قطر تتصدر الدول العربية في تحقيق أعلى دخل للمعلم بـ80 ألف دولار سنويا

تحذيرات واسعة من تردي الواقع التعليمي عربيا

التعليم في الوطن العربي يمر بمطالبات واسعة للتطوير
TT

تباينت أسعار رواتب المعلمين في الدول العربية بامتداد جغرافيتها، حيث تصدرت دول الخليج المراتب الأعلى ماليا في حصول معلميها على أعلى الإيرادات السنوية، مقابل انخفاض دول عربية أفريقية إلى مستويات متدنية.

وفقا لإحصاءات غير رسمية، فإن دولة قطر احتلت المرتبة الأولى بما يعادل متوسط 80 ألف دولار سنويا، تليها دولة الإمارات بـ60 ألف دولار، فالكويت بـ55 ألف دولار، والسعودية بـ50 ألف دولار، في وقت انحدر فيه راتب المعلم في الصومال إلى ألف دولار سنويا.

وحذرت جهات تعليمية مختلفة من خطورة تردي أوضاع المعلمين في بعض الدول العربية، مؤكدة أن ذلك يعد مؤشرا خطيرا على تردي الأوضاع التعليمية في كثير من البلدان العربية في ظل غياب المحفزات التعليمية اللازمة لتطوير العملية التربوية.

من جانبه، قال الدكتور فهد الخطابي، أكاديمي متخصص في السياسات التعليمية والتربوية، إن بعض ركائز التعليم في بعض البلدان العربية وصل إلى الحضيض، فالتعليم والواقع التعليمي في بلادنا العربية يحتاجان إلى إصلاح جذري، ولا بد من تحرك جاد وفاعل يبدأ بإدراك حقيقة مهمة هي أن التعليم في حاجة إلي تطوير فعال وتغيير جذري يساهم في بناء الإنسان.

وأوضح الخطابي خطورة ضعف الخطط التعليمية في غالبية البلدان العربية، وأنها تقود إلى مأزق تعليمي كبير، لأن كثيرا من المناهج التعليمية في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، أبعدت عن أجندات التعليم فيها مبدأ محاكاة سوق العمل وضرورة الإنتاج، وأثرهما الكبير في إعطاء دافعية واضحة في عمليات التنمية وبناء الأمم.

وقال الخبير التعليمي إنه غاب عن راسمي السياسات التعليمية في الوطن العربي أهمية ترسيخ المسؤوليات المشتركة بين الجامعات والمدارس من جهة، وبين القيمة الفعلية والتنظيمية للعمل الممنهج، وكما يقول المرحوم مالك بن نبي: «من الصعب أن نعيش في مدينة واحدة بجوار بعضنا البعض، ولكننا أمة سلبية وأمة تخلط بين العلم والثقافة، فالثقافة عندها هي الدين وليس مجرد العلم»، ومن المهم أن نرعى المواهب ونعطي الشباب الفرصة للعمل ونرسخ فيهم حب العمل وتقديس الإنتاجية والرغبة في البناء والقدرة على قيادة المؤسسات الحضارية، ومن الخطورة أن نراوح في مكاننا، ولا بد أن نتحرك بوعي ومسؤولية وفعالية.

وقالت الدكتورة عائشة الأركوبي، خبيرة المناهج والتربية في جامعة أم القرى بالسعودية لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم الجامعات العربية الرسمية لم تعد تستطيع تلبية احتياجات الطلب المتزايد على التعليم العالي، لا سيما أن هذه الجامعات تعتمد بشكل رئيسي على التمويل الحكومي بالإضافة إلى إيراداتها من الرسوم المحددة إن وجدت، التي لا تتغير إلا فيما ندر.

وأضافت الأركوبي أنه ليس بمقدور هذه الإيرادات أن تلبي تطلعات هذه الجامعات في التوسع والتطور المستقبلي، كما أن معظم الجامعات مكتظة بالطلاب.

وأشارت عطفا على دراسة تحليلية قدمتها، إلى أنه بسبب التزايد الكبير في أعداد الطلاب الناجمة عن النمو السكاني الكبير في معظم الدول العربية، فإنه تبقى معدلات الإنفاق السنوي على طالب التعليم العالي العربي متدنية كثيرا مقارنة بنظيره في الدول المتقدمة حيث يبلغ متوسط هذا الإنفاق نحو 2450 دولارا سنويا مقارنة بـ14200 دولارا في إسبانيا و43000 دولار في سويسرا، وفق إحصائيات عام 1996.

