«بادر» تتوج فريقا سعوديا للمنافسة ضمن تحد تقني بوادي السيليكون في أميركا

نهضة اختراعات تشهدها المملكة مع تطور التقنية والاتصالات

صورة تجمع رواد التحدي والابتكار من داخل السعودية وخارجها («الشرق الأوسط»)
TT

في خطوة رائدة لدعم المخترعات، توجت حاضنات «بادر» للتقنية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الفريق السعودي الفائز بتصفيات مسابقة مبادرة «التحدي الوطني لريادة التقنية» لدعم الاختراع والابتكار، والذي يمثل مشاركة السعودية للمرة الأولى ضمن منافسات تحدي «إنتل» العالمي بوادي السيليكون بالولايات المتحدة الأميركية، إضافة لتتويج الفرق الفائزة بالمرتبة الثانية والثالثة، وتسليمهم الجوائز النقدية للمسابقة والتي بلغ مجموعها 50 ألف ريال سعودي «15 ألف دولار».

وقال الدكتور عبد العزيز الحرقان المدير التنفيذي لبرنامج «بادر» في كلمته بالحفل الختامي للمبادرة، إن برنامج «بادر» الذي بدأ قبل أربعة أعوام، أسس ليصبح منصة لدعم الشباب المهتمين في التقنية، وأثبت من خلال هذه المبادرة قدرة فئة الشباب في السعودية على الابتكار وحماسهم نحو ريادة الأعمال التقنية، وتعد هذه المبادرة كتجربة لإمكانيات «إنتل» في دعم التقنية والابتكار كخدمة اجتماعية تقدمها.

وتعقيبا على ذلك أشار المهندس عبد العزيز النغيثر، المدير العام لـ«إنتل» بالسعودية، أن الشركة كثفت جهودها في قطاع التعليم، حيث أنفقت ما يقارب 10 مليارات دولار خلال 10 سنوات على تطوير الجانب التعليمي، بدعم القرى والمناطق النائية بما يقارب 7 ملايين جهاز حاسب آلي، وتوفير «إنتل» لمعملين بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، التي استضافت معملا للشبكات وآخر لتقنية النانو. وشدد النغيثر في خطابه للمخترعين، بأن معامل «إنتل» تستقبلهم دوما لعمل الاختبارات والدراسات على منتجاتهم، منوها على أن غالبية الخدمات التي يحتاجها رائد الأعمال (كالتسويق والبرمجة) يمكن الحصول عليها بشكل جزئي ومنخفض التكلفة، دون عناء التوظيف بدوام كامل، وقال: «ريادة الأعمال والابتكار لم يعودا عملية صعبة بوجود سبل الاتصالات وتطور التقنية، فيستطيع أي شخص إنجاز أعماله من مكانه».

من جانب آخر، شهدت المبادرة إقبالا من نحو 600 شاب وشابة من مختلف المناطق والجامعات بالسعودية للمشاركة والاستفادة من الفرصة التي وفرتها المبادرة لتأهيلهم وتدريبهم للمساهمة في دعم وتطوير ريادة الأعمال التقنية، بتفاعل كبير من قبل المشاركين الذين انخرطوا في عدة برامج تدريبية وجلسات توجيهية ومحاضرات متخصصة استمرت خمسة أشهر من العمل الدؤوب والجهد المتواصل. كما تضمنت المبادرة الكثير من ورش العمل المختلفة التي ساعدت المشاركين على تطوير مهاراتهم التقنية، وتنمية قدراتهم وتأهيلهم على إعداد خطط عمل احترافية من خلال الاستعانة بعدد من الخبراء المحليين والدوليين لتطوير ابتكاراتهم لتصبح مشاريع تجارية واعدة، والتنافس على الصدارة للتواصل مع القادة والخبراء في مجتمع وادي السيليكون الريادي كممثلين عن السعودية في تحدي «إنتل» العالمي بالولايات المتحدة الأميركية.

