هيئات التدريس الأجنبية في تزايد بالجامعات والمعاهد الهندية

تنشد إبراز مستواها العالمي وإثراء تنوعها الثقافي

مدرس أوروبي في إحدى الجامعات الهندية («الشرق الأوسط»)
TT

لتحسين صورتها العالمية وإضافة المزيد من التنوع الثقافي، تتجه المزيد من المدارس والكليات والجامعات الهندية لتعيين هيئة تدريس أجنبية.

بعد مرور أربعة أعوام فقط على تأسيسها، تمتلك أبرز الجامعات الخاصة الهندية، وهي جامعة شاردا، معلمين أجانب يقدرون بالعشرات. ويظهر إعلان تلفزيوني تجاري لجامعة شاردا، التي تقع على أطراف العاصمة الهندية دلهي في مقاطعة نويدا، مقاطع صوتية لأفراد من فريق التدريس الدولي لديه، على نحو يبرز «التأثير العالمي» الذي تقدمه. ويبرز إعلانها المطبوع جملة «طاقم تدريس أجنبي بنسبة 20 في المائة».

يدخل منسي المنسي، الذي درس في إنجلترا لمدة 27 عاما، عامه الثالث كأستاذ تكنولوجيا حيوية بجامعة شاردا. وبجامعة ماناف راتشنا الدولية، التي أنشئت منذ عام مضى في فريد آباد على أطراف دلهي، تم إضفاء طابع مؤسسي على عملية جلب المعلمين الأجانب. بينما تعتبر يوليا، وهي حاملة لدرجة الدكتوراه من روسيا وترتدي حلة عمل أنيقة، واجهة جامعة ماناف راتشانا وأحد أوجه جاذبيتها «الدولية». ويقوم خريج بالغ من العمر 23 عاما متخصص في اللغويات واللغات من موسكو بتدريس الألمانية والروسية للطلاب.

بالمثل، قامت الكثير من الجامعات بتعيين مستشارين لمساعدتها في جلب أجانب إلى المؤسسة. وفي جامعة «لافلي بروفشنال»، التي تضم 20 كلية أجنبية، يؤكد نائب المدير أمان ميتال على قيمة امتلاك إدارة دولية في مجالات الهندسة والإدارة والتكنولوجيا الحيوية والعمليات والتسويق.. ويوضح: «تقول الكثير من الشركات متعددة الجنسيات إنها بحاجة لمورد بشري يمكنه العمل مع العملاء الأجانب.. جامعيين ممن يملكون نماذج متنوعة وأنماط تدريس تمكن الطلاب من التفكير على نحو يتجاوز نطاق الهند».

ولتقوية اللغة ومنح الطلاب منظورا عالميا، تمتلك الكليات الهندية معلمين من الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وآيرلندا والسويد والصين ورومانيا وهولندا وروسيا وفنلندا وتركيا وفرنسا واليونان، إلى جانب دول أخرى عبر أنحاء العالم.

وتحبذ معاهد تعليم التكنولوجيا الهندية الدولية المرموقة بالمثل الاستعانة بهيئة تدريس أجنبية. وكانت معاهد التكنولوجيا الهندية قد طالبت الحكومة بالسماح لها بالتعاقد مع معلمين دوليين كهيئة تدريس دائمة.

وبإمكان معاهد التكنولوجيا والجامعات الرئيسة في الوقت الحاضر تعيين معلمين أجانب كهيئة تدريس بموجب عقد، ولفترة تصل في أقصى تقدير إلى خمسة أعوام. وتشكل هذه المدة المحددة عائقا بالنسبة للكثير من الأكاديميين رفيعي المستوى، وخاصة ذوي الأصول الهندية، ممن يقومون بالتدريس بالجامعات وبالخارج، ويحتمل أن يكونوا راغبين خلاف ذلك في الانضمام إلى المعاهد الهندية للتكنولوجيا كهيئة تدريس دائمة، حسبما يشير مدير أحد المعاهد الهندية للتكنولوجيا، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته.

ويقول المدير «إن التعاقد مع معلمين أجانب بشكل دائم من شأنه أن يجعل المؤسسات الدولية الحقيقية التابعة للمعاهد الهندية للتكنولوجيا مثل أفضل الجامعات في الغرب، والتي لا تميز بين معلميها وبين أجانب يحملون مستندات دبلوماسية أساسية».

يعدد بي كيه غوبتا، المستشار بجامعة شاردا، إيجابيات التعامل مع كلية أجنبية، مشيرا إلى أن الكلية الأجنبية عادة ما تؤدي بشكل أفضل. ويقول: «إنهم يحددون معيارا في المهنية والاحترافية، يضمن أنه حتى الطالب في الصف الأخير يفهم ما يتم تدريسه له، إلى جانب أن الأستاذ المقبل من الخارج يكون لديه منهج جذاب وتلقائي وموجه للتطبيقات».

