الحركان لـ «الشرق الأوسط»: تحديات القرن الحادي والعشرين تفرض فلسفتها على التعليم

نائب رئيس مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم يسعى لتحقيق الجودة من خلال التدريب المباشر

معلم ومجموعة من التلاميذ بإحدى المدارس المدرجة في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم بالمدينة المنورة («الشرق الأوسط»).. وفي الإطار المهندس عبد اللطيف الحركان
TT

أكد المهندس عبد اللطيف الحركان، نائب الرئيس للتطوير المهني بمشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، أن احتدام التنافس الناتج عن العولمة أسفر عن التحول من ثقافة التدريب إلى التنمية المهنية المستدامة، وهو ما يعرف بالمجتمعات المهنية المتعلمة وشبكات التعلم.

وأوضح الحركان أن التدريب المباشر وجها لوجه هو جزء من التطوير المهني في البرامج التي يعمل المشروع على تطبيقها حاليا، وأنه تم تطبيق ذلك بالفعل في عدة مشروعات تحقيقا لمعايير الجودة العالية.. مما يؤهل المشاركين للتعامل مع مستجدات مدرسة المستقبل، كبرامج المدرسة الافتراضية وبرنامج الأكاديمية الافتراضية للتطوير المهني التربوي.

وتحدث الحركان في حواره مع «الشرق الأوسط» عن عدد من أهم المشروعات التي يسعى التطوير المهني إلى العمل عليها، ومن بينها مشروع محترف القيادة المدرسية ومشروع المعلم الجديد ومشروع التطوير المهني لمعلمي العلوم والرياضيات ومشروع التطوير المهني لمعلمي اللغة العربية ومشروع اللغة الإنجليزية والتطوير المهني للقيادات التربوية إلى جانب تطوير مراكز التدريب.. وذلك إلى جانب الحديث عن دور التطوير المهني في الشراكات العالمية ودفع قطاعات الدولة الخاصة نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.

وإلى نص الحوار..

* ما مفهومكم للتطوير المهني في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، في ظل التوجهات الجديدة والانفتاح العالمي؟

- في إطار ما يشهده القرن الواحد والعشرين من تحولات جذرية في مجالات عديدة، ومنها في مجال التربية والتعليم وما تفرضه تلك التحولات من تحديات، من أهمها العولمة التي نتج عنها احتدام التنافس الذي يتطلب جودة عالية في المخرجات والنتاجات، مثل هذه التحولات وما ترتب عليها من فرض فلسفة جديدة في التطوير المهني ليشهد تحولا من ثقافة التدريب إلى التنمية المهنية المستدامة وفق معايير محددة وفي إطار من العمل التشاركي والجماعي، وهو ما يعرف بالمجتمعات المهنية المتعلمة وشبكات التعلم، لذا تتبنى شركة «تطوير للخدمات التعليمية» رؤية ذات نظرة شمولية من خلال إنشاء منظومة متكاملة للتطوير المهني، وذلك لدعم تطوير التعليم على المستوى الوطني وإدارات التعليم والمدارس، كما أن برامج التطوير المهني بالشركة وبإشراف مباشر من معالي الأستاذة نورة الفايز نائب الوزير لتعليم البنات رئيس لجنة التطوير المهني، هدفها الرئيس هو بناء مجتمعات التعلم المهنية التي تربط العاملين في شبكات التعلم لتبادل الخبرات والمشاركة في التطوير المهني، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري كمصدر أساسي للتنمية المستدامة وتوظيف التقنية الحديثة في كافة عمليات التطوير المهني وتحقيق القيمة التنافسية وفق المعايير المعتمدة للتطوير والتدريب.

