الطلبة حتى وهم على مقاعد الدراسة، ويذكر 92 في المائة من الطلبة أنهم لا تتوافر لديهم معلومات دقيقة عن الاحتياجات الفعلية لسوق العمل السعودية وهو ما يؤدي إلى اجتهاد البعض في اختيار تخصصات لا تلبي حاجة سوق العمل.

ومن ناحيتهم، ذكر 80 في المائة من مديري الشركات المشاركين في الدراسة أن معظم التخصصات الجامعية في الجامعات السعودية لا تتماشى مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل. وأضاف 79 في المائة من هذه العينة أن هناك نقصا في كفاءة وخبرات الخريجين والخريجات وهو ما يضيع عليهم فرص العمل في القطاع الخاص، التي عادة ما تبحث عن مؤهلين علميا وعمليا.