التعليم ضحية الصراع داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرة طالبان في باكستان

TT

في «مدرسة أكسفورد العامة المتوسطة»، كانت هناك مجموعة من الطلاب المتحمسين يرددون الدروس التي تعلموها في ذلك اليوم، والتي تتضمن تعلم طريقة العد. وفي هذا المكان، لا توجد هناك أية كراسٍ أو مكاتب، وحتى الكرسي المخصص للمعلم من دون وسادة. تقع «مدرسة أكسفورد العامة المتوسطة» في شمال وزيرستان، في قلب المنطقة التي تسيطر عليها طالبان، وهؤلاء الصغار المتحمسون، الذين يرتدون قبعات البيسبول التي تحمل شعار مدرستهم، يتعلمون طريقة العد باللغة الأردية والبشتونية.

وفي هذه المنطقة التي تعتصرها الحرب والتي تحلق فيها الطائرات من دون طيار فوق الرؤوس، تعرضت مئات المدارس للتفجير، فضلا عن حظر التجوال الذي يفرضه الجيش، والذي يؤدي إلى إبقاء المدرسين بعيدين عن فصولهم الدراسية.. لذا، فإن استمرار الدراسة في هذه المدرسة في حد ذاته يعد أمرا مثيرا للإعجاب.

وفي هذه المدرسة التي تقع خارج حدود المنطقة القبلية في باكستان، هناك على الأقل 400 طالب يدرسون في مختلف الصفوف الدراسية بداية من الأول وحتى الثامن؛ بمن في ذلك أبناء مقاتلي طالبان. وعلى بعد 6 أميال من المدرسة تقع مدينة ميرام شاه، وهي المدينة التي تعتبر مركزا لمقاتلي تنظيم القاعدة، بمن في ذلك مقاتلو «شبكة حقاني».

حاول حافظ جول بهادور، وهو القيادي في تنظيم القاعدة الذي يسيطر على المنطقة التي تزود مدرسة أكسفورد بالطلبة، المحافظة على الهدنة الهشة مع الجيش الباكستاني، ولكنه من الناحية الأخرى يساند الحرب ضد قوات حلف الناتو المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والقوات الأفغانية المنتشرة عبر الحدود الباكستانية - الأفغانية.

يعارض كل مقاتلي طالبان التعليم المختلط، لذا فالفتيات المحظوظات اللاتي يتمكن من تلقي أي قدر من التعليم الرسمي عادة ما يقمن بهذا الأمر في المنازل.

قامت حركة طالبان الباكستانية، وغيرها من الجماعات المسلحة، بتفجير العديد من المدارس، ولكن بعض الفصائل تزعم أنها تقوم بذلك بسبب تحصن القوات الباكستانية في هذه المباني. قام متحدث باسم الجيش، الذي لم يكن مخولا بالكشف عن هويته، بتفنيد هذه المزاعم يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما قال: «لا توجد هناك مدرسة واحدة تقع تحت حكم الجيش في شمال وزيرستان».

تسببت غارة واحدة على الأقل شنتها الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التي يقال إنها وقعت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، في تدمير مدرسة مهجورة عندما كانت تستهدف المتطرفين المشتبه بهم الذين كانوا يختبئون هناك.

أكد مسعود بانغاش، وهو موظف حكومي بارز ومسؤول عن المناطق القبلية التي تخضع للإدارة الاتحادية، أن المدارس الموجودة في مختلف أنحاء الحزام القبلي قد تم احتلالها من قبل «مختلف التنظيمات» وأنه يتم استخدامها لأهداف غير تعليمية. وشدد بانغاش على أنه لا يشك في أن بعض مقاتلي طالبان يشجعون على التعليم، ولكنه أردف قائلا إن الصراع المستمر منذ فترة طولية «لن يسمح حقيقة» لأي نظام تعليمي بالعمل بشكل صحيح في منطقة الحزام القبلي.

وأضاف بانغاش: «اللوم في ذلك يقع على عاتق الحكومة وقوات طالبان على السواء».

