عدالة الفرص التعليمية في عمان مكنت المرأة من اختراق العمل التنموي

د. جوخة الشكيلية لـ «الشرق الأوسط»: لدينا شراكات دولية لضمان الجودة.. والمرأة أصبحت «نداء» وليست «خيارا»

د. جوخة الشكيلية مدير عام الجامعات والكليات الخاصة بوزارة التعليم العالي في سلطنة عمان
TT

أكدت الدكتورة جوخة الشكيلية، مدير عام الجامعات والكليات الخاصة بوزارة التعليم العالي في سلطانة عمان، أن المرأة العمانية أصبحت «نداء» ولم تعد «خيارا» في المنظور التعليمي والمعرفي في سلطنة عمان، وأنها حققت المعادلة الأصعب منذ السبعينات حين استطاعت أن تفرض نفسها بفعل شخصيتها التي تهذبت بالعلم والمعرفة.وأكدت الشكيلية أن المرأة العمانية في سلطنة عمان خطت قفزات هائلة في الناحية التعليمية الحديثة، خصوصا فيما يتعلق بالمرأة، فعمر تعليم الفتيات في سلطنة عمان لا يتجاوز 42 عاما حيث أصبحت المرأة العمانية رائدة في جميع المجالات، ليس على المستوى الخليجي بل على المستوى العربي أجمع.

وقالت الشكيلية في حوار لـ «الشرق الأوسط» في الرياض: «استطاعت المرأة العمانية بقدراتها الكامنة أن تخترق العمل التنموي بشتى صوره، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لتصبح ركنا أساسيا من أركان المسيرة التنموية، إذ استطاعت في بناء تنموية مجتمعهـــا من خلال ممارستهــــا للحقوق التي منحت لهــــا وترجمتهـــــا من مجرد نصوص قــــانونية إلى واقع ملموس، تتساوى فيها مع الرجل في الحقوق والواجبات»، وفي ما يلي نص الحوار:

* المرأة انتقلت من مرحلة رفض المجتمع لتعليمها إلى تولي زمام القيادة في هذا المجال كيف تقيمين نجاحها؟

- بداية أسجل تقديري لخادم الحرمين الشريفين على لفتته الاستثنائية في تمكين المرأة السعودية للوصول إلى مجلس الشورى، الأمر الذي يرمي إلى احترام آراء المرأة وتمثيلها النساء الأخريات في بلادهن. ومن هذا المنطلق أعتقد أن المرأة الخليجية لا ينقصها شيء، في الستينات كانت تنقصها الشهادة لا القدرات، وعندما أتيحت لها الفرصة اليوم لإثبات جدارتها نافست الرجل في أمور كثيرة فقد استطاعت أن تتقلد مناصب قيادية، والمؤشرات الموجودة لدينا أن أغلب النساء اللاتي يتقلدن مناصب قيادية من الخليجيات أثبتن جدارتهن وأصبح الرجل واعيا ومساندا لدور المرأة وداعما حقيقيا لنجاحاتها فلا أعتقد أن مشكلة التعليم حلت الآن ولا يوجد أي تحد للمرأة إلا أن تثبت نفسها في المناصب القيادية، وحسبي أن النموذج العماني لديه دروس جيدة في نجاح المرأة.

* ما أبرز التطورات الحاصلة في الشأن التعليمي عامة بالنسبة للمرأة العمانية؟

أبرزها هي مساهمات المرأة العمانية في التنمية الحديثة في مؤسسات الدولة؛ حيث استطاعت أن تصل لمناصب قيادية عليا وتسلمها لحقائب وزارية مهمة، فوزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي تتقلدهما نساء عمانيات في أعلى المراتب.

* هل يعود ذلك لعوامل وظروف مهيأة لنجاح المرأة في سلطنة عمان؟

- شخصيا، أرى أن عوامل نجاح وتطوير الفتاة، تتعلق بعوامل داخلها أكثر من العوامل الخارجية فعندما تتوفر البنية القانونية، وعدالة الفرص في التعليم وسوق العمل، ودعم من الأسرة والمجتمع فهنالك واجب والتزام على المرأة أن تهيئ كل تلك الظروف لنجاحها. فعندما تتوفر الإرادة وتحث على بذل أقصى ما تستطيع فإنني لا أشك في قدرتها على صنع المستحيل، فعندما نادى قائد البلاد السلطان قابوس المرأة «نداء» وليس اختيارا لتقوم بدورها في المجتمع، فنحن على يقين تام بأنها سوف تلبي هذا النداء الذي يعني لنا الكثير كنساء عمانيات.

