مواد العلوم والتكنولوجيا ضرورة عالمية ملحة لسوق العمل والمنافسة

تقريران أوروبيان: معالجة تدني التحصيل في العلوم والرياضيات ما تزال تشكل تحديا

TT

لا يزال الضعف في تحصيل وأداء الطلبة في العلوم والرياضيات، يشكل تحديا للعديد من دول العالم، كما أن هناك اعترافا عالميا متزايدا بالحاجة إلى مواطنين مثقفين علميا لمواجهة متطلبات سوق العمل المتطورة في مجتمع المعرفة. وهناك إجماع في الكثير من دول العالم، على أن التربية العلمية عموما تواجه تحديات خطيرة، من بينها نقص الموارد التربوية والمالية والنقص في أعداد المعلمين المدربين على نحو كاف، والتربية العلمية في معناها الوسع، تعني: فهم كل فرد في المجتمع لحقائق ومفاهيم العلم الأساسية فهما وظيفيا يساعده على التعامل مع المجتمع وإيجاد حلول للمشكلات التي قد تعترضه. وهناك حاليا اهتمام عالمي متزايد بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي تعرف اختصارا باسم «ستيم» (STEM)، وهي اختصار للأحرف الأولى بالإنجليزية لكل مجال من هذه المجالات المهمة، التي تتخلل تقريبا كل جانب من جوانب حياتنا الحديثة وتعد المفتاح الرئيسي لمواجهة العديد من التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجه البشرية حاليا ومستقبلا، كما أن هذه المجالات هي التي ستحدد من سوف يتبوأ المكانة الرفيعة في السباق العالمي نحو القمة.

ويعد تقديم تعليم أفضل للطلبة في هذه المجالات العلمية الحيوية، هدفا أساسيا للعديد من الدول، إذ إنه يعني في النهاية تقدما علميا ومعرفيا متزايدا لها ومنافسة عالمية ووظائف في مجالات حيوية للمجتمع ومساهمة أفضل في التنمية الاقتصادية المستدامة والرفاه الاجتماعي وبالتالي بناء اقتصاد قوي ومستقبل أكثر إشراقا للجميع.

لهذا، هناك حاجة عالمية ملحة لتحسين إعداد علماء الغد، ليس فقط من خلال الحصول على نطاق واسع على جودة الخدمات التعليمية وفرص إجراء البحوث والتسهيلات لجميع الطلبة، ولكن أيضا من خلال العمل على تحسين دافعية واهتمامات الطلبة نحو الاهتمام بدراسة العلوم والرياضيات، بحيث يتجه أفضلهم نحو المهن والوظائف المتعلقة بمجالات العلوم والتكنولوجيا.

وقد صدر مؤخرا تقريران أوروبيان من قبل المفوضية الأوروبية، تناولا تعليم العلوم والرياضيات في أوروبا، وأشارا إلى أن هناك تدنيا في تحصيلها، وما زالت هناك تحديات في معالجة هذا التدني. وقد أشار التقريران إلى أن واضعي السياسات في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة المدارس على معالجة ضعف التحصيل في العلوم والرياضيات. وكشف التقرير الخاص بتعليم الرياضيات أن 5 دول أوروبية فقط (بريطانيا وإيطاليا وهولندا وآيرلندا والنرويج) قد وضعت أهدافا وطنية لتعزيز مستويات الإنجاز، على الرغم من أن غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقدم مبادئ توجيهية عامة لمعالجة الصعوبات التي تواجه التلاميذ في هذا المجال. وأظهر التقرير الخاص بتعليم العلوم أنه ليس هناك دولة من الدول الأعضاء لديها سياسات وطنية محددة لدعم التحصيل المنخفض في العلوم، على الرغم من أن 5 دول (بلغاريا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبولندا)، قد أطلقت برامج لمعالجة ضعف التحصيل بشكل عام. وخلص التقريران إلى أنه، على الرغم من تحقيق الكثير في تحديث مناهج العلوم والرياضيات، ودعم المعلمين المسؤولين عن التنفيذ، فإن التغييرات لا تزال ناقصة.

تقول أندرولا فاسيليو، المفوضة الأوروبية المكلفة بالتعليم والثقافة وتعدد اللغات والشباب، بأن «أوروبا في حاجة إلى تحسين أدائها التعليمي، وكل من مجالات العلوم والرياضيات تلعب دورا حاسما في المناهج الحديثة، ليس فقط لمواجهة احتياجات سوق العمل، ولكن أيضا لتطوير المواطنة الفعالة والإدماج الاجتماعي وتحقيق الذات. ورغم أنه يتم إحراز تقدم، فإنه لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه. نحن بحاجة أيضا لمعالجة التوازن بين الجنسين، بحيث يتم دعم وتشجيع المزيد من الفتيات في مجالات العلوم والرياضيات. لقد حان الوقت لتكثيف جهودنا لدعم مهنة التدريس ومساعدة الأطفال الذين يعانون ويناضلون من أجل إحراز تقدم في دراستهم».

ويقدم كلا التقريرين، تحليلا مقارنا لمداخل تدريس العلوم والرياضيات، وذلك بهدف المساهمة في النقاش الأوروبي والوطني بشأن كيفية تحسين المعايير. ويشير التقريران إلى أن الدراسات الدولية قد أشارت إلى أن إحراز وتحقيق الطلبة للتقدم في المواد الدراسية يرتبط بخلفية الأسرة ونوعية التدريس وهيكل وتنظيم نظم التعليم. ويرى تقرير تعليم الرياضيات أن، غالبية الدول الأوروبية تعتمد على نهج يرتكز على النتائج، والذي يركز على مهارات الطلبة العملية، حيث ينخفض حجم محتوى الرياضيات في المناهج الدراسية، ويزداد التركيز على حل المشكلات وتطبيق الرياضيات، وهذا النهج يستجيب بشكل أفضل لاحتياجات الطلبة، ويظهر بوضوح كيف يمكن تطبيق الرياضيات في العالم الحقيقي. ومع ذلك فإن التحدي الذي لا يزال موجودا هو في توفير الدعم اللازم للمعلمين والذي يدعو لمواصلة التدريب، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك حاجة لتعزيز الدعم والتوجيه لتدريب مجموعات متنوعة من الطلبة. أما تقرير تعليم العلوم، فقد حدد 8 بلدان أوروبية فقط (ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وآيرلندا وهولندا والنمسا والمملكة المتحدة والنرويج)، لديها استراتيجيات شاملة لتعزيز تعليم العلوم، تتناول المناهج وطرق التدريس والتدريب المستمر للمعلمين، وبالإضافة إلى ذلك فإن، معظم الدول الأوروبية تعمل على تعزيز طرق مبتكرة لتدريس العلوم، مثل التعلم القائم على التحقيق والاستعلام والاستقصاء (Inquiry - based learning)، ابتداء من المدرسة الابتدائية، وإشراك الطلبة في المناقشات حول المخاوف البيئية، وإظهار التطبيقات العملية للعلوم في الحياة اليومية. ويشير التقرير إلى أنه، رغم أن هذا أمر مشجع، فإن السياسات الوطنية المحددة لدعم التحصيل المنخفض في مواد العلوم لا وجود لها في أي بلد أوروبي. ويركز التقريران على أهمية إصلاح المناهج الدراسية في العلوم والرياضيات وأساليب التدريس والتقييم، وكذلك على ضرورة التدريب المستمر للمعلمين، وأهمية إثارة دافعية الطلبة لزيادة اهتمامهم بالعلوم والرياضيات ورفع مستويات تحصيلهم فيها.