خبراء تعليم: 30% نسبة التسرب التعليمي في العالم العربي

تقارير اليونيسيف أدرجت المرحلة الثانوية ضمن أكثر مراحل التسرب

مخاوف من ارتفاع حصيلة التسرب التعليمي في المراحل الثلاث في العالم العربي
TT

أكدت جهات تعليمية أن نسبة تسرب الطلاب العرب في المدارس، بحسب تصنيفات اليونيسيف، ضمن ما هو أقل من المرحلة الثانوية، يتجاوز الـ30 في المائة، محذرة من خطورة تفاقم الأوضاع، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية وثورات ما بات يعرف بـ«الربيع العربي».

وقالت الدكتورة هيفاء الندوي، أستاذة المناهج والتربية في جامعة عين شمس، لـ«الشرق الأوسط»، إن تلك الإحصائية تسير نحو معدلات أكثر ارتفاعا متى ما استمر الركود الاقتصادي الذي تعانيه كثير من البلدان العربية، مؤكدة أنه ينبغي معالجة الوضع عبر اللجان التعليمية المشتركة لجامعة الدول العربية والمؤسسات التعليمية لمعالجة الخلل والقصور.

وقال بدوره الدكتور عبد الواحد حكيم، الأستاذ المشارك في أصول التربية الإسلامية في جامعة أم القرى لـ«الشرق الأوسط»، إن الباحثين ورجال التربية والتعليم اهتموا بمشكلة الهدر أو الفاقد التعليمي، وذلك لما لها من أبعاد خطيرة اجتماعيا واقتصاديا وسلوكيا، حيث يشكل الهدر التعليمي، خاصة في صورتيه: الرسوب والتسرب، إهدارا حقيقيا للجهود التي تبذل في إطار تخطيط واضح المعالم، تقل آثارها وينخفض عائدها إلى الحد الذي لا يتيح الفرصة لوضع الخطط المرحلية المتكاملة.

وعزا حكيم السبب إلى ما عرف بانعدام الاستقرار الواقعي، إضافة إلى عوامل الانحراف الناتجة عن ذلك التسرب، حيث يتحول المتسرب إلى طاقة معطلة وخطرة على أمن المجتمع، وتخريب اقتصاده، وإضعاف كيان التماسك الاجتماعي والوحدة الثقافية بين أفراد المجتمع، وتقليل قدرة الفرد على التكيف مع المجتمع، والمشاركة بفاعلية في مجالات التنمية.

وأشار الباحث إلى أن الكثير من الدراسات ذهبت إلى أن مردود التعليم يفوق مردود أي مشروع استثماري آخر، أصبح ينظر للتعليم من المنظور الاقتصادي على أنه عمل استثماري، ولذا تغيرت النظرة للصرف على التعليم، وتزايد بالتالي الصرف على التعليم.

وزاد حكيم: «لم تعد النظرة للتعليم على أنه استثمار بشري، عائده أكبر من أي استثمار مالي آخر؛ ذلك أنه يهدف إلى تحقيق أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة، وذلك من خلال الأخذ بنظام التخطيط الصحيح المدرك لمتطلبات التنمية الشاملة في بعديها الاقتصادي والاجتماعي، ويمكن للتعليم أن يحقق ذلك العائد المبتغى في صورة قوى بشرية مدربة ومؤهلة، غير أن ذلك العائد يكون أقل من المتوقع، وذلك لما يواجه التعليم من مشكلات تتسبب في ارتفاع الهدر أو الفاقد التعليمي».

وأشار بالقول: «التسرب الدراسي قديما لا يرى إلا في المرحلة الابتدائية، وبمرور الزمن أصبح ظاهرة في جميع مراحل التعليم، الأمر الذي يستلزم من الباحثين الاهتمام بهذه الظاهرة ودراستها من حيث الأسباب والعلاج، وخاصة في المرحلة الجامعية؛ مرحلة إعداد الأفراد للتعامل مع المجتمع الكبير».