وعليه استطاعت المرأة العمانية بقدراتها الكامنة أن تخترق العمل التنموي بشتى صوره، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لتصبح ركنا أساسيا من أركان المسيرة التنموية، إذ استطاعت في بناء تنمية مجتمعها من خلال ممارستها للحقوق التي منحت لها وترجمتها من مجرد نصوص قانونية إلى واقع ملموس. علاوة على أن العدالة والمساواة التي كفلها القانون للمرأة أتاحت لها فرص التعليم في جميع التخصصات والمستويات، بداية من رياض الأطفال إلى أعلى المراحل الجامعية، وما بعد الجامعية وفرص العمل بشتى قطاعاته الحكومي والخاص. فدعم القيادة والحكومة، هو من أكبر عوامل تشجيع المرأة للمشاركة في جميع القطاعات، وبالمقابل قدرات المرأة وطاقاتها هي من المرتكزات الأساسية التي قامت عليها هذه المسيرة، ولا نغفل دعم المجتمع لها.

* من الملاحظ وجود اضطراد كبير في أعداد الجامعات بالخليج العربي. هل أسهم ذلك في رفع جودة التعليم العالي؟

- موضوع جودة التعليم واسع جدا، ولا يمكن الحكم على مؤسسة جزافا بأن جودة تعليمها عال. وعدد المؤسسات لا يقترن بالضرورة بالجودة، الكم جانب والنوعية جانب آخر، ويوجد سبب وجيه لهذا الاضطراد وهو تزايد عدد الراغبين في إكمال دراساتهم العليا في مختلف التخصصات، فسياسات الدول تتوسع في إنشاء الجامعات بناء على ارتفاع الطلب للالتحاق بالتعليم العالي. وبالنسبة للجودة فالعدد لا يكفي وإنما نوعية التعليم هي الحكم فالهيئات الرقابية الخاصة بالجودة في دول مجلس التعاون تبشر بالخير، سلطانة عمان كانت سباقة في إنشاء هيئة للاعتماد الأكاديمي والتي تلعب دور محايد في الإشراف على جود التعليم العالي تلتها الإمارات ثم السعودية وأيضا البحرين.

* لعل ذلك ما يدعونا للتساؤل حول تواري أسماء بعض الجامعات الخليجية المرموقة ضمن لائحة تصنيفات الاعتمادات الدولية؟

- قيادات التعليم في الخليج تهتم بالنوعية وليس غائبا عنها الاهتمام بالجودة، وحقيقة توجد لدينا جامعات كثيرة خضعت لاعتمادات دولية كجامعة الملك سعود في السعودية وجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان، ونجحت في ذلك ولا نريد أن نظلم التعليم العالي في منطقة الخليج فقد تكون هناك مؤسسات جودتها عالية ولكن لم تخضع لاعتماد خارجي، وربما وضعها يحتاج لنضج وتطور أكبر ويمكن إثبات جودتها من خلال تميز مخرجاتها محليا أو إقليميا. وموضوع التصنيفات أساسا مثار جدل كبير فليست كل مؤسسة بالضرورة تكون جودتها عالية بخضوعها للاعتماد الأكاديمي ويحكم ذلك أجندات مختلفة لهيئات التصنيفات ففي فترة سابقة تم تجاهل العالم العربي ضمن هذه التصنيفات بناء على قرارات أكبر على المستوى الدولي.

* ماذا عن الجهود المبذولة لجودة التعليم في مؤسسات التعليم العالي بسلطنة عمان؟

- أستطيع الإشارة هنا إلى موضوع إنشاء الشبكة الخليجية لضمان الجودة، وهي مبادرة خليجية مشتركة ستستضيفها سلطنة عمان، كونها أنشأت هذه الشبكة قبل 7 سنوات تقريبا وطبيعة هذه الشبكة لا تعتمد فقط على التقييم وإنما لتطوير المفاهيم المرتبطة بضمان الجودة وخلق حوار مشترك بين المؤسسات التعليمية، وتبادل الأفكار والآراء حول ضمان الجودة، وتشجيع بقية دول المجلس التي لم تنشئ هيئات للاعتماد الأكاديمي لإكمال منظومتها في هذا الجانب.

