أميركا: ضرورة التركيز على رفع مستوى التدريس أكثر من الاختبارات

كي يحصل المعلم على رخصة مزاولة المهنة

TT

بدأت نيويورك وما يصل إلى 25 ولاية أخرى تسير نحو تغيير الطريقة التي يمنح بها المعلمون رخص مزاولة المهنة، وذلك بتقليل الاهتمام بالاختبارات والمقالات التحريرية لصالح اتجاه آخر أكثر صعوبة يتطلب من المعلمين الطموحين إثبات أنفسهم من خلال تحضير الدروس والواجبات المدرسية والحصص الدراسية المسجلة على أشرطة فيديو.

وعلق رايموند بيتشيون، وهو أستاذ محاضر في «جامعة ستانفورد» يرأس المركز الذي تولى وضع المعايير الجديدة، قائلا: «إنه مشابه جدا للتقييم الأصيل في المهن الأخرى». وأشار مايكل ميلغرو، رئيس نقابة معلمي مدينة نيويورك، إلى أنه يفضل جعل اشتراطات منح رخص مزاولة التدريس أكثر صعوبة.

ويعد هذا التغيير محاولة لضمان أن من يدخلون في سلك التدريس لا يعرفون النظريات التربوية فحسب، بل يمكنهم أيضا إظهار القدرة على قيادة الفصول الدراسية والتعامل مع الطلاب ذوي القدرات والحاجات المتباينة، باستخدام موارد محدودة في الغالب، كما يعد أيضا رد فعل للانتقادات التي تتعرض لها بعض كليات إعداد المعلمين، حيث تتهم بأنها تخترع الدبلومات ولكنها تفشل في إعداد المعلمين لنوعية الخبرات الحقيقية التي يمكن فيها أن تكون الابتكارية والمرونة مفتاحين للنجاح.

وسوف يبدأ العمل بمعايير الترخيص الجديدة العام المقبل في ولاية واشنطن، وقد بدأ العمل بها فعلا في ولاية مينيسوتا. وسوف تبدأ نيويورك في تفعيل المعايير الجديدة بداية من عام 2014، حيث يقدر أن يتخرج نحو 62 ألف معلم جديد. كذلك تنوي ولايات إلينوي وأوهايو وتينيسي تطبيق التقييم الجديد خلال الأعوام المقبلة، وهناك نحو 20 ولاية أخرى تقوم باختباره من خلال برامج تجريبية لتحديد ما إذا كانت ستعتمده في النهاية أم لا.

وأوضحت ستيفاني وود غارنيت، وهي مفوضة مساعدة في مكتب التعليم العالي التابع لإدارة التعليم بولاية نيويورك: «لا نريد أن نعرف ما إذا كان يمكنك اجتياز اختبارات الاختيار من متعدد أم لا. نريد أن نعرف ما إذا كان يمكنك القيادة».

ورغم أن هناك كثيرا من السبل كي تصبح معلما في نيويورك، فإن المرشحين يتعين عليهم في المعتاد الانتهاء من برنامج جامعي معتمد لدى الولاية، والتخصص في المادة التي يختارها المرشح، ثم اجتياز ثلاثة اختبارات على مستوى الولاية. كما يستوفي المرشحون عادة نوعية معينة من اشتراطات التدريب العملي للمعلمين، بينما يستطيع غيرهم تحقيق الاشتراطات نفسها في برنامج معتمد للحصول على درجة الماجستير.

ويحل نظام التقييم الجديد محل اثنين من الامتحانات التحريرية الثلاثة، وهما يتكونان من أسئلة الاختيار من متعدد والأسئلة المقالية، كما يضيف عناصر التقييم الصفي. ويقول جون كينغ، وهو المفوض التربوي بالولاية: «سيكون من الأصعب تحقيق المستوى اللازم للنجاح. سوف يتعين عليك إثبات أنك تمتلك معرفة أكبر بالمحتوى».