واستهدفت مبادرة «التحدي الوطني لريادة التقنية» طلاب وطالبات الجامعات ورواد الأعمال السعوديين من سن 17 - 33 بلغ متوسط أعمار المشاركين بها 23 عاما، ونسبة 56% للمشاركين تراوحت أعمارهم ما بين 19 - 24 عاما. وتنوعت أفكار المخترعات في المجالات العلمية والتقنية، فدخلت ضمن مجال تقنية المعلومات والاتصالات نسبة 40% من مجموع الأفكار المقدمة، ومجال الهندسة الإلكترونية والكهربائية والحاسب الآلي استحوذت على نسبة 23%، فيما تنوعت باقي المشاريع بين الطاقة والبيئة، التجزئة والبرمجيات الاستهلاكية، تقنيات المياه، علوم الحياة والتقنيات الحيوية، وفي العلوم التطبيقية والصيدلة، وتقنيات النانو، وتقنيات الإلكترونيات الرقمية المنزلية.

وأظهرت إحصائيات التحدي أن 72% من المتنافسين هم من فئة الشباب، بينما 28% من الشابات السعوديات، يمثلون مختلف مدن السعودية، حيث احتلت الرياض المرتبة الأولى بنسبة عدد مشاركيها بـ37%، وجدة 12%، ونسبة 8% من المنطقة الشرقية، 6% من المشاركين من مكة المكرمة، و2% من المدينة المنورة، ومشاركون من مدن أخرى يمثلون 35% من نسبة المشاركين.

وتم اختيار 10 فرق للمنافسة في المرحلة النهائية التي جرت في مطلع الأسبوع الماضي بالرياض، لعرض مشاريعهم أمام لجنة التحكيم ومجموعة من المستثمرين لاختيار الفرق الفائزة. حيث فاز فريق (إيدنتتي) للمشاركين تركي الفهد وخالد فراج والذي يهتم بتصنيف الأشخاص حسب المحتوى الذي يقدمونه بالجائزة الكبرى لتمثيل السعودية في تحدي «إنتل» العالم، واحتل فريق موقع (اسأل طبيب) للأطباء وائل يار وسلمان اليمني والمتخصص في تقديم الاستشارات الطبية الإلكترونية بالمركز الثاني، فيما أحرز فريق (توك تو توك) لأسماء فطاني وأفراح مشاط، بابتكارهما الذي يهتم بتقديم خدمات التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة بجائزة المركز الثالث.

وذكرت أسماء فطاني في لقائها مع «الشرق الأوسط» أن فكرة مشروعها (توك تو توك) الذي تشاركت به مع رفيقتها أفراح مشاط، تأتي بعد مشاهدتهما أما لطفلة توحدية تعاني من التواصل مع ابنتها، فالطفلة لا تستطيع التعبير عن حاجتها كالجوع والألم، فتلجأ الطفلة للتعبير عن مشاعرها بطريقة أخرى إما بالضرب بقوة على الأرض أو الجدار أو بالصراخ المستمر، الأمر الذي يسبب لها المزيد من التعب فتؤذي يدها نتيجة قوة الضرب ويلتهب حلقها. تقول أسماء: «بدأنا في المشروع عندما كنا في المرحلة الثانوية والآن أنا في السنة التحضيرية مسار الكليات العلمية بجامعة أم القرى وأفراح مشاط تدرس لغة في بريطانيا لكن ما أثاره ذلك الموقف ولد لدينا رغبة في مساعدة تلك الأم وطفلتها».

واستندت المخترعتان فطاني ومشاط، على إحصائيات عالمية مسجلة عن التوحد، حيث يتم تشخيص حالة توحد كل 3 دقائق، ويعتبر التوحد من الإعاقات الأسرع انتشارا في العالم، ويعاني في السعودية أكثر من 250 ألف طفل من التوحد. وبنيت فكرة تطبيق (توك تو توك) على مساعدة أطفال التوحد على النطق والتخاطب بكلمات مبسطة، على عدة مستويات تبدأ بكلمات وتنتهي بجمل كاملة. وتتوقع أسماء فطاني أن يرى المشروع النور بعد سنتين إلى ثلاث سنوات، هي مدة تطويره وتجهيزه ثم طرحه للأسواق، متوقعة أن يحصل على هامش ربحي يفوق مليوني ريال، بعد دراسة وحسابات دقيقة.

