ضغوط ضد المعايير المشتركة للمناهج التعليمية الأميركية

حزب الشاي في مواجهة خطط البيت الأبيض والحزبين الرئيسين

احد مظاهرات حزب الشاي في واشنطن («الشرق الاوسط»)
TT

مارست جماعات حزب الشاي الأميركية على مدى الأسابيع القليلة الماضية ضغوطا بشكل مفاجئ - وناجح - على حكام الولايات الجمهوريين من أجل إعادة تقييم دعمهم الممنوح لمبادرة نادرة مقدمة من الحزبين، يدعمها الرئيس أوباما، لإصلاح المدارس الحكومية في الدولة.

ارتدى النشطاء قمصانا رياضية متماثلة، وعبأوا حافلات متجهة لقاعات المحاكم التشريعية في هاريسبرغ بولاية بنسلفانيا. واستجوبوا مسؤولي التعليم بولاية جورجيا بقسوة في إفطار محلي أقامه الحزب الجمهوري، وانهالوا على مشرعي ميشيغان بمكالمات هاتفية تحث على معارضة مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية.

تسجل فورة الأنشطة أحدث جبهة لحركة «حزب الشاي»، التي افتقرت لهدف مترابط منذ اندماجها في عام 2010، في معارضة لمبادرة الرعاية الصحية لأوباما.

تنطوي الحركة على شعور متجدد بالهدف والطاقة في أعقاب اكتشافات مفادها أن العديد من مجموعاتها كانت مستهدفة على نحو غير ملائم من قبل دائرة الإيرادات الداخلية، ويعتبر أعضاء أن تفكيك ما تهكم عليه البعض بوصفه «جوهر عمل أوباما»، أحدث قضاياهم. وعلى الرغم من ذلك، فإنه على عكس معركة الرعاية الصحية، يقول منظمو تلك الحملة المناهضة لمبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية إنها يمكن الانتصار فيها؛ وربما تمثل لحظة تحول محتملة.

«هذه قضية ربما تغير مسار العديد من الأمور بالنسبة لحركة حزب الشاي»، هذا ما تقوله لي آن بيركهولدر، مؤسسة رابطة «9 - 12 باتريوتس» في يورك بولاية بنسلفانيا، والتي جذبت 400 شخص - أكثر من ضعف نسبة المشاركة المعتادة - إلى اجتماع أخير لمناقشة التحرك ضد مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية. لقد تمثل رد فعل المشرعين في طرح تشريع من شأنه أن يمنع، على الأقل بشكل مؤقت، تفعيل المعايير في ما لا يقل عن تسع ولايات، من بينها اثنتان أرجأتا تنفيذ البرنامج. وسرعان ما وافق الحاكمان الجمهوريان لولايتي إنديانا وبنسلفانيا على وقف مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية بشكل مؤقت. وعلى الرغم من ذلك، فقد توقع ريك سنايدر، حاكم ولاية ميشيغان، وهو مؤيد قوي للخطة، قبول اتفاق ميزانية يبرمه مشرعون جمهوريون من شأنه أن يحجز التمويل الممنوح للبرنامج، مما يؤدي لتعليق المزيد من المناقشات.

وقال ناثان ديل، حاكم ولاية جورجيا الجمهوري – الذي، على غرار الحكام الآخرين المستهدفين، يواجه إعادة انتخاب العام المقبل «لم نره يأتي بالقوة التي هو عليها، بشكل واضح عبر أنحاء الدولة». وجاء رد فعل ديل ممثلا في توقيع قرار تنفيذي «يؤكد سيادة الولاية» على الشؤون التعليمية، لكن هذا لم يمنع المحافظين من محاولة إلغاء المعايير.

لقد روج البيت الأبيض مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية، التي صاغها حكام الولايات ومسؤولو التعليم بالولاية من الحزبين ويتم تمويلها بشكل كبير من جانب مؤسسة «بيل آند ميليندا غيتس»، لوضع معايير رياضيات وقراءة متوافقة من مرحلة رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر. تتفاوت المعايير الأكاديمية على نطاق واسع بين الولايات، وقد ألقي اللوم جزئيا في ذلك على التصنيفات المتواضعة للطلاب الأميركيين في المقارنات الدولية.

لا تملي المعايير منهجا، وإنما تقرر الولايات المناهج التي يتم تدريسها للطلاب وكيفية إعداد الطلاب للاختبارات المعيارية المعتمدة على مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية. وقد تم تبني المعايير بشكل كامل من قبل 45 ولاية والمنطقة التعليمية، ومن المزمع أن تسري بحلول عام 2014. ويخشى مؤيدون من أن يؤدي هبوط في مشاركة الولاية إلى التقليل من بعض المزايا المحتملة، مثل القدرة على مقارنة درجات اختبارات الطلاب عبر العديد من الولايات، مما يولد عقبات لوجيستية للمناطق التعليمية التي تطور المناهج وتقوم بتدريب المعلمين.