* يعتقد بعض الأفراد والمؤسسات أنهم قادرون على إدارة المعرفة عبر عمليات التطوير المهني من خلال الحصول على جميع الممارسات والمعارف وأفضلها، والعمل على تخزينها في أنظمة الحاسب الآلي، على أمل أن يأتي يوم وتكون مفيدة، فما رأيكم في هذا الاعتقاد؟ وما فلسفتكم حيال ذلك؟

- في الواقع هذا مثال جيد، لنوضح أنه ليس له علاقة بإدارة المعرفة، فكم من المرات تم التعرض إلى كم هائل من المعلومات، ولكننا لسنا بحاجة إليها، كذلك دورات تدريبية وملتقيات غير ذات صلة، وقد نكون بحاجة إليها في وقت لاحق، لذلك ننتهج سياسة واضحة في التطوير المهني من خلال الانطلاق من حاجات المتدربين في الميدان والعمل على تلمس احتياجاتهم من خلال المسوحات والدراسات التي تعد من قبل متخصصين.

لذلك وباختصار نشارك في حسن إدارة المعرفة من خلال تمكين المشاركين من الحصول على المعرفة المناسبة، في المكان والوقت المناسبين، فالمعرفة المناسبة هي المعرفة التي يحتاجها من أجل أن تكون قادرا على القيام بعمل من خلال استثمار أفضل القدرات لديك، والعمل على تمكينهم بالأدوات والاستراتيجيات للعثور على المعلومات والمعرفة من مصادر متنوعة كالبحوث والتقارير والأدلة وقواعد البيانات، كذلك من خلال المدربين الخبراء والمستشارين في تخصصاتهم، كذلك توفير المكان المناسب لتكون بيئة جذابة تشحذ الهمم وتمكنهم من تحقيق أهدافهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال اختيار الأوقات المناسبة لهم والتي لا تتعارض مع مصالح واحتياجات عملهم.

* ساد في الآونة الأخيرة تعدد كبير في مراكز التطوير المهني والتدريب، جميعها قائمة على عقد الدورات التدريبية وتأهيل الأفراد في أيام محددة، ولكن بمجرد انتهاء الدورة التدريبية يعود المشارك إلى عمله وتنقطع صلاته بالجهة التدريبية، فما تعليقكم حول هذه القضية؟

- لا نستطيع نفي هذا الرأي، وأنت تقصد بالطبع موضوعا مهما جدا، ألا وهو تقييم أثر التدريب في الميدان، والتطبيق العملي للمعارف والمهارات والاتجاهات، ولكننا حقيقة نؤمن بأن التدريب المباشر وجها لوجه هو جزء من التطوير المهني في البرامج التي نعمل على تطبيقها حاليا، لذلك نسعى إلى وضع تصميم متكامل للبرنامج التدريبي بما يتضمن: التدريب المباشر، والمشروعات والتدريب عن بعد والقراءات المعمقة، وتوظيف برامج الفيديو والمنتديات وشبكات التعلم المهنية والتواصل وتبادل الخبرات وملفات الإنجاز وبيئات التعلم الافتراضية، والعمل على تقييم أثرها في الميدان، وهذا بالفعل ما تم تطبيقه في عدة مشروعات نسعى إلى تحقيق الجودة العالية فيها، وذلك لأن الهدف من برامجنا هو تحقيق القيمة المضافة في تحسين العملية التعليمية التعلمية وتلمسها في نتاجات الطلبة، وذلك لأننا نؤهل المشاركين للتعامل مع مستجدات مدرسة المستقبل كبرامج المدرسة الافتراضية، وبرنامج الأكاديمية الافتراضية للتطوير المهني التربوي.

فتقييم أثر التدريب عملية فوائدها متعددة، تعود على المدرب الذي يصمم وينفذ عمليات التدريب، ومدير التدريب (على سبيل المثال الذي يدير استثمارات التدريب)، وقيادة مؤسسات التدريب (المسؤولين عن توفير خدمات ذات الصلة والمفيدة)، والعملاء (أي المستفيدين من البرامج والخدمات المقدمة من قبل أولئك الذين يتلقون التدريب، والجهات المانحة وغيرها من مؤسسات تمويل التدريب)، إذ لا يمكن أن يتم تقييم أثر التدريب بمعزل عن أنشطة التخطيط والتنفيذ التي تسبق تطبيق نتائج التدريب في إعداد العمل، ولتحقيق فعالية عالية لتقييم أثر التدريب، فلا بد من التخطيط لتشغيل تقييم أثر التدريب بالتزامن مع تقييم وتصميم احتياجات التدريب.