وحول بناء الإنسان أفاد حكيم بأن التعليم يعد وسيلة المجتمع لبناء الإنسان، ويعتبر التعليم الجامعي المرحلة الأساسية في إعداد الفرد للتعامل مع المجتمع، والإسهام في تنميته وحل مشكلاته، ومع حاجة المجتمع إلى جهود أفراده، إلا أن هناك نسبة من الطلاب تنقطع عن الدراسة ولا تكمل مسيرتها الدراسية، وهو ما يعرف بالفاقد أو الهدر التعليمي - التربوي، وهو من أكثر مشكلات النظام التعليمي، وهي مشكلة عالمية، تشكو منها الأنظمة التعليمية في معظم دول العالم المتقدمة والنامية، ولذا اهتم الكثير من الباحثين ورجال التربية والتعليم بها لما لها من أبعاد خطيرة اجتماعيا واقتصاديا وسلوكيا.

واستطرد في حديثه بالقول: «أصبح التعليم من أهم العوامل التي تساعد على تحقيق التنمية في المجتمع. وبتغير النظرة إلى التعليم تزايد الصرف عليه لتحقيق التنمية من جهة، ولتلبية الطلب الاجتماعي المتزايد عليه من جهة أخرى، وبتزايد الصرف والاعتمادات المالية على التعليم، بدت الحاجة إلى دراسة مدخلات ومخرجات التعليم، ومعرفة حجم وأسباب الهدر أو الفاقد التعليمي».

ظاهرة التسرب المدرسي تعانيها كل الدول بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة، ولمعالجة هذه الظاهرة تعاقب معظم الدول المتقدمة وبعض الدول النامية ولي أمر المتسرب، ففي بريطانيا مثلا تصل هذه العقوبة إلى نزع الحضانة، أو بغرامة مالية عالية، أو حتى السجن أحيانا.

ولعل تلك العقوبات تنبثق من احتمال تنفيذ فئة من منظومة المتسربين جرائم تضر بمجتمعهم، فضلا عن ضياع فرصة التعلم والتطور على المتسرب، وكذلك فقدان المدخل الرئيسي لبرامج التنمية المهنية، ويعتبر التسرب المدرسي والرسوب الدراسي من أبرز أسباب الهدر الاقتصادي.

إلى ذلك علقت سلطانة الزبيدي، أكاديمية سعودية من الأحساء (شرق السعودية)، بأنه لا يمكن لأي مؤسسة تعليمية أن تنجح في تقديم مخرجات نموذجية، إلا إذا توفرت جميع عناصرها ووظفت التوظيف الصحيح من المدرسة والأسرة والمناهج، وهي ركائز أساسية في تكوين الطالب في جميع جوانبه النفسية والجسمية والاجتماعية والسلوكية، فإذا اختلت إحداها حدث شرخ كبير في جدار العملية التعليمية، فتلك العناصر عوامل مهمة في بناء الشخصية السوية للطالب وتعاهدها، وإذا تقاعس أحدهم عن أداء دوره أثر ذلك بشكل مباشر على شخصية الطالب؛ فالمدرسة إذا استطاعت تكييف الطالب وتلبية حاجاته ورغباته كانت المحضن المرغوب فيه، وأصبحت عنصرا جذابا، والأسرة كذلك بقدراتها على تهيئة ابنها منذ سنواته الأولى للمدرسة، والمنهج الذي يلبي حاجة الطالب بصورة مشوقة وجذابة.

وقالت الزبيدي إن الاختبارات والمادة الدراسية قد تكون سببا في كره المدرسة والتغيب عنها أو التسرب منها، فكلما كثرت الامتحانات كانت مرضا يؤرق التلميذ؛ فبعض المعلمين لا يبالي من هذه الناحية؛ يضع على كاهل الطلاب مذاكرة نصف كتاب، ويأتي آخر في اليوم نفسه ليضع امتحانا آخر، وهكذا.

وأشارت الزبيدي إلى أن الطالب العربي يجب مراعاة مشكلاته الاقتصادية، ويجب تقنين وقت للاختبارات وتقنين المادة الامتحانية وأسئلتها له، مبينة أن الهدف هو الفهم والاستيعاب لا التعجيز وكره المادة والدراسة؛ لذلك يجب عليك شرح المادة العلمية بإتقان وتوصيلها لأذهان التلاميذ بدقة، وشارك تلاميذك في الاستماع لوجهة نظرهم؛ فقد تستفيد أنت من آرائهم، فلا يبعدك عنهم صغر سنهم؛ قد ترى منهم من يفوقك معرفة في بعض الأمور، فكن لهم أبا ومعلما وصديقا تفتخر أنك قد علمتهم شيئا يوما ما.