وأضافت الأركوبي أن إحصائيات أخرى لسنة 1999 تشير إلى أن عدد الطلبة الملتحقين بالدراسات الإنسانية والاجتماعية والإدارية بلغ ما يقارب 78 في المائة من مجموع الطلبة الملتحقين بالدراسات الجامعية في مجمل الدول العربية. وتابعت أن المعدل العربي العام لنسبة الطلبة إلى أعضاء هيئة التدريس في مجمل هذه التخصصات يصل إلى 78.1 طالب لكل عضو هيئة تدريس.

ولاحظت الدراسة أن أغلب المناهج الدراسية وخاصة العلمية والتقنية منها تعاني من التبعية شبه المطلقة إلى المصادر الأجنبية ويسودها الجانب النظري على حساب الارتباط مع الواقع العلمي أو المهني. ودعت الدراسة الجامعات العربية الخاصة إلى تحمل العبء في النهوض بمسؤولياتها، وتطوير المناهج والخطط الدراسية وتفعيل البحوث وربطها بالمجتمع.

من جهتها، قالت الدكتورة عالية المرزوقي، الأستاذة بالجامعة الأردنية، إن دافعية إلى العمل والإنجاز لدى المستفيدين منها، لأنهم يقبلون في الجامعة بصرف النظر عن الكفاءة والجدارة، وهم بالتالي يشعرون ويتوقعون بأنه يمكنهم الحصول على الشهادة الجامعية والانخراط في سوق العمل، بما في ذلك العمل في سلك التدريس في الجامعة، بالسهولة ذاتها.

وفي المقابل، يشعر الذين جرى التمييز ضدهم أن لا طائل من الجهد والعمل، لأن الآخرين وصلوا إلى ما وصلوا إليه دون حاجة لذلك. وفي الحالتين فالمجتمع ككل هو الخاسر من تدني المستوى ومن إهمال الجدارة والكفاءة كأساس ينبغي أن يكون الأساس الوحيد للتميز في المجتمع.

ماجد الحربي، كاتب صحافي سعودي، أوضح أنه دائما ما يؤكد لنا مسؤولو التربية والتعليم أنه قريبا سوف نتخلص من المباني المستأجرة، التي بعضها لا يصلح للسكن الآدمي! ولقد حددها بعضهم قبل سنوات بأن ذلك سيكون بحلول عام 2012، ونحن الآن في هذا العام ولم يتغير شيء؛ فما زالت المدارس المستأجرة شامخة متحدية كل القرارات التي تريد أن تزيلها؛ فذلك نوع مغاير من التردي، إضافة إلى أن البيئة المدرسية، وهي لا تقل أهمية عما قبلها.

بجانبه، قال خالد الحارثي، أحد المعلمين في السعودية، إن أساليب التدريس تعتبر من أهم العناصر التي تؤثر وبشكل حيوي على نوعية التعليم. حيث تتعدد في دول العالم أساليب توصيل المعلومات، فمنها المحاضرة، ومنها حلقات النقاش وورش العمل، والعمل التعاوني والمخبري. لكن في البلدان العربية يطغى أسلوب المحاضرة والإلقاء من جانب المعلم على كل ما عداه من أشكال.

وقال الحارثي إن ممدوح عثمان أشار في بحثه «التكنولوجيا ومدرسة المستقبل» إلى أن العملية التعليمية ما زالت تتم داخل الصفوف الدراسية، وتركز على المعلم كمصدر أساسي للمعلومات، وتتم بالطرق التقليدية المعتمدة على الكتاب الورقي والقلم والسبورة وبعض الوسائل التعليمية القديمة. أما استخدام الحاسبات والإنترنت والمعامل ذات الوسائط المتعددة فلم تجد طريقها إلى كثير من مدارسنا بعد.

واختتم الحارثي بالقول: لا يحتاج الأمر إلى جهد جهيد حتى يتبين تخبط نظام التعليم العربي وافتقاده لسياسة واضحة، وأهداف بينة وغايات معلومة، بقدر ما نحتاج إلى صفتين لازمتين؛ غيرة وجرأة. غيرة على قطاع هو ضامن هوية البلاد والعباد، وشرط نهضتها وعزها. وجرأة لرؤية الواقع، كما هو دون تحريف أو تزييف، لمباشرة إصلاح حقيقي بمبادئ راسخة وغايات واضحة.