* الرهان الحقيقي في إنجاز الأعمال هو جودة المنتجات ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.. ما أهم مشروعاتكم التي تسعون من خلالها إلى تكوين نتاجات تتسم بالكفاءة والفاعلية تحقق من خلالها استراتيجية التعليم في المملكة وفق رؤية مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم؟

- نسعى دوما إلى إحداث التطوير بناء على دراسة الواقع والمأمول، لتحديد الاحتياجات، التي تبنى على أساسها البرامج والمشروعات، ومن أهم تلك المشروعات:

1. مشروع محترف القيادة المدرسية، الذي يهدف إلى الارتقاء بالمنظومة الفكرية في برامج إعداد مديري المدارس بوصفهم قادة للتطوير في المدارس كمجتمعات مهنية تعلمية، وذلك بتمكينهم من مهارات القرن الحادي والعشرين.

ويعد هذا البرنامج أحد دوائر التركيز في رؤية شركة «تطوير للخدمات التعليمية»، إلى جانب برنامج تطوير مدارس التعليم العام، الذي تتمحور رؤيته حول تمكين مديري المدارس من الخبرات والمهارات التي تؤهلهم لقيادة التعلم في مدارسهم وتحسين الفكر التربوي والسعي المستمر لتحقيق متطلبات التحول نحو مجتمع المعرفة، وما يتطلبه من خبرات ومهارات لتأهيلهم للقيام بأدوارهم القيادية.

2. مشروع المعلم الجديد، ويهدف إلى إعداد برنامج تأهيلي للمعلمين الجدد لتجسير الفجوة بين الجانب النظري والجوانب التطبيقية من أجل تجويد وتحسين العملية التعليمية وفق معايير علمية وموضوعية تحقق توجهات الوزارة المستقبلية.

3. مشروع التطوير المهني لمعلمي العلوم والرياضيات، وهو يهدف إلى تحسين أداء الطلاب في العلوم والرياضيات من خلال عدة استراتيجيات، من بينها تطوير تعليم وتعلم العلوم والرياضيات لكافة الصفوف من خلال التطوير المهني للمعلمين والمشرفين على الاستراتيجيات الفعالة للتدريس والتقويم.

4. مشروع التطوير المهني لمعلمي اللغة العربية، الذي يهدف إلى تحسين المهارات اللغوية ومهارات التواصل باللغة العربية للطلاب من خلال عدة استراتيجيات، بما فيها تطوير مهارات المعلمين والمشرفين على الاستراتيجيات الفعالة للتدريس والتقويم.

5. مشروع اللغة الإنجليزية، ويهدف إلى تحسين المهارات اللغوية ومهارات التواصل باللغة الإنجليزية للطلاب من خلال تبني استراتيجيات مختلفة، بما فيها تطوير مهارات المعلمين والمشرفين على الاستراتيجيات الفعالة للتدريس والتقويم.

6. التطوير المهني للقيادات التربوية، ويركز هذا المشروع على بناء منظومة تطوير مهني مستمر يتم من خلالها استقطاب واختيار وتأهيل وتطوير القيادات، والتي تشمل قيادات في مستويات مختلفة في جهاز الوزارة وإدارات التربية والتعليم.

7. تطوير مراكز التدريب، وهو يهدف في المناطق والمحافظات إلى تحسين بيئة المراكز وتنمية قدرات العاملين فيها مع تعزيز قدرة المؤسسات التعليمية لتوفير خدمات دعم تربوي ومهني ذات جودة عالية.