تقول جماعات حزب الشاي، جنبا إلى جنب مع بعض الليبراليين النزاعين إلى الشك، إن المعايير ترقى إلى مستوى سيطرة فيدرالية على التعليم في دولة لها تاريخ طويل من السيطرة المحلية (اللامركزية) على المدارس الحكومية.

لقد استغل بعض المحافظين مشروعا يحمل جانبا اختياريا، والذي من شأنه أن يكفل للولايات مشاركة سجلات الطلاب ونتائج الاختبارات مع الباحثين ومسؤولي التعليم، بل وحتى مطوري البرامج. ووصف المؤيدون مشاركة البيانات الطوعية، بتمويل من مؤسسات خاصة، بأنها وسيلة لمساعدة مدرسين في تصميم ممارسات فصل دراسي فعلية. غير أن المعارضين أدانوا هذا الإجراء بوصفه تدخلا من مؤسسة كبرى - وقد أشارت عدة ولايات إلى أنها لن تشارك.

ويوجه المنتقدون اتهامات مفادها أن مبادرة وضع معايير أساسية مشتركة للمناهج التعليمية قد أقحمت على المدارس بقدر محدود من النقاش العام. ووضعت المعايير من قبل جمعيات تمثل حكام الولايات ومديري المدارس، مع تعهد بتمويل خاص وتشجيع من إدارة أوباما باستخدام منح فيدرالية كمحفز. بعدها، تم التصديق على المعايير من قبل مجالس تعليمية وليس الهيئات التشريعية بالولايات، وقد أشار بعض المشرعين، الذين يرعون مشروعات القوانين الرامية لإلغاء البرنامج، إلى أنهم لم يسمعوا بها إلى أن قام الناخبون بتنبيههم في الأسابيع الأخيرة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يطلب من العديد من المشرعين بالولايات التصديق على التمويل لتفعيل المعايير، بما في ذلك الاختبارات ومواد الفصول الدراسية. ومن المنتظر أن تقدر التكلفة الوطنية للبرنامج بالمليارات. وصدق مشروع قانون صادر عن اللجنة الوطنية الجمهورية الشهر الماضي على إلغاء المبادرة بوصفها «توسعا غير ملائم لوضع معايير لتعليم أطفالنا والتحكم في التعليم، بحيث يلتزمون بالوضع (الطبيعي) الذي تم وضع تصور مسبق له».

علاوة على ذلك، فإن العديد من المنظمات المحافظة الوطنية قد دخلت في المعركة، من بينها «فريدوم ووركس»، وهي منظمة كبرى تضم جماعات حزب الشاي، وبعض الشركات التابعة بالولايات لمجموعة «أميركيون من أجل الرخاء»، وهي مجموعة تأييد مدعومة من الشقيقين المليارديرين، تشارلز وديفيد كوتش.

وقد عمل مشروع المبادئ الأميركي، الهيئة المحافظة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، على مدى الشهرين الماضي كمركز للحركة المناهضة للمبادرة، بتوزيع أوراق بحثية ونقاط حديث على المنتقدين، مع مساعدة المؤسسات على مستوى الولايات في تأسيس مواقع الإنترنت والشبكات. وظهرت إيميت ماكغرورتي، وهي محامية للمجموعة، في البرنامج الحواري لـ«غلين بيك»، وسافرت لحضور اجتماعات حزب الشاي بمختلف أنحاء الولايات المتحدة. وقد عكف بيك وميشيل مالكين على تناول الموضوع بجدية منذ شهر مارس (آذار). تقول ماكغرورتي «النخب داخل الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي لم تصل إلى هذا».

يحدث التوتر الناشئ تعقيدات بالنسبة للحزب الجمهوري، لا سيما حكام الولايات، إذ يقول النشطاء المحافظون إنهم بدأوا يعتبرون المبادرة اختبارا جديدا للطهارة. وعلى الرغم من تحرك كوربيت العام الماضي نحو «وقف» المبادرة، قالت بيركهولدر إنها هي ومنظمين محافظين آخرين يرغبون منه في أن يذهب إلى مدى أبعد ويخرج بنسلفانيا من البرنامج. وقالت إنه إذا لم يفعل، فإن كثيرا من النشطاء سوف يبحثون عن متحد رئيس من الحزب الجمهوري.

تقول بيركهولدر «إذا تمكنا من العثور على مرشح يضغط من أجل إقصاء بنسلفانيا من المبادرة، فيمكن أن أعد بأنهم سوف يلقون معارضة».

