أميركا: الشهادة الجامعية ليست كل شيء

كيف تسرب بيل غيتس وستيف جوبز من المدارس؟

TT

يجب أن تكون إدين فول في برينستون الآن. عليها أن تهرع إلى الفصل وتعكف على المذاكرة للحصول على درجة «إيه» في الاختبارات. باختصار، يجب أن تصعد سلم المدرسة القديمة متجهة صوب موقع مرغوب فيه بين النخبة المستقبلية في أميركا.

وهي في واقع الأمر لا تقوم بأي من هذا. بل قامت فول، التي تتسم باتقاد الذهن ورباطة الجأش والطموح مثل العضو المقبل في اتحاد «إيفي ليغ»، بشيء غير معتاد بالنسبة لفتاة من برينستون: فقد تسربت من الدراسة.

لم يكن سبب ذلك التكلفة الباهظة للدراسة الجامعية، فهي تقول إنها تلقت عرضا أفضل ربما يمثل محاولة من أجل تلقي تعليم أفضل.

وتعتبر فول (20 عاما) واحدة من أكثر التجارب غير المعتادة في مجال التعليم العالي اليوم. تتم مكافأة الشباب النابغين على عدم ذهابهم إلى الجامعة، واقتحامهم عالم العلم والتكنولوجيا والتجارة الواقعي.

وليست الفكرة جديدة. فقد تسرب بيل غيتس وستيف جوبز من التعليم، وأبليا بلاء حسنا.

بالطبع يعتبر نوع النجاح الذي حققاه نادر الحدوث. فقد غير غيتس وجوبز العالم. وترغب فول بدورها في تحقيق الإنجاز نفسه، وهي في عجلة من أمرها. لقد بنت لوحا شمسيا منخفض التكلفة وبدأت في اختباره في أفريقيا.

تقول: «كنت منزعجة من اختراق العالم وتطبيق أفكاري».

وفي وقت باتت فيه الشهادة الجامعية مثار شك، وأصبحت فيه احتمالات الحصول على وظائف أكثر صعوبة لكثير من الخريجين الجدد مما كانت عليه قبل سنوات، وربما لا يكون من المفاجئ أن نشاهد ظهور حركة عدم عودة للمدارس. الأمر المفاجئ هو مكان ظهورها ومن وراءها.

وتعتبر الخطوة التي تدفع مجموعة من الطلاب المختارين إلى ترك الدراسة بجامعتي برينستون وهارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من بنات أفكار بيتر ثيل (44 عاما) الملياردير والمفكر الحر صاحب السجل المميز في وادي السيليكون. بالعودة إلى عام 1998، أثناء فقاعة الدوت كوم، راهن ثيل على شركة أصبحت في نهاية المطاف هي شركة «باي بال»، عملاق المدفوعات الإلكترونية. ومؤخرا، شارك في مشروع في باكورته يحمل اسم «فيس بوك»، الذي أصبح أشهر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم.

تخرج جون ديمينغ، والد لورا، في جامعة برانديز في سن الخامسة والثلاثين، لكنه يقول إنه يكره التعليم الرسمي على جميع المستويات. تلقت ابنته تعليمها في المنزل.

كتب ديمينغ، الذي يعمل مستثمرا، في رسالة بريد إلكتروني: «لا يمكنني أن أتخيل بيئة أسوأ من المدرسة إذا ما أردت أن يتعلم أطفالك كيفية اتخاذ القرارات وإدارة المخاطر وتحمل مسؤولية اختياراتهم».

وأضاف ديمينغ: «بدلا من إرسالهم إلى المدرسة، أطلق لهم العنان في العالم. عرفهم على الجوانب القاسية في الواقع، وأهمها حتمية سعيهم بأنفسهم لكسب عيشهم. إنني أمقت ما يطلق عليه (التعليم) الأميركي». غير أنه بفضل برنامج زمالة ثيل، أصبح الوصول إلى بعض من أنجح رجال الأعمال في الدولة سريعا وسهلا. «أعددت قائمة تضم 50 شخصا أرغب في مقابلتهم وقابلت معظمهم بالفعل. الأمر يرجع بالفعل إلى العلاقات التي تمتلكها والأشخاص الذين تعرفهم. حقيقة، تلقيت تقييما إيجابيا وحصلت على مبالغ ضخمة من المال».