ونتيجة للصراع المسلح المنتشر في شتى أنحاء الإقليم، أصبح من الصعوبة بمكان على جيل كامل من الشباب الصغار الحصول على التعليم الأساسي. ومع ذلك، هناك بعض قصص النجاح في هذا الصدد، مثل «مدرسة أكسفورد العامة المتوسطة»، التي تم تأسيسها منذ 22 عاما، وهي في الحقيقة مدرسة خاصة، على الرغم من اسمها.

أكد ناظر المدرسة فضل رحيم أن مصروفات التعليم الشهرية في المدرسة تتراوح بين ما يزيد على دولار أميركي واحد بالنسبة لطلبة الصف الأول و3.7 دولار لطلبة الصف الثامن، مؤكدا أن الطلبة اليتامى يتم إعفاؤهم من دفع المصروفات، بينما يجري تخفيض المصروفات للطلبة الفقراء.

وأكد رحيم أن هناك 7 معلمين فقط - كلهم ذكور - في المدرسة التي تحتوي على 400 تلميذ، مضيفا أن آباء كثير من طلبة المدرسة هم من الموالين لزعيم حركة طالبان حافظ جول بهادور. يضيف رحيم: «يشعر أنصار حركة طالبان المحليون بالسعادة نظرا لأن أولادهم يتلقون تعليما حديثا». وأكد رحيم أنه عندما تسبب الوضع الأمني الهش في إجبار كثير من المدارس، خاصة تلك الموجودة في المناطق النائية، على إغلاق أبوابها بسبب غياب المدرسين، قامت حركة طالبان المحلية بتشكيل لجنة للمساعدة في ضمان استمرار فتح هذه المدارس.

يقول رحيم: «لقد قاموا بتوجيه المعلمين بالحضور إلى المدارس وتعليم الطلبة المحليين»، مضيفا أن اللجنة توفر الأمن للمدرسين.

هناك بعض التقارير التي تؤكد أن أفراد حركة طالبان المكلفين بإنفاذ هذه الأوامر لا يتورعون عن استخدام الترهيب لدفع المدرسين للذهاب إلى فصولهم.

يذهب الطلبة إلى مدرسة «أكسفورد» بداية من يوم الأحد إلى الخميس، حيث يجلسون فوق الحصر البالية على الأرض. تتبني هذه المدرسة تدريس النظام نفسه المتبع في المدارس الدينية المحلية، المعروفة باسم «المدارس»، حيث يذهب الطلبة إلى المدرسة في الصباح لحضور الدروس الأكاديمية، ثم يتوجهون إلى المدارس الدينية في المساء.

يتفاخر عمر، وهو طالب في الصف الدراسي الثاني في مدرسة «أكسفورد»، بأنه لا يخاف من الطائرات من دون طيار، ولكنه يضيف: «عندما تبدأ هذه الطيارات في التحليق في بعض الأحيان على ارتفاع منخفض أثناء الليل، أشعر وقتها بالخوف».

تعتبر هذه الطائرات من دون طيار التي يتم توجيهها عن بعد أحد الأسلحة الرئيسية في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية ضد المتطرفين، حيث جرى استخدامها في باكستان للمرة الأولى في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ولكن وتيرة الهجمات التي تشنها قد زادت بصورة كبيرة في عهد الرئيس باراك أوباما.

وفي الأسبوع الماضي، أفادت التقارير بمقتل امرأة في إحدى الغارات التي شنتها هذه الطائرات على مدينة مير علي، وهي المدينة التي لا تبعد كثيرا عن المدرسة والتي تعتبر هدفا مستمرا للغارات التي تشنها هذه الطائرات. وفي الشهر الحالي وحده، تسببت الهجمات التي استهدفت المنطقة في مقتل 9 أشخاص على الأقل، وفقا للمسؤولين المحليين.يتحدث سعيد الله، وهو طالب في الصف الدراسي الأول في مدرسة «أكسفورد»، عن خططه المستقبلية عندما يكبر، قائلا: «أريد أن أصبح طبيبا كي أصف الدواء للمرضى وأعطيهم حقنا».

* ساهم في كتابة هذا التقرير محسود من ميرام شاه بباكستان

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»