بريطانيا: خيار السفر بين المدن للتعليم أرحم من السكن في مناطق ملتهبة عقاريا

لماذا أغادر الوطن بحثا عن جامعة؟

رحلة مضنية في سبيل التنقل بين المدن البريطانية للتعلم
TT

ربما تبدو قيادة سيارة لمسافة 60 ميلا أشبه بكابوس مفزع، لكن السفر اليومي ربما يمثل خيارا اقتصاديا.

يعطي الذهاب إلى الجامعة للطلاب فرصة الخروج من المنزل والذهاب إلى قاعات المحاضرات – وفرصة اتخاذ قراراتهم بمعزل عن سلطة الآباء. بالنسبة لكثيرين، تبدو التجربة ممتعة. ولكنها ليست ملائمة للجميع، ولهذا يختار كثير من الطلاب الانتقال.

في جامعة أوكسفورد بروكس، توصل استبيان سفريات أجري عام 2012 إلى أن نحو ربع الطلاب (24.1%) سافروا لمسافة أكثر من 10 أميال للوصول إلى الحرم الجامعي، فيما كان أكثر من ثلث الطلاب (34%) يقومون برحلات تطول مدتها عن 30 دقيقة. ربما تبدو هذه الأرقام مرتفعة على نحو مفاجئ، ولكن مع الزيادة في رسوم التعليم وتكاليف المعيشة المرتفعة، من المرجح أن تزيد بدرجة أكبر. بالطبع ليست الضغوط المالية هي السبب الوحيد الذي يجعل الطلاب يفضلون السفر لمسافات كبيرة للذهاب إلى الجامعة. قررت هيلين جينكينز، التي تدرس اللغتين الإنجليزية واليابانية، السفر إلى أوكسفورد بروكس بعد معاناتها من إحباط في عامها الأول. تشرح هيلين، التي أتت من برايتون، قائلة: «قررت الانتقال إلى لندن لأكون قريبة من برايتون، كحل وسط، بهذه الطريقة يمكنني حضور المحاضرات بالجامعة التي بها دورة الدرجة العلمية المشتركة التي قد رغبت في الحصول عليها منذ أن كنت في سن الخامسة عشرة».

يعتبر السؤال حول توفر الدرجة العلمية حيويا؛ إذ لا يتم تدريس الموضوعات الأقل شعبية في جميع المؤسسات التعليمية. ولا يصبح لدى الطلاب المرتبطين جغرافيا أي التزامات أسرية تقريبا سوى السفر لمسافات بعيدة لاستكمال دراستهم.

إضافة إلى ذلك، فإن طلاب السنة الأولى الذين يعجزون عن الحصول على مكان في قاعات المحاضرات، أو في الحصول على مكان في الجامعة في آخر دقيقة عبر التصفية، عادة ما يجبرون على السفر – على الأقل في البداية.

«بعد معيشتي في سكن للطلاب في سنتي الدراسية الأولى، فضلت السفر من لندن إلى أوكسفورد في سنتي الدراسية الثانية. إنني مدرك تماما لمؤيدي ومعارضي كوني مدرسا يتنقل يوميا من وإلى مكان عمله. بينما أعشق دورتي الدراسية، فإن «حياة الطلاب» لم تكن ملائمة لي.

رغم أنني الآن أتمتع بكل سبل الراحة في أرض الوطن، فإن من المهم التأكيد على أن العيش في أرض الوطن ليس بالخيار السهل. تحملت رحلة تستنفد عدة ساعات من يومي، وقل الوقت المتاح لي للتواصل الاجتماعي، وأصبحت تفصلني مسافة كبيرة عن مكتبة الجامعة.

فيما اتخذت قرار السفر بمحض إرادتي، إلا أنه بالنسبة للآخرين، يعتبر هذا هو الخيار الوحيد. رغم قروض التعليم وقروض الإعالة، فإن كثيرا من الطلاب ما زالوا يعتمدون بكثافة على دعم الآباء. تمنح القروض على الدخل الأسري، لكن الآباء لديهم الرهون العقارية والفواتير مستحقة السداد التي تمثل عبئا ملقى على عاتقهم.

أقدر أن سفري سيكلفني ألف دولار بنهاية العام. وهذه التكلفة ليست زهيدة، لكنها أقل بكثير من تكلفة تأجير عقار وتحمل عبء الفواتير وثيقة الصلة به».

يعثر الطلاب على مجموعة من الحلول لمشكلة ارتفاع قيمة الإيجارات: قرر البعض الدراسة عن طريق التعلم عن بعد، على سبيل المثال، عبر الجامعة المفتوحة، فيما يدرس آخرون بهدف الحصول على درجات علمية بكليات محلية أبعد. أما، الطلاب الأكثر ميلا للمغامرة، فيفضلون الدراسة في أوروبا، حيث يكون التعليم أقل تكلفة، مع أن تكلفة السفر جيئة وذهابا إلى بريطانيا سرعان ما تقتطع من مدخراتهم. ربما يكون خيار السفر مرهقا من الناحيتين البدنية والنفسية. يجرب البعض هذا الخيار ويقرر الاستيقاظ قبل شروق الشمس، غير أن الأمر ربما لا يستحق تلك المعاناة. حدثتني نيكول فوك، التي تدرس السينما بجامعة لندن ميتروبوليتان قائلة: «لا يجدي السفر نفعا إلا إذا كان الطالب المسافر على درجة بالغة من التفاني. فمعظم المسافرين في دفعتي بالجامعة لا يواظبون على الحضور سوى في محاضرات الظهيرة، إن حضروا بالأساس».

فيما يقتصد ويدخر كثير من الطلاب من أجل الاستمرار في العيش في بيئة جديدة، فإنه بالنسبة لآخرين، يعتبر البقاء في أرض الوطن خيارا أكثر ملاءمة. سواء لدوافع شخصية أو صحية أو مالية، يوفر السفر أسلوبا بديلا لحياة الطلاب.

* خدمة «الغارديان» خاص بـ«الشرق الأوسط»