تقول زومر: «كان أصعب جانب هو عدم عودته إلى المدرسة. لقد أغلق الباب». الآن يقسم أولاه وقته بين منزل أمه في تورونتو، وما يطلق عليه نزل المخترقين، للبحث عن رجال الأعمال الرواد في مجال التكنولوجيا، في منطقة خليج سان فرانسيسكو – وقد غيرت زومر رأيها تماما. تقول: «هذه أمور لا تتعلمها في فصل دراسي. إنه يدون ويدرس ويصمم برامج كومبيوتر. أعتقد أنه أمر رائع. أعرف عددا كبيرا ممن حصلوا على درجة البكالوريوس وليس لديهم عمل يمكنهم الاستفادة منها فيه».

ترك كونور زويك (19 عاما) جامعة هارفارد لتصميم تطبيق ألعاب لهواتف ذكية – يشير إليه باسم «كوكو كونترولر» –يأمل في أن يمثل «ثورة في عالم ألعاب الهواتف الجوالة». بالنسبة له، كما هي الحال بالنسبة لعدد من أعضاء برنامج الزمالة الآخرين، تبدو منح برنامج زمالة ثيل من وقت ومال وحرية أشبه بفكرة متأخرة. إذا ما كرس أعضاء برنامج الزمالة جل طاقتهم على الزمالة لا على عملهم الخاص، «فإنهم يرتكبون خطأ، إنك تكون قد فقدت التركيز. الفائدة هي التحقق من مدى فعالية أفكارك. المال شيء جيد، لكن لدي بالفعل دخل يكفيني من مشاريعي إلى حد أنني لست بحاجة إلى هذا المال».

يشكك البعض في رفض ثيل التام لتجربة الدراسة الجامعية، داخل وخارج الفصل الدراسي.

ويقول أنتوني كارنيفال، مدير مركز التعليم والقوة العاملة بجامعة جورج تاون، إن برامج الزمالة في حد ذاتها جيدة، غير أن الرسالة هدامة.

«هؤلاء الأطفال غير العاديين والموهوبين موجودون في بيئة تعلم رفيعة المستوى. إنهم أشخاص متمتعون بامتيازات هائلة سمح لهم بتطوير قدراتهم بلا حدود. أرى أن هذا يجعلك شخصا غريبا».

يظل التعليم الجامعي أساسيا للأشخاص المقبلين من بيئات أقل ثراء، على حد قول كارمن وونغ أولريتش، المؤسسة المشاركة لشركة «ألتا ويلث مندجمنت»، شركة الاستثمار التي يديرها ثلاث سيدات في مدينة نيويورك. وتقول: «كثير من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية والآسيويين لا يمكنهم حتى طرح سؤال: هل الدراسة الجامعية تستحق العناء؟» .

ولدت أولريتش في هارليم ونشأت في أسرة مؤلفة من ستة أفراد، وعملت هي وأمها نادلتين، والآن تقوم بتعليم اللاتينيين.

تقول: «نحن لا ننطلق من نقطة البداية نفسها. في الوقت الذي أدعم فيه بالطبع بعضا من أفكار ثيل، إلا أن أطفاله بعيدون بمسافة أميال عن عدد هائل من الأطفال الآخرين. أتريد الذهاب إلى وادي السليكون وبدء مشروعك الخاص؟ كثيرون منا يعتبرون أول من يلتحقون بالجامعة في أسرتهم».

ويقول كارنيفال عن البرنامج: «إنه تجربة جديدة، وسوف نرى نتائجها».

* خدمة «نيويورك تايمز»