مصاريف الجامعة أكبر هواجس تلامذة لندن

الطلبة سيسددون ديونا حتى الخمسين.. والفقراء يمتنعون

TT

«40 ألف جنيه إسترليني.. تلك هي المعضلة»، جملة استعارتها سارة أدامز، الطالبة بالمدرسة الثانوية في منطقة باترسي اللندنية، من مقولة شهيرة للغاية للكاتب البريطاني الأشهر ويليام شكسبير في رائعته المسرحية «هاملت»، وقالتها على طريقتها الخاصة بينما وجهها يحمل ابتسامة، تعبر عن القلق بأكثر من أي شيء آخر.

وتحتاج سارة، التي تتأهب لاجتياز اختبارات العام الأول من دراستها العليا، لهذا المبلغ التقديري من أجل توفير مصروفات الدراسة الإجمالية لدخول جامعة مرموقة في لندن عقب انتهائها من دراساتها المدرسية.. طامحة إلى قبولها في كلية الحقوق بجامعة كينجز كوليدج، أحد أرقى الجامعات في العاصمة البريطانية، بحسب ما قالت لـ«الشرق الأوسط».

مشكلة سارة ليست مشكلة شخصية.. بل هي واحدة من آلاف طلبة المدارس الذين تؤرقهم ليل نهار أسئلة من قبيل: «كيف سأتمكن من توفير المبلغ؟»، «هل سأنجح في إقناع البنك لإقراضي المال وتسديده على نحو 20 سنة؟».. هؤلاء ومن - على شاكلتهم - قد يفكرون في حلول لتلك المشكلة بأكثر مما يقضون وقتا في التفكير في امتحاناتهم المقبلة.

وبحسب استطلاع رأي أجري مؤخرا، فإن نحو ثلث تلاميذ لندن يعانون قلقا متزايدا من مسألة توفير مصاريف الدراسة الجامعية، والسكن خلال فترة الدراسة، معتبرين أن تلك المسألة هي أكبر مخاوفهم على الإطلاق خشية عدم تمكنهم من الحصول على فرصة للدراسة الجامعية.

وأجرى الاستطلاع مؤسسة «ساتون تراست» (Sutton Trust) التعليمية الخيرية، الهادفة إلى تحسين الحراك الاجتماعي ومكافحة مساوئ التعليم، والتي أسسها السير بيتر لامبل في عام 1997، وقامت من ذلك الحين بأكثر من 100 دراسة بحثية، ومولت مجموعة واسعة من المبادرات. كما شارك في الاستطلاع مؤسسة «إيبسوس موري » (Ipsos Mori) البحثية، أحد عمالقة الأبحاث السوقية في المملكة المتحدة، والتي تقوم بإجراء عمليات البحث والمسح السوقي لمجموعة من كبريات الشكرات والمنظمات.

وكانت العينة البحثية للاستطلاع مكونة من نحو 3000 من تلاميذ المدارس في عموم بريطانيا. وأظهرت النتائج وجود قلق لدى أغلب التلامذة القاطنين بالعاصمة، خشية عدم تمكنهم من تدبير المصروفات، مقارنة بالطلاب في باقي بريطانيا.. وقال نحو ثلث تلاميذ لندن إن ذلك «هو أكبر مخاوفهم»، وكان أغلب هؤلاء من المنتمين إلى الأسر الأكثر فقرا أو متوسطة الحال؛ بينما مال الميسورين إلى عدم الاكتراث كثيرا بالقضية.

وأشارت النتائج أيضا إلى ارتفاع معدل الرغبة في الالتحاق الجامعي لدى تلامذة لندن عن غيرهم، إذ قال أكثر من نصفهم إنهم يريدون الذهاب إلى الجامعة، مقابل 38 في المائة فقط من التلاميذ الذين يعيشون في باقي إرجاء المملكة المتحدة. كما كان معدل الرغبة أكبر في ذلك بين الطلبة من ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية عن أقرانهم من الأوروبيين.

وتقول سارة إن إقرار كثير من جامعات بريطانيا لزيادة بمصروفاتها تقدر بنحو ثلاثة أضعاف - بداية من سبتمبر (أيلول) الماضي - ضاعفت من قلقها وأقرانها «مئات المرات». وسمحت الحكومة البريطانية في نهاية عام 2010 للجامعات بزيادة مصروفاتها، عازية ذلك إلى رفع كثير من الدعم عن عاهل الدولة.. وهو القرار الذي انتقده الاتحاد الوطني للطلبة، الذي نظم احتجاجات، وحزب العمال الذي وصفه بـ«المأساة لجيل كامل من الشباب»، لكن وزير الجامعات ديفيد ويليتس قال وقتها إن القرار سيكون له مردود أفضل على جودة العملية التعليمية.

ورفعت الجامعات من مصروفاتها لتصل إلى 9 آلاف جنيه إسترليني في العام الواحد، مقارنة بنحو 3 آلاف فقط سابقا.. وفي العامين الماضيين، شهدت الجامعات تدفقا لأعداد قياسية من الطلاب، الذين حاولوا ارتياد الجامعة قبل إقرار الزيادات، أو تقليص حجم المعاناة بقدر المستطاع.

وقال السير بيتر لامبل، رئيس ساتون ترست، في تصريحات نشرتها صحيفة «ايفينينج ستاندرد» اللندنية الشعبية: «يتضح من هذا الاستطلاع أن كثيرا من الشباب يظلون في حالة قلق حول كلفة التعليم العالي. وقد يضطر الخريجون الجامعيون لمواجهة ديون تقدر بأكثر من 40 ألف جنيه إسترليني مع ارتفاع الرسوم.. والكثير من هؤلاء سوف يجد نفسه ما زال يسدد ثمن دراسته الجامعية في الخمسينات من العمر».

وفي دراسة أخرى موازية، اتضح أن أعداد الطلاب من الأسر الأكثر فقرا (والأسر العاملة، التي تعتمد على العمل لفترة من أجل توفير المصروفات) في بريطانيا انخفض بنسبة نحو 1.4 في المائة خلال العامين الماضيين، بل وسينخفض بصورة أكثر دراماتيكية بعد تنفيذ زيادة المصروفات.

الدراسة أجرتها، خلال أبريل (نيسان) الماضي، «اللجنة المستقلة للرسوم» (Independent Commission on Fees)، وهي لجنة من شخصيات رفيعة المستوى من رجال الأعمال والأكاديميين والصحافيين والقطاع الخيري، أظهرت قلقا بالغا من انخفاض عدد المتعلمين الجامعيين مستقبلا، ومن ظهور فجوة اجتماعية قد تمثل خطرا على طبيعة الحياة في بريطانيا.. كما أشارت إلى بعد اجتماعي آخر، يتمثل في انخفاض عدد المتقدمين إلى الجامعات من الذكور مقارنة بالإناث في شريحة الأسر متوسطة الحال، وهو ما قد يهدد بدوره لاحقا بخلل في التمثيل المتوازن بين الرجل والمرأة في سوق العمل.