* هل برأيك تطوير المناهج التعليمية في عمان متوائم بما يحتاجه الطالب لدخول سوق العمل؟

- حقيقة الموائمة تحد كبير، ليس فقط على مستوى دول مجلس التعاون وإنما في كل مكان؛ نظرا لتطور سوق العمل، فما تخطط له اليوم للتعاطي مع سوق العمل قد يتغير في الغد. في سلطنة في عمان مواءمة للتخصصات وسوق العمل شغلنا الشاغل، والدولة تؤكد موضوع التعليم من أجل التعليم كفلسفة في البداية، لتمكين الشخص من اختياره لحقه المكتسب في التعليم من أجل الوظيفة ليبذل جهده لتكوين دخل لأسرته. وأريد أن أؤكد نقطة توجه سلطنة عمان على خلق فرصة عمل في كريادي أعمال، والاستراتيجية القائمة للتعليم تحث على تضمين المناهج مواد ومهارات تؤهل الطلاب على إنشاء مؤسسات صغيرة وتطويرها.

* من الملاحظ ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب في الخليج، هل هناك دراسات خاصة حول أسباب البطالة في سلطنة عمان؟

- نعم، فعلى الرغم من ارتفاع أعداد الملتحقات بالتعليم العالي إلا إن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع عدد الباحثات عن عمل من الإناث عن أعداد الباحثين الذكور في سلطنة عمان؛ حيث توصلت دراسة مسحية عن الخريجين أن الفتاة العمانية جادة في الحصول على استقلاليتها في التعليم، إلا أن التعليم العالي ما زال يتمركز حول التخصصات التي يراها المجتمع مناسبة كالتخصصات التربوية والتمريض، فما زالت نسبة مشاركتها في القطاع الخاص متدنية، وكذلك لظروف بعد مكان العمل عن بعض المناطق وتركزها في العاصمة العمانية مسقط، وكذلك أسباب اجتماعية كالزواج المبكر أو عدم موافقة الأهل لشغل ابنتهم لبعض الوظائف في القطاع الخاص لموروثات اجتماعية تحكر الفتاة في التخصصات في التعليم.

وبالمقابل كان هناك هدف وزارة التربية والتعليم في خفض نسبة الأمية إلى النصف بحلول عام 2015، والمبهر أن النسبة انخفضت قبل التاريخ المحدد بسبع سنوات من 21.9 في المائة وفق تعداد 2003 م إلى 12.2 في المائة في عام 2010، أي قبل الزمن المحدد لتحقيق الهدف بخمس سنوات، وذلك بفضل إتاحة التعليم غير النظامي لربات البيوت، وإعطائهن فرصة للتعليم في مدارس محو الأمية، أملا في خفض نسبة البطالة بين المتعلمين.

* ماذا عن التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد، هل هو معترف به في سلطنة عمان؟

- لدينا ضوابط للاعتراف بالتعليم الإلكتروني، وهو معتمد من جامعات مرموقة ومعترف بالتعليم الإلكتروني فيها لبعض التخصصات، ولكن لا تزال بعض التخصصات الطبية مثل الطب والهندسة والتي تحتاج لتدريب عملي مباشر غير مسموح بدراستها عن بعد، ولكن التخصصات الإنسانية والأدبية يسمح بالدراسة عن بعد ولكن بعد أن يتم التأكد من وزارة التعليم العالي عن مدى الاعتراف بشهادات هذه المؤسسة بتسجيل ملف مرتبط بالطالب لحفظ حقوقه خلال فترة دراسته، بالإضافة إلى أن بعض الكليات تستضيف برامج أكاديمية خارجية للتعليم عن بعد، تتميز بطابع المرونة جزء منها تم توظيفه ليخدم فئة الموظفين العاملين بدوام جزئي من دون تفرغ.