لقد أدهشت سرعة وحدة الجهود الهادفة لتقويض المعايير ائتلاف المصالح، الذي كان يعمل بشكل مطرد من أجل تفعيل التغييرات، التي تتضمن قيادة مجموعات العمل ومنظمات الحقوق المدنية ونقابات المعلمين.

وقد تجنب ديل مواجهة حاسمة مع زملائه من الجمهوريين بولاية جورجيا نهاية الأسبوع الماضي، حينما منع الافتقار إلى نصاب قانوني في اجتماع الحزب بالولاية تصويتا على مشروع قانون للتوقف عن دعم المعايير.

تجلى زخم المعارضة هذا الأسبوع في ميشيغان، حينما اتجه المشرعون الجمهوريون إلى تأجيل المبادرة، على الرغم من توسلات من الحاكم السابق لولاية فلوريدا، جيب بوش، الصوت المرموق داخل الحزب في الشؤون التعليمية وأحد أبرز مؤيدي المعايير الجديدة من الجمهوريين.

دافع بوش، الذي يدرس خوض سباق الترشح للرئاسة في عام 2016، عن المبادرة خلال مأدبة غداء مغلقة يوم الثلاثاء مع أعضاء مجلس النواب الجمهوريين بالولاية في لانسينغ، ثم أعاد ترديد آرائه في ظهوره عدة مرات مع سنايدر خلال مؤتمر سياسي بجزيرة ماكيناك. وقال بوش بنبرة توسلية «لا تتراجعوا. من فضلكم لا تتراجعوا عن المعايير العالية الرفيعة». ووصف المبادرة بأنها استراتيجية «واضحة ومباشرة» من شأنها أن «تسمح بمزيد من الابتكار في الفصل الدراسي، مع تخفيف القيود».

وقال في مقابلة أجريت معه لاحقا: «إذا شعرت بأن هذه كانت خطة فيدرالية أو مؤامرة لانتزاع مسؤولية اختيار أسلوب التدريس للأطفال من الولايات والمجتمعات المحلية، فسأعارضها». وتطور مؤسسة تعليم بوش موقعا إلكترونيا لتوضيح أسباب دعم المحافظين المعايير العليا. بينما تخطط كل من الغرفة التجارية الأميركية ومائدة الأعمال المستديرة لتنظيم حملة علاقات عامة شعواء للدفاع عن المعايير. وخلال دورة أبطال الغولف، بثت مؤسسة «إكسون» إعلانا تجاريا يثني على مبادرة التعليم الأساسي العام.

وعلى الرغم من ذلك، فإن معارضين يتساءلون عما إذا كان الوقت متأخرا جدا أم لا بحيث لا يمكن اتخاذ مثل هذا الإجراء. تقول مارغريت سبيلينغز، وزيرة التعليم في عهد الرئيس جورج بوش الابن «ما كان يحتمل أن يمثل أزمة ضئيلة نسبيا، بات الآن أزمة أكبر». ويقول مؤيدون إن معايير القراءة الجديدة تؤكد على التفكير النقدي والكتابة والأدب الواقعي، بما في ذلك وثائق تأسيس الدولة. وتشمل معايير الرياضيات مفاهيم أقل يتم تدريسها في العديد من الولايات، لكنها تتطلب فهما أعمق، بحسب المؤلفين.

وبدأت جهود وضع المبادرة قبل نحو خمس سنوات، قبل انتخاب أوباما. وقد سارعت إدارته لتبنيها بإلزام الولايات بتبني معايير أكاديمية «للإعداد للالتحاق بالجامعات وخوض الحياة المهنية» للمنافسة في السباق الفيدرالي للحصول على أعلى المنح أو الفوز بإعفاءات من متطلبات قانون «عدم إهمال أي طفل»، وهو قانون التعليم الفيدرالي الرئيس.

فهمت الولايات على نطاق واسع أن معايير «الإعداد للالتحاق بالجامعات وخوض الحياة المهنية» تعني معايير المبادرة، على الرغم من أن ولايتي فيرجينيا ومينيسوتا تبنيتا معايير بديلة قبلتها الإدارة.

وأعرب وزير التعليم الأميركي، آرني دونكان، عن إحباطه من الغضب المتزايد إزاء المبادرة خلال ظهور له الأسبوع الماضي في كابيتول هيل. ورفض تعليقات من العضو الجمهوري، مات سالمون (الجمهوري عن ولاية أريزونا)، مفادها أن كثيرا من ناخبيه قد شكوا من أن الإدارة استخدمت أموالا فيدرالية في «رشوة» الولايات من أجل قبول «استحواذ فيدرالي على المناهج التعليمية». لكن دونكان أجاب قائلا «إنها ليست خدعة.. ونحن لا نحاول اختراق أذهان الناس».

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»