لا عجب إذن أنه بينما تدفع المؤسسات لفريق العمل الدولي، فإنها تعتزم التنقيب بعمق في جيوبهم. يقول غوبتا إن الراتب السنوي لأحد أفراد فريق العمل الأجنبي يتراوح ما بين 2.2 و4.5 مليون روبية (ما بين نحو 35 ألفا و73 ألف دولار أميركي تقريبا).

في الوقت نفسه، ومن خلال محاولة الحكومة الهندية استقدام هيئة تدريس أجنبية من أصل هندي، فإنها توفر راتبا سنويا قيمته 100 ألف دولار للعمل في بعض مؤسسات العلوم الرائدة.

لقد توصلت وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية إلى حزمة برامج لجذب بعض الأسماء المعروفة في عالم العلوم إلى المؤسسات الهندية كجزء من سياستها الجديدة لاجتذاب العلماء، ليس فقط للتدريس، وإنما أيضا للتدريب في مؤسسات التعليم في محاولة لغرس مفاهيم جديدة لتعليم العلوم والبحث. وتقوم المؤسسات التعليمية البارزة في دراسات الإدارة في الهند، على غرار معهد الإدارة في أحمد آباد، ومعهد الإدارة في لاكناو ومعهد الإدارة في بنغالور بالإعلان في الصحف الدولية، وعلى رأسها «إكونوميست» و«فاينانشيال تايمز»، عن وظائف شاغرة بهيئة التدريس.

يقول ديفي سينغ، مدير معهد الإدارة في لاكناو: «لدينا في الوقت الحالي طلاب دكتوراه أجانب؛ ولكن ليس لدينا أساتذة. لقد بدأنا نحضر مؤتمرات وطنية عن البحث عن معلمين أجانب أقوياء». وقد شهد المعهد تقدم معلمين من أميركا اللاتينية بطلب شغل وظائف ضمن هيئة التدريس.

بينما شهدت بعض معاهد الإدارة الهندية تدريجيا زيادة في طلبات التقدم من هيئة تدريس خارج الهند، زادت معاهد أخرى ميزانية إعلاناتها في الصحف الدولية بهدف اجتذابهم.

وتعاقد معهد الإدارة في كالكوتا مع قرابة 20 عضوا بهيئة التدريس خلال العامين الماضيين، وقد أتى الكثير منهم من جامعات دولية. وبينما شهدت 472 جامعة و22 ألف كلية وآلاف المؤسسات الفنية الأخرى في الهند زيادة نسبتها 25 في المائة خلال الخمسة أعوام الماضية، فإن الدولة بحاجة إلى 803 جامعات إضافية و31830 مؤسسة على مستوى الكليات خلال العشر سنوات المقبلة.. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الطلاب ليصل إلى 42 مليونا في عام 2020، مما سيتطلب 4.2 مليون معلم، بحسب تقديرات متاحة لدى وزارة تنمية الموارد البشرية.

وتقوم تاتيانا أليجاندرا كاردونا، من كولومبيا، بتدريس الاقتصاد الجزئي والأساليب الكمية لطلاب الإدارة بجامعة «لافلي بروفيشينال». وقد عثرت على الوظيفة من خلال إعلان على شبكة الإنترنت بعد تخرجها في قسم الهندسة الصناعية من جامعة بريرا للتكنولوجيا في كولومبيا. ومع توسع قطاع التعليم العالي وإعداده لدخول مزودي التعليم الأجنبي، تقوم جامعات هندية جديدة - بعضها يعود تاريخ إنشائه إلى عام فقط - بتعيين أفراد من الخارج بمجالس إدارات الكليات، برواتب تزيد عن المستوى المتوسط. والهدف، كما تشير غالبية الجامعات، ثنائي؛ وهو دعم جاذبيتها ومصداقيتها «الدولية» في السنوات الأولى، وإضافة «تعددية عرقية».

«أدركنا أنه كانت هناك مشكلتان تدفعان المؤسسات، لا سيما كليات التجارة وإدارة الأعمال، إلى الاستعانة بهيئة تدريس من البيض في الجامعات.. الأولى هي الافتقار إلى المصداقية والثانية تتمثل في فريق التدريس المحدود، إذ تملك 10 في المائة من المؤسسات في الهند 90 في المائة من خيرة أفراد هيئة التدريس»، بحسب جاغموهان بهانفر، المدير التنفيذي للمعهد الهندي للإدارة المالية، وهو كلية إدارة أعمال تملك سبعة مواقع جامعية في الهند. وقام معهد الإدارة المالية بالهند بتعيين خمسة معلمين أجانب هذا العام. بالمثل، قامت الكثير من الجامعات بالتعاقد مع مستشارين وقسم شؤون دولية مستقل، يقوم بصياغة استراتيجية الجامعة، التي تضم صورا من التعاون مع جامعات أجنبية، وعمليات تبادل للطلاب على المستوى الدولي وتعيينات لأفراد هيئة التدريس.

