المناهج في الدول العربية خارج حسابات التحولات الاقتصادية في العقدين المقبلين

إدراج برامج «صديقة للسوق» سيقلص معدلات التسرب الدراسي المتوقع بـ60% في 2030

تعتبر المناهج البوابة الأولى للتغيرات الاقتصادية العالمية
TT

حذر خبراء في المناهج والاقتصاد من خطورة عدم تدارك الدول العربية للتحولات الاقتصادية الجارية في العالم، مؤكدين أنه ما لم تجرِ تغيرات عاجلة في المناهج لمراعاة تلك التحولات في العقدين المقبلين، فإن العالم العربي سيستعد لمواجهة أكبر نسبة بطالة ومعدلات مرتفعة في التسرب الدراسي تتعدى الـ60 في المائة بحلول 2030.

وقال الدكتور عصام أبو سليمان، أستاذ علم المناهج لـ«الشرق الأوسط» إنه اعتبر لفترة وجيزة أن المفاهيم القياسية في تشكيل المناهج الدراسية في التعليم ما بعد الثانوي، ينبغي أن تخلق بعدا اقتصاديا متحولا، خاصة فيما يتعلق بالديموغرافية والاستجابات المؤسسية للتغيرات الإسكانية الملحة، استنادا إلى المهنية العلمية في تشكيل المناهج وفقا لمنطق الاقتصاد المعرفي والاحتياجات الاقتصادية.

واعتبر أبو سليمان أن ينبغي على واضعي السياسات التعليمية والمناهج الاستجابة للتغييرات الواسعة في مجالي التكنولوجيا والاقتصادي، مقترحا إيراد الاختلافات في إعلان التفسيرات القياسية الموضحة لفهم الحركات الاجتماعية، والهياكل الطبقية والقوى الاقتصادية، وأنه يجب عند استخدام نظرية الحركة الاجتماعية، الاعتماد على أهمية تغيير البنى التعليمية المتعلقة بالمناهج عند كتابة الاقتصاد السياسي للتعليم العالي، والتأكيد على المتغيرات الغنية التي تتناول أنماط التمويل وهياكل الإثراء في قطاع الأعمال والصناعة، وهذه النظريات توفر لنا فهما أكثر اكتمالا في تشكيل المناهج الدراسية في التعليم ما بعد الثانوي.

وأضاف أبو سليمان أنه لا بد لكثير من الدول العربية أن تتعرض لبرامج التكيف الهيكلي، التي تعرف بالبرامج «الصديقة للسوق»، وهي السياسة التي بدأت في 1950و 1960 في دول مثل الجزائر، تونس وسوريا ومصر، مؤكدا أهمية النظر في تصاعد النمو الاجتماعي الناتج عن النمو السكاني المستمر فيما يختص بالتجمع الحضري، والبطالة، كما أن معظم البلدان تحاول اعتماد أنظمة السوق وتعزيز المجتمع المدني والديمقراطي البرلماني، وكما عرفه ابن خلدون بأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي هو عملية لا تنتهي أبدا. وهنا ينبغي البحث عن استراتيجيات قابلة للحياة ومستدامة.

وأشار أستاذ علم المناهج إلى أنه ينبغي عولمة الاقتصاد بسنّ أنظمة تعليمية جديدة قابلة للحياة، حتى وإن صاحب ذلك انخفاض في التمويل الحكومي، حيث يجب زيادة التمويل على قطاع اتصالات مع قطاع الأعمال والصناعة، وتسويق الخدمات التعليمية وقطاع الأعمال، وتغيير طبيعة العمل الأكاديمي ومناقشة الطرق العالمية في التغيرات السياسية والاقتصادية التي لها تأثير على أنماط التعليم العالي كما يحدث في أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

وأفاد أبو سليمان نحو الحاجة لفهم المتغيرات الاقتصادية في العقدين المقبلين وما يصاحبها من تغيرات أكاديمية قد تخلف تسربا في الـ2030 بقدر 60 في المائة، وأهمية فهم التغييرات في السياسات الوطنية للتعليم العالي حيث يؤثر ذلك إيجابا في رسم مأسسة حقيقية في التعليم العالي والمناهج والبحوث، واستقلال المؤسسات، والاتجاهات المالية (واستراتيجيات نقل التكنولوجيا، والمشاركة في تنظيم المشاريع، والقيم المتغيرة والمعايير، وتأثير هذه النتائج على الحياة الأكاديمية من النظريات إلى المستويات الإدارية، وتقييم ذلك من حيث القرب أو البعد عن السوق، مثل ما تنتجه البيانات والتحليلات بشأن التغييرات في تمويل التعليم العالي في فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، اليابان، هولندا، النرويج، وإسبانيا.

واستدرك أبو سليمان بالقول: تاريخ الولايات المتحدة الاقتصادي مليء بالدعائم التعليمية المتجددة التي حددت المراحل المقبلة من التحول الاقتصادي خاصة في تطوير الذات الاقتصادية: الاستقطاب بين الجنسين، وحرية التعليم الاقتصادي، والحلول المبتكرة في مكافحة البطالة، وبناء القيم الاقتصادية المعاصرة والممارسات وتسهيل عمل المؤسسات التي تركز على الاستقطاب بين الجنسين والتي تركز أيضا على الأسرة والعمل، مؤكدا أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان ويعتبره الكثيرون الأداة الرئيسية للتنمية الوطنية، ومن المفترض أن الاقتصادات الأكثر نجاحا في العالم هي تلك التي تستثمر أكثر في مواردها البشرية.