* ما مستقبل الشراكة بين الجامعات العمانية والجامعات الخارجية؟

- نشأة التعليم العالي الخاص (الأهلي) في عمان حديثة، فأول مؤسسة أنشئت في عام 1994، وموضوع الشراكات أعطى دفعة لهذه المؤسسات من خلال الاقتران بجامعات مرموقة ومعترف فيها، لإعطاء رصانة أكبر وأيضا لمتابعة تلك المؤسسات المحلية عند بداية نشأتها، جامعة السلطان قابوس منفردة لديها شراكات بطبيعة مختلفة لتصمم برامجها وكادر أكاديمي متميز يستطيع قيادة هذه المؤسسات، ولكن نظرا لحداثة التعليم الخاص كانت واحدة من المعايير وزارة التعليم العالي عند بدء نشأة هذه المؤسسات هي وجود شراكات أكاديمية بالامتياز أو التوأمة ساعدت في الارتقاء بالتعليم العالي، وهناك تقبل عام من الجمهور للشهادات الصادرة من جامعات وكليات مرموقة، بناء على التزامات وواجبات موثقة بينها وبين وزارة التعليم العالي في سلطنة عمان.

* هذا يعني أن الشراكات مع المؤسسات الخارجية شملت التعليم العالي الحكومي والخاص؟

- نعم وأيضا بعض المؤسسات الحكومية، بدأت تنشئ شراكات أكاديمية مع مؤسسات خارجية كالمعاهد الصحية والتي ارتفعت لمرتبة الكليات حتى تقدم درجات علمية أرقى اقترنت بإحدى الجامعات البريطانية، فأعتقد أن موضوع الشراكة بمجمله صحي بالنسبة للمؤسسات التعليمية الحديثة التي تحتاج أن تدعم بخبرة، إضافة لخبرتها المحلية.

* متى بدأت خطة الابتعاث الخارجي في سلطنة عمان؟

- سلطنة عمان بدأت بفتح باب الابتعاث الخارجي للتعليم العالي منذ السبعينات لتواضع مستوى التعليم العالي آنذاك، وطبعا كان للمرأة نصيب من هذه البعثات بالمساواة مع الرجل، وحقيقة أن هناك مكرمة خاصة حظيت بها المرأة فيما بعد بأن خصصت 500 مقعد من البعثات الدراسية الحكومية للإناث سنويا. بعدها افتتحت جامعة السلطان قابوس عام 1986 والتي سميت بالجامعة الحلم، وفي عام 1997 أنشئت الكليات الخاصة وبدأ ما يسمى بالابتعاث الداخلي داخل المؤسسات التعليمية، وبعدها أنشئت الجامعات الخاصة في بداية الألفية. وفي العام الدراسي الماضي كانت نسبة الإناث الأعلى في مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في سلطنة عمان وهي 57 في المائة من الإناث مقابل 43 في المائة من الذكور. وشهدت نسبة المقبولين في منحة جلالة السلطان للدراسات العليا تفوقا واضحا للإناث في الدفعتين الأولى والثانية؛ حيث شكلوا نسبة 62 في المائة مقابل 38 في المائة من الذكور.

* ما مدى الاستفادة من مخرجات البعثات الخارجية؟

خطة الابتعاث في سلطنة عمان كانت مقننة، وليست مفتوحة على مصراعيها، كانت لأجل التخصصات التي تحتاج لها الدولة، الأرقام متواضعة ولكن بناء على توجيهات قائد البلاد تم توسيع فرص الابتعاث الخارجي، التي يقتنصها عادة المتميزين كون اشتراطاتها عالية جدا. وتتم الاستفادة من هذه المخرجات مباشرة، كونها موجهة لتخصصات تحتاجها الدولة فعليا، كالتخصصات العلمية والطبية، وتخصصات النفط والغاز، ولا نزال بحاجة لهذه المخرجات من الدارسين محليا وخارجيا، وبناء على ما أشاهده فإن المبتعثين أثبتوا كفاءتهم بعد عودتهم من بعثاتهم الدراسية، فالمعايير العالية تؤدي إلى أن يعود المبتعث أكثر تميزا، وبالتالي تصبح لديهم تنافسية أكبر في القطاع الخاص والحكومي.