وتبدو فكرة التعايش مع الإعاقة مسيطرة أيضا على المهندس علي البحراني والمخترع علي الدواء، اللذين تبنيا مشروع (إنلايتنند) أو المستنير، وهو عبارة عن لوح إلكتروني محمول يعلم الكفيف كيفية القراءة بلغة برايل كما أن الجهاز له القدرة على قراءة أي نص مكتوب سواء كان بصيغة إلكترونية أو حتى ورقية ويترجمه إلى لغة برايل على اللوح الإلكتروني مع توفر خاصية القراءة الصوتية، وبذلك يعتبر الجهاز موجها للطلاب المكفوفين فلذلك تأتي أهمية تعلم لغة ولا يكتفي الطالب الكفيف بالاستماع فقط.

وقد بدأت فكرة المشروع على يد علي الدواء حين استشعر معاناة المكفوفين مع التطور التقني والمعلوماتي حيث إن المادة العلمية التي تصل لهم تكون متأخرة بسبب طول عملية طباعة كتب برايل المخصصة للمكفوفين. يقول علي البحراني: «عرض علي الدواء الفكرة علينا وأيدناه وشارك بالفكرة في مسابقة (الشباب الأكثر تنافسية حول المملكة) وفازت الفكرة بالمركز الثالث».

واستطرد: «آلية صناعة الجهاز مرتبطة بتخصصنا كمهندسين ميكانيكيين من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وأيضا ألهمنا من قبل صديقنا المخترع المهندس مهند جبريل أبو دية حين فقد بصره في حادث وأصبح كفيفا، أكمل دراسته في الجامعة بصعوبة مع وجود من يساعده في كل محاضرة، هنا أتت الفكرة لإيجاد حل تقني يغني الكفيف عن مساعدة الآخرين ويجعله يعتمد على ذاته في تعليمه الأكاديمي»، وأضاف: «هناك أكثر من 39 مليون كفيف حول العالم، 130 ألف منهم في المملكة العربية السعودية، في المملكة لدينا شح وقصور في عملية تعليم المكفوفين من ناحية لغة برايل لذلك أتت الحاجة لتصنيع جهاز يساعد الكفيف على التعلم الذاتي للغة برايل بالإضافة إلى القراءة والاستماع، فهناك بعض الأجهزة التي تستطيع قراءة النصوص الإلكترونية بمساعدة جهاز كومبيوتر، ويتم عرض 10 كلمات كحد أقصى في كل مرة، جهاز (المستنير) يتواصل مع الإنترنت بذاته من دون الحاجة إلى توصيله إلى جهاز آخر كما له القدرة على إبراز أكثر من 150 كلمة في المرة الواحدة، مع توفر خاصية التعليم الذاتي للغة برايل».

وتعتبر الشريحة المستهدفة لمخترع «المستنير» الطلاب المكفوفين في الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، حيث بدأ فريق العمل التواصل مع منظمة المكفوفين العالمية، وتم التواصل مع منظمة اليونيسكو المهتمة بتطوير الأطفال حول العالم. ويهدف الفريق إلى عقد شراكات استراتيجية مع هذه الجهات ليتم تصنيع وتوزيع الجهاز على الشريحة المستهدفة، هامش الربح يعتمد على السعر المبدئي الذي سيتم تحديده بعد عملية تصنيع النموذج الأولي لدراسة تكلفته التصنيعية، ليتم بعدها الاستعانة بالشركاء الاستراتيجيين في التسعير والمبيعات.

وأوضح البحراني أن المنتج في طور بناء النموذج الأولي وتم التخاطب مع مجموعة من المكفوفين بخصوص الفكرة وأعربوا عن وجود الحاجة لمثل هذا الجهاز، المخطط له بأن يتم تصنيع النموذج الأولي بنهاية سنة 2013. وفي حال وجد الدعم الكافي ربما ينتهي من مرحلة البحث والتطوير بشكل أسرع لنبدأ مرحلة التجريب الأولي في الأسواق.