غير أن المنتقدين يتشككون في أن يقدم نظام التقييم الجديد معلمين أفضل، ويقولون إن فرض برنامج موحد على كليات التربية يؤثر على استقلاليتها في إعداد المعلمين، كما يخشون أيضا من أن الكليات قد لا يكون أمامها أي خيار آخر سوى تكييف مناهجها الدراسية لتتناسب مع هذه المعايير الجديدة.

وقد تم تصميم النموذج الخاص بتقييم العاملين في مجال التربية، والمعروف باسم «تقييم أداء المعلمين»، في «جامعة ستانفورد»، عن طريق الاستعانة بأكثر من 600 من التربويين، ومن بينهم أساتذة جامعيون، من مختلف أنحاء البلاد. وفي نيويورك، سوف يتم إدخال هذا النظام في الخريف المقبل في جميع كليات التربية التي تقدم شهادات للمعلمين، ويبلغ عددها 130 كلية.

ويوضح رايموند بيتشيون، وهو أستاذ محاضر في «جامعة ستانفورد» يرأس المركز الذي وضع التقييم الجديد: «إنه مشابه جدا للتقييم الأصيل في المهن الأخرى: في التمريض، في الطب، في الهندسة المعمارية. في أبسط صوره، نقوم بجمع النواتج الأصيلة للتدريس التي يستعملها كافة المعلمين في مهنتهم».

وفي ظل هذا النظام، تتم مراجعة ما يعده المعلم يوميا من خطط الدروس والمواد التدريبية والواجبات المدرسية، بالإضافة إلى سجلاتها التي تبين ما يصلح وما لا يصلح ولماذا. كما تتم دراسة تسجيلات فيديو للمعلمين الطلاب بحثا عن لحظات تناقش فيها موضوعات حيوية، مثل النسبة والتناسب في الرياضة مثلا. كذلك سيتم الحكم على قدرة المعلمين على ترسيخ مهارات التفكير وحل المشكلات، وتقييم الكيفية التي يتعلم بها الطلاب، وتشجيع فصولهم الدراسية على التعاون عند التعامل مع تحديات التعلم.

وتقول ليندا دارلنغ هاموند، وهي خبيرة في إعداد المعلمين في جامعة ستانفورد كانت تترأس الفريق الانتقالي الذي شكله الرئيس أوباما لإحداث تحول في السياسة التعليمية، إن طرق التقييم الجديدة لها أهمية بالغة بالنسبة لأي جهود لإصلاح الفصول الدراسية. وأضافت دارلنغ هاموند: «التدريس هو عمل قائم على الفعل. عليك أن تجعل أشياء كثيرة تحدث داخل حجرة دراسة بها كثير من الأطفال، وبصورة فعالة. لا يصح أن تكتفي بتعلم الكتب. لا يكفي أن تجتاز اختبارا تحريريا، أو حتى أن تحضر عددا من الفصول ضمن برنامج تعليمي. لا بد أن تكون قادرا على إثبات ما إذا كان بإمكانك التدريس حقا».

ويأتي نظام الاعتماد الجديد هذا في وقت يتعرض فيه أداء المعلمين لجدل شديد، وينظر إليه فيه على أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح المدارس. وقد تم تضمين تقييمات المعلمين الجديدة التي اعتمدها «مجلس الوصاية» بمدينة نيويورك في شهر مارس (آذار) الماضي، أيضا في طلبات الحصول على المنح الحكومية الفيدرالية، في إطار مسابقة «السباق نحو القمة».

وأبدى مايكل ميلغرو، رئيس «الاتحاد المشترك للمعلمين»، وهي نقابة معلمي مدينة نيويورك، تأييده لتشديد اشتراطات منح رخص مزاولة مهنة التدريس، مؤكدا أن انتشار المعلمين المبتدئين الذي يترك كليات التعليم العالي «غير مهيأة للتدريس هو أحد الأسباب الرئيسية وراء الارتفاع الشديد فيما نتعرض له من تآكل».

* خدمة «نيويورك تايمز»