«التربية والتعليم» السعودية: اختبارات «قياس» تقيس ما لا تقيسه اختبارات الثانوية العامة

في وقت أكدت فيه دراسة أن 65% من الخريجين لا يتواءم تحصيلهم مع قدراتهم

اختبار القدرات يثير جدلا واسعا في الأوساط التعليمية بالسعودية («الشرق الأوسط»)
TT

طالب تربويون وأكاديميون متخصصون بإعادة النظر في اختبارات «قياس»، بعد أن وصفت دراسة حديثة أن 65 في المائة من خريجي وخريجات التعليم العام في السعودية، لا تتواءم نسبهم في الثانوية العامة مع نسبهم التحصيلية، في وقت وصفت فيه التربية والتعليم بأن اختبارات «قياس» تقيس ما لا تقيسه اختبارات المرحلة الثانوية ولا تعارض بينهما.

بدورها، قالت ابتسام الشيخ، مشرفة التخطيط والتطوير في وزارة التربية والتعليم، لـ«الشرق الأوسط» إن اختبار القدرات العامة ليس اختبارا للتحصيل الدراسي ولهذا فهو لا يعتمد على المعلومات المباشرة في مناهج التعليم العام الدراسية، ولا يحتاج اختبار القدرات العامة إلى استعداد مسبق سوى التعود على طريقة الأسئلة والإجابة، ناهيك عن أن اختبار القدرات يتيح لكثير من الطلبة فرصة المنافسة على القبول في الجامعات، وخاصة الطلبة الذين لم يحالفهم التوفيق في تحقيق معدلات مرتفعة في نتائج المرحلة الثانوية، على الرغم من تمتعهم بقدرات عالية تؤهلهم للدراسة الأكاديمية في الجامعات لأن هذا الاختبار يقيس ما لا تقيسه اختبارات المرحلة الثانوية.

وقالت ابتسام الشيخ، إن اختبار القدرات العامة لا يعتمد على التذكر المعرفي المباشر وحفظ المعلومات بقدر ما يقوم على فحص قدرات الطالب الذاتية على الفهم والقياس والاستنتاج، ويسهم في إرشاد الطالب إلى معرفة حقيقة ميوله في ضوء ما تتطلبه التخصصات التي تستهويه من قدرات ومعارف، فلا يعود اختبار التخصص رهنا بالرغبة وحدها أو بضغوط اجتماعية معينة، ويسهم الاختبار في تبصير الطالب باحتمالات نجاحه في التعليم العالي، ليتخذ القرار المناسب حيال ذلك حيث يعتبر اختبار القدرات مثل أداة عادلة ومناسبة تعطي الجامعة والطالب وولي الأمر شيئا من الثقة في مناسبة الطالب لهذا التخصص الذي هو مقدم عليه وأهليته للاستمرار فيه والتخرج فيه.

وذكرت الشيخ أن «هذه الاختبارات تسهم في وضع الطالب المناسب في المكان المناسب حيث إن المعايير المدرسية وحدها لا تفي بشروط الاصطفاء العادل، لوجود التفاوت الكبير في الدرجات ونوع الأسئلة من مدرسة لأخرى، فالدرجات التي يحصل عليها الطالب لا تفصل في نتائجها بين ما يعود إلى المقدرة وما يعود إلى الاجتهاد والمثابرة، ويقدم اختبار القدرات العامة فرصة إضافية لقبول من يملكون قدرات عالية، لكنهم لم يظهروا مستوياتهم الفعلية في اختبارات الثانوية العامة».

وشرحت ذلك بالقول: «هناك فئة من الطلاب في الثانوية العامة من أصحاب الاستعداد الذين لا يشدهم التعليم في تلك المرحلة من نموهم، فلا تعكس الدرجات المدرسية مستوى قدراتهم، وقد يستبعدون من التعليم العالي من غير حق، في حين أنهم قد يتمتعون بقدرات متفوقة تؤهلهم لهذا المستوى من التعليم، وهذه الاختبارات تعطيهم فرصة للالتحاق بالتعليم العالي»، حيث يسهم اختبار القدرات في تقدير أحقية الطلبة ذوي القدرات العالية في مواصلة دراستهم الجامعية.

واستطردت الشيخ بالقول إن الشرط المطلوب لضمان الاستثمار الأمثل لقدرات كل من يلتحق بالتعليم العالي هو أن يوجه نحو التخصص المناسب لاستعداده، ولحاجات البلاد الاقتصادية والاجتماعية ولا يتحقق الاستعداد الفعلي للاختبار إلا بفهم الطالب لمحتوى الاختبار واستيعابه لكل جزء منه، وتعلمه لطريقة التدريب الذاتي، حيث إنه من فوائد تقديم الاختبار أكثر من مرة في العام إعطاء الطلبة أكثر من فرصة للتأكد من أدائهم في الاختبار الذي يعكس مستواهم الفعلي، وهناك علاقة وثيقة بين مدى نضج المجتمعات والاهتمام بالتعليم وبين استخدام اختبارات القبول كأحد معايير دخول الجامعة، والحافز الأقوى للتعليم والتدريب هو الدافع الذاتي، وهو سبيلك للنجاح في حياتك.

