السعودية تدفع بـ166 ألف مبتعث في قارات العالم الخمس

أعلى نسبة ابتعاث عرفتها البلاد في 8 مراحل

ثمة تخصصات جديدة بشكل يجعل مراحل الابتعاث المختلفة تتواءم مع احتياجات المجتمع المعرفي
TT

دفع التعليم العالي السعودي ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين، ولأول مرة في تاريخه بـ166 ألف مبتعث على ثماني دفعات متقطعة وفي قارات العالم الخمس، منها سبع مراحل سبقت، والثامنة أعلن عنها رسميا بـ33 ألف مبتعث، قطعوا حجوزات شبه مؤكدة نحو أقطار العالم المختلفة.

وسيتعين على الدفعة الأخيرة في مرحلتها الثامنة أن تستفيد من مرحلة الابتعاث بعد شوطٍ كبير شهد فيه معراج الابتعاث ولادات متعسرة فيما يختص بحاجة سوق العمل، وضرورة أن تتواءم مراحل الابتعاث المختلفة مع احتياجات المجتمع المعرفي الملحة.

وإن كان وكيل الوزارة لشؤون الابتعاث الدكتور ناصر الفوزان، قد أوضح أن وزارته أدرجت تخصصات جديدة بناءً على ما أظهره التقييم السنوي الذي تقوم به بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل في القطاعين الحكومي والخاص، وهي تخصصات تهتم بالنقل البحري، وتشمل الهندسة البحرية، والملاحة البحرية، والمساحة البحرية، والموانئ والنقل البحري، فإن مراقبين طالبوا بضرورة سبر أغوار المجتمع المعرفي بعمقٍ أكبر.

واستلهم المراقبون الحاجة الماسة لاقتحام تخصصات وصفت بأنها خرجت من عقال السعوديين لسنوات طويلة، وباتت كبريات الشركات الأجنبية، تستحوذ بشكلٍ كبير على تلك التخصصات، لمرور الطلبة السعوديين بمرحلة «تصحر» معها.

وقالت الدكتورة رقية المعايطة، المستشارة وخبيرة التعليم لـ«الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة السعودية في مجال التعليم، خاصة في المرحلة الجامعية، فإنها لا تزال تعاني من غياب الرؤية في تحديد معالم تلك المرحلة، كذلك لا توجد مواءمة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل، وتدني كفاءتها الداخلية والخارجية، حيث إن الشباب يكتشفون في معظم الأحوال خلال التعليم الثانوي عالما من المعرفة مقسما إلى مواد دراسية عديدة (اللغات، الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا، العلوم الطبيعية، العلوم الاجتماعية.. إلخ)، ولهذا، وجدت فجوة حقيقية بين ما هو موجود وما هو مرغوب مستقبلا.

وزادت الدكتورة رقية بالقول: «تسعى كل فلسفة تربوية إلى تحديد غايات التربية والتعليم الأساسية للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية القادرة على توفير رأس المال المعرفي والإبداعية القادرة على إدماج التقنية الحديثة في العمل، فضلا عن تحقيق التعلم مدى الحياة، والبنية التحتية المبنية على تقنية المعلومات والاتصالات التي تسهل نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفه مع الاحتياجات المحلية، كذلك الحوافز التي تقوم على أسس اقتصادية قوية تستطيع توفير كل الأطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو».

وأبانت المعايطة أن المهارات الأساسية التي يحتاجها طلبة المرحلة الثانوية ليواصلوا تعليمهم الجامعي بكفاءة في ضوء اقتصاد المعرفة ومتطلبات اقتصاد المعرفة، ترتكز على المعلومات والتقنية والعلاقة الطردية بين التنمية وتوليد المعلومات واستخدامها، والتي إذا تم تحقيقها ستعمل على توفير وظائف ليس للمؤهلين معرفيا فقط، بل للمبدعين والمبتكرين أيضا، ولأصحاب المهارات الداعمة لأعمالهم، وهذا لا شك دور مؤسسات التعليم العام والعالي كمؤسسات معرفية.