إلى ذلك قال الدكتور فهد الأسمري أستاذ علم الاقتصاد في جامعة أم القرى لـ«الشرق الأوسط»، إن الدول العربية إذا أرادت بناء اقتصادات مميزة فيجب أن يمر كل هذا عبر بوابة التعليم، الذي لا بد أن يمر بأنظمة تعليمية متطورة، ومستويات عالية من الاستثمار في البحث والتطوير وروابط قوية بين الصناعة والمؤسسات التعليمية، والقدرة على ترجمة البحوث إلى منتجات وخدمات، كل ما سبق يتطلب مواطنين متعلمين ومدربين.

وعطفا على ذلك، قال الأسمري: «ترينيداد وتوباغو لا تزال لديها واحدة من أكبر الناتج المحلي الإجمالي في منطقة البحر الكاريبي، بحكم التقدم الاقتصادي المبني على تقدم المناهج الاقتصاد في قطاع الطاقة، والقدرة على تحويل «اقتصاد المزارع». وأصبحت من الأمم الصناعية المصدرة، اليوم، ترينيداد وتوباغو تفتخر بأن لديها أكبر ناتج محلي إجمالي في منطقة البحر الكاريبي الناطقة باللغة الإنجليزية مع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد الواحد لأكثر من 15 ألف دولار أميركي.

وأفاد الأسمري بأن العلاقة بين التعليم والتنمية المستدامة معقدة في بعض الأحيان، عموما، وتبين البحوث أن التعليم الأساسي أمر بالغ الأهمية لقدرة البلاد على تطوير وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاستدامة، وبمجرد تحديد الأهداف، سوف تحتاج إلى إعادة النظر في مناهجها التعليمية على جميع المستويات، وهي مرحلة ما قبل المدرسة إلى مرحلة التعليم العالي، ثم يربط التعليم العالي تنمية القوى العاملة في التنمية الاقتصادية من خلال البرامج التعليمية المطابقة لاحتياجات البلد، بالإضافة إلى تحديد النظم التعليمية والبرامج المنفذة لذلك، حيث ينبغي على الحكومة وملاك المصانع العمل معا لتحديد الاحتياجات الخاصة، بتوفير فرص التعلم القائم على العمل مثل التدريب المهني في المجالات التي تم تحديدها لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.

واستطرد الأسمري بالقول: «بدأ العالم يميل أكثر وأكثر ويعتمد على الاقتصادات القائمة على المعرفة، وما يخلق المزايا النسبية بين الدول مستمد من الموارد الطبيعية والعمالة الرخيصة والأكثر من ذلك الابتكارات التقنية، واستخدام المعرفة التنافسية»، مشيرا إلى أن تقارير تعليمية واقتصادية تابعة للأمم المتحدة، أشارت إلى أن ربط التعليم بالنمو الاقتصادي يساهم في تحسين الإنتاجية (نظريا ينبغي أن يؤدي إلى ارتفاع الدخل والأداء الاقتصادي).

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل العوامل الاجتماعية والاقتصادية في التحول الاقتصادي، حيث إن التعليم يسهم بشكل كبير في إنشاء الشروط الاجتماعية والاقتصادية للديمقراطية. وهكذا، يمكن أن تؤثر الديمقراطية على الاستثمار في التعليم بشكل كبير في تطوير المجتمع المدني.

وعن كيفية تحقيق ذلك أبان الأسمري في حين أن اليابان ليس لديها موارد طبيعية، فإنها تقف كثالث أكبر اقتصاد في العالم، وفي المقابل، بلدان غنية بالموارد مثل نيجيريا تعاني من ارتفاع معدلات الأمية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر التي تعاني منها مثل هذه البلدان، ملقيا باللوم في ارتفاع معدلات الأمية إلى الانخفاض الحاد في سوق النفط في بداية الثمانينات، جنبا إلى جنب مع برنامج التكيف الهيكلي (SAP)، مما أدى إلى تخفيضات كبيرة في الإنفاق على التعليم.

وساق إلى ذلك مقارنة مع ما نشر في تقرير البنك الدولي المشير إلى أن ما بين 60 و90 في المائة من النمو المحقق في اليابان وشرق آسيا الأخرى (المصنفة على أنها من البلدان الصناعية) حققت تفوقها الاقتصادي، واستعاضت بذلك عن رأس المال البشري والوسائل المالية والموارد الطبيعية، بالاستثمار المعرفي، حيث قامت بتحسين مستوى التعليم الابتدائي العام لتكون واحدة من أهم عوامل التميز في معدلات النمو بين شرق آسيا وأفريقيا، مشيرا إلى أن المزارعين والعمال يستطيعون مع تعليم أفضل التفاعل والتحول بشكل أكبر مع التغيرات التكنولوجية والاجتماعية، وهي في نهاية المطاف تفضي لزيادة إنتاجيتهم على مستوى الأفراد والمجتمع والوطن.

ووفقا لـ«التعليم في لمحة 2011»، وهو تقرير نشر مؤخرا من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حول أفضل 10 بلدان تعليمية في العالم (من الأعلى إلى الأدنى) هي: فنلندا، أستراليا، كندا، النرويج، المملكة المتحدة، كوريا الجنوبية، اليابان نيوزيلندا، الولايات المتحدة، وهو ما أضافته الدكتورة منى إسماعيل، المستشارة في «تربويون» بأنه ليس من المستغرب أن يتم تحديد هذه البلدان التي تستثمر بقوة في مجال التعليم، والتي لديها أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم.

وقالت إنه من دون شك فإن هذه البلدان استثمرت في المعرفة، وكانت شاهدا حيا على التحول الاقتصادي المعرفي، مؤكدة على أن التعليم هو في الواقع المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية، وهو ما أكده الفيلسوف الشهير أرسطو، منذ قرون، عندما قال: «مصير الإمبراطوريات يعتمد على تعليم الشباب».