* حقيقة مشروعات واعدة تستهدف تنمية الموارد البشرية في وزارة التربية والتعليم، ونرجو أن تحقق الأهداف التي وجدت من أجلها، ولكن يعد التعليم في المحصلة هو مخرجات تحقيق القيمة المضافة للتنمية المستدامة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحسين المخرجات التعليمية، فما فلسفتكم في إدارة تلك المشروعات بما يحقق هذا التوجه؟

- يكفي توضيح أن تلك المشروعات لم يتم بناؤها إلا لتحقيق أهداف استراتيجية تطوير التعليم في المملكة، التي تسعى إلى تحقيق الشراكة المتكاملة ما بين أدوار المجتمع ووزارة التربية والتعليم والإدارة التعليمية، ومدرسة المستقبل، والمتعلم، والعمل على تعزيز التطوير الذاتي للتحول من المركزية إلى اللامركزية المتوازنة، وبناء القدرات، والتحول إلى مجتمعات مهنية متعلمة، للمساهمة الفاعلة في بناء مجتمع المعرفة، من خلال استثمار الشراكات مع المؤسسات المحلية والإقليمية والعالمية، والتأكيد على أن نجاح تلك الشراكة يمكن قياسها بالاعتماد على مجموعة من المؤشرات، يتمثل أهمها بالتحسن الذي يحدث في أداء المتعلمين وفق نواتج التعلم الرئيسة المحددة في الخطة الاستراتيجية.

* ما دوركم في دفع قطاعات الدولة الخاصة نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني وزيادة حصته في الناتج المحلي بما يحقق نموا في الاقتصاد الوطني، كذلك في الشراكات العالمية؟

- تتبنى شركة «تطوير للخدمات التعليمية» استراتيجية واضحة في تعاونها مع القطاع الخاص لتحقيق تنفيذ مشروعاتها من خلال شراكات فاعلة تؤمن بتكاملية الأدوار لتحقيق الرؤى العليا للقيادة العليا، فهي دائمة البحث عن المؤسسات من جامعات وهيئات مراكز تأهيل وتدريب القادرة على مشاركة تطوير في تحقيق رؤاها، كذلك للمشاركة في بناء وتقديم كل الدعم بما يسهم في تعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية، كما أنها حريصة على الاستفادة من التجارب والخبرات العالمية.

* ما الأفكار التطويرية التي تسعون إلى تنفيذها لإحداث النقلة النوعية في التطوير المهني للمعلمين والمعلمات في المملكة؟

- أحد مشاريع شركة «تطوير» واستراتيجيات التعليم هو تشغيل المركز الوطني للتطوير المهني والخاص بالمعلمين والمعلمات، الذي يسعى لتحقيق القيمة المضافة لقضايا التأهيل والتدريب، فقد حظي المركز بموافقة ديوان الخدمة المدنية لأغراض الترقيات، ولن يكون دوره بالضرورة التدريب، بل سيعتمد البرامج ويصدر الرخص ويضع السياسات، ويدعم نظام رتب المعلمين المقترح، وهو بذلك سيكون شبيها بهيئات التخصصات (على سبيل المثال: الهيئة السعودية للتخصصات الصحية)، كما سيتم دعم التدريب المباشر في المركز الوطني للتطوير المهني بتدريب إلكتروني من خلال أكاديمية التدريب الافتراضية التي تقدم برامج تدريبية عن بعد وضمن البيئات الافتراضية.

وفي الختام، أود أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، ومعالي نائب وزير التربية والتعليم الدكتور خالد بن عبد الله السبتي، ومعالي النائب للبنين الدكتور حمد آل الشيخ، ومعالي النائب للبنات الأستاذة نورة الفايز، على دعمهم المستمر لتحقيق رؤية التطوير في المملكة، كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لسعادة الدكتور علي بن صديق الحكمي الرئيس التنفيذي لشركة «تطوير للخدمات التعليمية» لدعمه وإشرافه المباشر على تنفيذ برامج ومشاريع التطوير المهني. والشكر موصول لكم أيضا على إتاحة هذه الفرصة للحديث عن المشاريع والبرامج المهنية بشركة «تطوير للخدمات التعليمية».