دراسة تربوية: التعليم بالترفيه يستحوذ فقط على 20% من طرائق التدريس في العالم العربي

ساعة لعب تعرفك بالشخص أكثر من سنة محادثة

التعليم بالترفيه بات إحدى ركائز التعليم في كثير من الدول المتقدمة
TT

خلصت دراسة علمية إلى أن 20 في المائة فقط من المدارس في العالم العربي تستخدم نظريات التعليم بالترفيه، وأن 80 في المائة من معلمي تلك المدارس، خاصة الحكومية، يفتقرون إلى التأهيل والتدريب الكافيين لجسرنة الوصول لهذه المدارس.

وكشفت الدراسة التي أجرتها الدكتورة عائشة المالكي، إحدى منسوبات تعليم مكة المكرمة، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، عن أن تلك المدارس ما زالت تتبع النظرية الإغريقية القديمة التي تنص على أن الطالب أو الطالبة عبارة عن كتاب مفتوح يجب تعبئته، بغض النظر عن الأساليب والطرائق الكفيلة بذلك.

وقالت المالكي ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، إنه «إذا رغبنا في أن يعيش الطلبة معنا في حيوية دائمة، فيجب عدم منعهم عن الضحك والمرح. نحن في أمس الحاجة لا إلى التغاضي عن السلوكيات التي تعبر عن المرح فقط، بل نحن في حاجة إلى اللجوء إلى كل حيلة ممكنة للخروج من المألوف الذي تصطبغ به معظم مدارسنا».

وأفادت الباحثة التربوية: «المرح في المدرسة ليس هدفا بحد ذاته، بل هو مدخل يفضي إلى كسر حالة العزلة بين بيئة المدرسة المصطنعة وحياتنا الطبيعية التي تتسم بالرغبة في الضحك والفرح. هذا يعني أن الضحك في بيئة المدرسة ضرورة لا رفاهية».

وأشارت إلى نشر المرح وإشاعة البهجة لا تتعارض مع الجدية والتركيز. مفهوم خاطئ ذلك الذي يعتقده الناس أن المرح يتعارض مع الجدية. كما أن ما ذكر لا يعني أن يتحول المرح والضحك إلى سخف ودعابات سطحية، تتحول مع الوقت إلى استهتار وعدم التزام. المطلوب هو بناء بيئة مدرسية بعيدة عن الروتين وقريبة من التفاعل ومفعمة بالمتعة والفرح.

وعللت الأسباب التي حالت دون تطبيق تعليم بترفيه إلى المعلمين أولا بحجة أنه لا يتوقع أن يمنح المعلم خدمة للطالب مغلفة بابتسامة إذا لم تمنحه الإدارة ما يستحق الابتسام. عندما تدعم بيئة المدرسة المعلمين للاحتفاء بنجاحاتهم، وعندما يلقى المرح الاستحسان والتقدير، تتغلغل في المدرسة روح الاعتزاز والثقة بالنفس التي بدورها تنتقل تلقائيا إلى الطلبة. إذا وجد المعلمون متعة حقيقية في أداء أعمالهم، فإن الأعراض تبدو واضحة: حماس في الأداء من جهتهم، وإقبال من الطلاب على الحضور والتعلم.

وعطفا على ذلك، أبانت المالكي لو أننا نرجع إلى زمن أفلاطون وأرسطو, حيث نادى الأول في كتابه «القوانين» بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب, ومنح أدوات بناء مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين في المستقبل, بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي حين يصيرون راشدين! كما أن عددا من الدراسات والأبحاث التربوية والنفسية أجمعت على اعتبار اللعب ضرورة بيولوجية, ونشاطا أساسيا لتكوين شخصية الطفل, بل يذهب بعض خبراء التربية إلى أنه وسيلة التعلم الوحيدة خلال السنوات الخمس الأولى.

خلصت عدة دراسات أجريت حول آثار اللعب في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي إلى أن الألعاب التعليمية متى أحسن تخطيطها وتنظيمها والإشراف عليها فإنها تؤسس مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعال يتجاوز بكثير سلبيات نمط التعلم التقليدي.

وأفادت الباحثة التربوية بأن من أهم مسؤوليات المهتم بالشأن التربوي والتدريبي محاولة فهم أفراده واستكشاف مكنوناتهم وطاقاتهم، وتلمس جوانب الضعف والقوة في شخصياتهم، والتعرف على جوانب الخلل في ذواتهم التي بحاجة إلى إصلاح، والألعاب التربوية تتيح له فرصا كثيرة لمراقبة سلوك أفراده في مواقف تحاكي الواقع وتقترب منه، والشواهد في الحياة كثيرة تؤيد ما وصل إليه «بلاتو» من أن «ساعة لعب تعرفك بالشخص أكثر من سنة محادثة».

وأفادت بالقول: «إن استخدامي الشخصي للألعاب في دوراتي التدريبية خلال السنوات العشر الماضية، وما خلصت إليه تجربتي في حقلي التربية والتعليم،، و(مركز العلوم المرحة)، وما لاحظته في مؤتمرات تربوية، وعايشته في ورش عملية كثيرة، ولامسته من تشجيع ومؤازرة واهتمام من الإخوة المربين والمدربين أثناء تقديمي للألعاب التربوية في منتدياتهم، كرست لدي قناعة بأهمية هذه الأداة التربوية التي من الممكن أن تضيف إضافة جديدة إلى تجربتنا التربوية، وتحديثها بما يتلاءم مع متطلبات البيئة الحاضرة، وحاجة العمل التربوي إلى تحديث في وسائله وأدواته. والحكمة دائما ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، جاءته من غرب أو شرق».

واستطرت الأكاديمية السعودية بالقول: «لا أدعي أن ما أعرضه هنا بدعة جديدة، فالألعاب التربوية ممارسة في وسائلنا التربوية، لكنها اجتهادات فردية تفتقر إلى التأصيل، فالألعاب طريقة تربوية لها تأصيلاتها النظرية في جامعات عالمية عريقة، وتطبيقاتها العملية المشاهدة في الدورات التدريبية، والفصول التعليمية في المدارس الغربية، تستند إلى ثروة من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، تقدم تحت عنوان (التعلم من خلال الممارسة) تارة، أو (التعليم الترفيهي Edutainment) أو (التعليم بالمرح)، وما العمل التربوي في محصلته النهائية إلا عملية تعلم هدفها إكساب الفرد معلومة جديدة، وغرس سلوك حميد وتنقيته من آخر شائن، وتغيير اتجاهات وقناعات، فالدراسات تؤكد أن الأفراد يتعلمون بصورة أفضل عندما تكون عملية التعلم ممتعة، فالألعاب طريقة جذابة وطبيعية، فنحن مفطورون على حب المرح الذي أحد مصادره اللعب، فـ(في داخل كل منا طفل يتوق للعب)، كما يقول نيتشه».