يقول أمان ميتال، المدير التنفيذي لجامعة «لافلي بروفيشنال»: «نحن جادون جدا بشأن جلب أفراد هيئة تدريس أجانب. في حقيقة الأمر، في العام الماضي، كنا جادين في هذا الشأن. لقد درست في إنجلترا ونرغب في أن نمنح طلابنا تجربة فصل دراسي مختلفة».

ثمة بعض الناس ممن ينتقدون هذا الاتجاه الجديد، ويفسرونه على أنه استغلال لعقلية استعمارية معينة.. «بحسب النفسية الهندية الشائعة، تمثل كلمتا (أبيض) أو (أجنبي).. تفوقا ثقافيا»، هذا ما يقوله سرينفاسا راو، أستاذ مساعد في التاريخ.

ويشير بريم كومار غوبتا، مستشار بجامعة شاردا، إلى دراسة داخلية أجريت لاكتشاف سبب عدم ظهور الهند حتى الآن كمركز تعليم عالمي. ويقول: «أحد الأسباب التي وجدناها هو أننا لا نملك تعددية عرقية في جامعاتنا. نحن لا نعزز تنوع الألوان والثقافات». ويضيف: «ثانيا، أدركنا أننا لم نخرج بعد عن مناهجنا الأكاديمية الصارمة الثابتة».

إن تعيين معلمين أجانب في الهند ليس موجها فقط للتعليم العالي. فحتى غرف طاقم التدريس بالكثير من المدارس الهندية الخاصة بالنخبة تشهد انضمام الكثير من المعلمين الأجانب. هناك مثلا الكندي سيباستيان بيليبيير، المحمل بتجربة تدريس في الولايات المتحدة وسوريا ومصر، نائب مدير مدرسة هندية رائدة تعرف باسم «تريو وورد سكول» في مدينة السيليكون الهندية، بنغالور.

من المشاركة في معارض الوظائف عبر أنحاء العالم إلى تنظيم مقابلات بالخارج، تقوم المدارس بتعيين معلمين أجانب بأساليب مختلفة.

«لدينا 10 معلمين أجانب من إنجلترا والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وأستراليا وإسبانيا. ونتعرف على المعلمين من خلال الناس الذين نعرفهم والإعلانات وشركات التوظيف والبوابات الإلكترونية وإحالات المعلمين ممن عملوا بالفعل معنا. يجري أساتذتنا المساعدون بالخارج مقابلات معهم أو نجري نحن مقابلات معهم عبر برنامج (سكايب). وعند الضرورة، يتم إقلال المرشحين بالطائرة إلى الهند لحضور مقابلة نهائية أو نذهب إليهم هناك. إنهم يأتون على وجه التحديد بتعاقد مدته عامان، ربما يتم مده»، هذا ما يقوله إنيل كومار، مدير مدرسة «تريو وورلد سكول».

وسواء أكان الأمر يتعلق بتقوية تدريس اللغة أو منح الطلاب منظورا دوليا، فإن غرف أفراد فريق التدريس بالكثير من المدارس الدولية في المدينة لديها معلمون من الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وآيرلندا والسويد والصين ورومانيا وهولندا إلى جانب دول أخرى كثيرة.

سوف ينضم اثنا عشر معلما من دول أجنبية عما قريب إلى مدرسة ستون هيل الدولية بعد اختيارهم من معارض عمل في لندن وبوسطن وبانكوك، إلى جانب الكثير من المناطق الأخرى. يقول بيتر ماكينزي، مدير مدرسة ستون هيل الدولية: «ثلثا طاقم التدريس من الخارج».

ويقول إنيل كومار، مدير مدرسة «تريو وورلد سكول»: «يختلف مرتبهم عن مرتب المعلمين الهنود نظرا لأن مكتب التسجيل الأجنبي يحدد حدا أدنى لراتب بالدولار الأميركي لتمكينهم من الحصول على تأشيرة».

«لدينا حاليا أربعة معلمين أجانب من بينهم معلمون من كندا وجنوب أفريقيا وماضون في عملية تعيين ستة معلمين أجانب إضافيين للعام الأكاديمي المقبل. بالأساس، نأتي بمعلمين أجانب للاستفادة من خبرتهم في تعليم لغات مناسب. علاوة على ذلك، فإن الآباء حريصون على أن يكتسب أطفالهم مهارات لغة مناسبة من متحدثي اللغة الأصليين»، هذا ما يقوله منير أنصاري، مدير شركة «غلوبال إديكويشينال سولوشنز»، التي تملك المدرسة.