وأفادت الدكتورة هند الجهني، أكاديمية سعودية، بأنه تكشف لها من خلال دراسة تم إعدادها أن 65 في المائة من الطلاب والطالبات في السعودية لا تتواءم نسبة درجاتهم في الثانوية العامة مع اختبارات القدرات، وهو ما يعني وجود خلل منهجي واضح، فكيف نسلم بنسبة أن الطلاب والطالبات الذين يتخرجون بدرجات امتياز لا يستطيعون الحصول على 75 في المائة في اختبارات القدرات، وهو تحول نوعي في المفاهيم اللازمة لذلك.

وأوضحت أنه كيف يمكن أن تقيس قدرة شخص يريد أن يتخصص مثلا في اللغة الإنجليزية وتعطيه اختبار قدرات في شتى المجالات وهو يريد لغة إنجليزية، فينبغي قياس قدراته في اللغة على مدار مراحل التعليم العام وبالتالي لا يعلم ما سيواجهه وبات يعتمد على الحظ، وليس لها انعكاس تربوي مباشر في ما يعرف بقياس المهارات والقدرات اللازمة.

إلى ذلك، أوضح نائب وزير التربية والتعليم لشؤون البنين الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، أن تجسير الفجوة بين مخرجات التعليم العام من خلال نتائج الثانوية العامة بمقابل نتائج اختبارات المركز الوطني للقياس والتقويم المتمثلة في القدرات والتحصيل هي استراتيجية لدى الوزارة، وتعمل الوزارة على معالجة جميع العوامل التي أسهمت في وجود هذه الفجوة من خلال تحسين العملية التربوية والتعليمية بجميع عناصرها، مبينا أن المعيار الذي تعمل الوزارة على موازنته في المرحلة الحالية هو تحقيق التوافق بين نتائج اختبارات الثانوية العامة ونتائج اختبارات المركز الوطني للقياس والتقويم.

وأوضح آل الشيخ، أن الوزارة تتجه لتفعيل الاختبارات الوطنية التي ستشمل مخرجات الصف الثالث الابتدائي والصف السادس الابتدائي والمرحلة المتوسطة ومقارنتها مع اختبارات الطلاب والطالبات في التعليم العام، للوصول إلى تحديد اتجاهات التطوير، مشيرا إلى أن الوزارة بدأت في تنفيذها على صعيد المقررات الدراسية، ووضع التصورات نحو توفير وسائل وأساليب تعليمية ترتقي بالأداء العام للمعلمين والمعلمات وتسهم في تعزيز دورهم لأداء رسالتهم.

من ناحيته، علق الدكتور هاشم حريري، المفكر التربوي، قائلا إنه «من خلال عملي في الجامعة فإن الطالب هو الضحية أمام التغيرات التي يواجهها في سوق العمل أو من أهله أو من الجامعة»، مؤكدا أن هناك نسبة نحو الهدف في التعليم العالي، بمعنى أنه إذا دخل الجامعة 15 ألف طالب وطالبة، وتخرج منهم 50 في المائة، فأين ذهب الباقون؟ ألم يصرف لهم مكافآت؟ فالطالب في الجامعة يكلف 20 ألف ريال في الفصل الواحد في النظري، وطالب الطب يكلف مليون ريال. ففي الطب نسبة الطالب إلى الأستاذ 1 إلى 5، وفي العلوم والهندسة 1 إلى 15، وفي الكليات النظرية 1 إلى 25.

وقال إنه يجب أن تتدخل وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية في كل صغيرة وكبيرة حتى تستطيع تحديد العدد الذي سيتم قبوله في سوق العمل، سواء بالقطاع العام أو القطاع الخاص، وأضاف «وهنا أشير إلى أمر مهم، هو أن تقييم الطلاب في مراحل التدريب يجب أن يأتي من المنشآت التي تدربوا فيها، كما يحدث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حيث يأتي تقييم طلبة الجامعة من نفس المصنع الذي تدرب فيه الطالب، لكن هنا في جامعة أم القرى الطالب الذي يتخرج في كلية الهندسة مثلا ويذهب للتدريب لا يجد أي استجابة من القطاع الخاص للتدريب لديهم، وإن تدرب فبالواسطة، والسبب غياب التنسيق وعدم التنويع في المناهج، فالمناهج هي هي لم تتغير، فلا بد أن تكون هناك مشاركة جماعية بين الجامعة والمجتمع».