وأوضحت المستشارة الأكاديمية الحاجة إلى الوصول لما يتواءم مع تطلعات مؤسسات عالمية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، التي تؤكد أهمية الخروج من التعليم الذي يحافظ على الأفكار والقوالب النمطية، إلى توافر تعليم ثانوي جيد يتوافق مع الاحتياجات التعليمية للشباب وللمجتمع، والعمل على دمج سياسات تعليم المرحلة الثانوية في سياسة قائمة على الربط بين القطاعات بتعزيز إقامة الشراكات مع المجتمع المدني، ومع وسائط الإعلام، والتجارب العالمية، كتجربة اليابان في التعليم التي تفتخر بأن نسبة الأمية فيها (0.0 في المائة)، والتي أعلنت أنه بعد عام 2000م يعتبر الشخص الذي لا يجيد لغة أجنبية ولا يستطيع التعامل مع الكومبيوتر في عداد الأميين.

وساق بدوره الدكتور أحمد الزهراني، أكاديمي وباحث سعودي، مثالا بتجربة سنغافورة في التعليم، التي حققت مراكز متقدمة جدا في مسابقات الرياضيات والعلوم العالمية، حفزت العالم لدراسة أسرار تفوق الطلاب السنغافوريين في الرياضيات للاستفادة من تلك التجربة في تصميم المناهج، وتطوير طرق التدريس، وإعداد المعلمين المتمكنين الذين يسهمون في صقل المواهب وتنمية العقول. وتجربة الولايات المتحدة الأميركية في التعليم، التي تسعى دوما إلى تطوير سياساتها التعليمية بعد كل أزمة تمر بها، فكان منعطفها الثاني عندما أصدرت تقرير «أمة في خطر» A Nation at Risk، نتيجة لعدم قناعتها بما يقدمه التعليم الثانوي الأميركي من مخرجات.

وتابع الزهراني بالقول: «ارتكزت أهداف المدرسة الثانوية على: القدرة على التفكير، الإعداد للحياة، تنمية القدرة على التعامل مع المعلومات، اختيار البدائل وحل المشكلات، اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة في سوق العمل، والعادات والاتجاهات السليمة. كذلك من تجربة المملكة العربية السعودية الحالية في تطوير التعليم، كالمشروع الشامل لتطوير المناهج، ونظام المقررات، ومشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام (تطوير)، الذي جاء استجابة لتوجيه القيادة السياسية العليا، ولبنة من لبنات الإصلاح التعليمي، مستهدفا تحسين أداء عناصر العملية التربوية والتعليمية، لتكون مؤهلة لإعداد الجيل الصالح الفاعل المساهم في تنمية الوطن والمجتمع، من خلال برامجه الأربعة: برنامج إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات، برنامج تطوير المناهج التعليمية، برنامج تحسين البيئة التعليمية، وبرنامج دعم النشاط غير الصفي».

وعرض الزهراني الأنموذج المقترح للمهارات الأساسية التي يحتاجها طلبة المرحلة الثانوية في مدارس السعودية ليواصلوا تعليمهم الجامعي بكفاءة في ضوء اقتصاد المعرفة، حيث تبدأ بمرحلة التخطيط للتخطيط، والتزام جميع من يعمل في مجال التعليم الثانوي من مخططين ومنفذين، واعتبار كل منهم بمثابة خبير في بناء طلبة المرحلة الثانوية، إلى استشراف الواقع المأمول والمهارات التي يتوجب أن يكتسبها خريج المرحلة الثانوية ويحاسب عليها القائمون على تحقيقها، وعملية وضع البرامج الناجعة وتنفيذها، إلى مرحلة قياس درجة ترضي كل من له مصلحة وهدف من نجاح التعليم الثانوي من طلبة خريجين سواء متوجهين إلى سوق العمل مباشرة باحثين عن فرصة عمل، أو متوجهين إلى التعليم الجامعي ممتلكين المهارات التي تمكنهم من ولوجه بكفاءة واقتدار.

وقال الزهراني: «يأتي هذا رغبة في إيجاد آليات واضحة لدمج مهارات الألفية الثالثة ضمن المحتوى الدراسي، والممارسات التعليمية، وفي برامج إعداد المعلمين قبل الخدمة وأثناءها لتحقيق التنمية المهنية المستدامة، والعمل على تطوير أو بناء دليل تربوي للتخطيط الاستراتيجي في المدارس الثانوية السعودية، وإيجاد اعتماد مدرسي للمرحلة الثانوية مبني على أسس تقويم فاعلة للمساعدة على ضبط الجودة في التعليم الثانوي لزيادة كفاءة مدخلات التعليم الجامعي».