اهتمام متزايد بدراسات الطب التقليدي في الهند

أدخله العرب وشهد ذروته خلال حقبة الحكم الإسلامي

كلية الطب النظامية في حيدر آباد التي تأسست قبل 200 عام («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تزداد فيه أهمية أنظمة الطب البديل في شتى أنحاء العالم، يستقطب نظام الطب اليوناني التقليدي «Unani System of Medicine»، وهو النظام المعروف بنشأته في الدول العربية خلال الفترة بين عام 460 و377 قبل الميلاد، الكثير من الطلاب ليس من الهند فحسب، بل من العالم العربي أيضا، للدراسة في المعاهد الهندية.

عرفت الهند الطب اليوناني عن طريق الفرس والعرب في القرن الـ12، وبلغ أوجه حتى القرن الـ17 خلال الحكم الإسلامي في الهند التي شهدت اهتماما بممارسي مهنة الطب اليوناني والاستعانة بهم كأطباء للبلاط الملكي.

ويضم معهد جاميا همدار، أحد المعاهد البارزة في مجال تدريس الطب اليوناني في العاصمة الهندية دلهي، طلابا من الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق وإيران واليمن والسودان والمكسيك وموريشيوس وأوغندا وبنغلاديش وبوتان. ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن كلية الطب النظامية الحكومية بحيدر آباد في جنوب الهند عمرها 200 عام، وهي مستشفى وكلية لتدريس الطب اليوناني.

كما يرجع تاريخ كلية الطب النظامية إلى عام 1810، عندما بدأت نشاطها بعالم أفغاني يسمى ساجدا بيغوم ماجد. وبعد ذلك، رممها وطورها مير عثمان علي خان، سابع نظام، التي تعني بالأردية «ملكا»، لولاية حيدر آباد، وجعل منها مبنى رائعا وفخما في عام 1938، ثم جرى تحويلها إلى كلية طب ومستشفى. وبعد ذلك بفترة قصيرة أصبحت الكلية مؤسسة طبية عالمية، أسهمت في تخريج عدد من أطباء وباحثي الطب اليوناني، وتشتمل مكتبة الكلية على كتب قيمة مكتوبة باللغة الفارسية والعربية في مجال الطب اليوناني.

وعلى الرغم من إمكانية تتبع نشأة العلاج اليوناني حتى النهاية للرجوع إلى الطب الإيراني القديم، جرى تطوير المعرفة الأساسية بالطب اليوناني كنظام علاجي على يد العالم المسلم الحكيم ابن سينا بموسوعته الطبية «القانون في الطب».

وفي المقابل، شهدت الحقبة البريطانية فرض قيود أكثر صرامة على أي نظام علاجي غير ما يعرف بنظام الطب الأخلاقي (النظام الطبي المعتمد في الغرب). ولكن على الرغم من كل ذلك، وبالإضافة إلى تعليق كل المساعدات المقدمة لمؤسسات الطب اليوناني، بقي هذا النظام بفضل التزام وتعهد أطباء مثل أجمل خان وعبد المجيد خان.

وكان أجمل خان طبيبا في مجال الطب اليوناني وعالما ذا مكانة فذة لا يضاهيه أحد. ويعرف خان بوجه عام بأنه أهم المساهمين في الطب اليوناني في الهند خلال القرن الـ20، وهو سليل أسرة من الأطباء الذين قدموا خدمات لفترة طويلة في البلاط الملكي للمغول.

وأسس أجمل خان مؤسسة داواخانا الهندستانية(Hindustani Dawakhana) في دلهي في عام 1905 لصناعة الطب اليوناني والطب الأيورفيدي (نوع من أنواع الطب التقليدي الذي ترعرع في الهند)، حيث عمل هناك نحو 800 شخص. وبعد ذلك بثلاث سنوات، بدأ أجمل خان تأسيس كلية الطب للفتيات.

وقد سميت باسمه كلية الطب اليوناني المشهورة عالميا في عليكرة، حيث أنشئت أول جامعة للمسلمين في شبه القارة الهندية في القرن الـ19، تيمنا باسم العالم أجمل خان بعد وفاته في عام 1927 في خطوة تهدف إلى الاعتراف بفضله.

وهناك طبيب آخر معروف عالميا في القرن الـ19 بوصفه أحد ممارسي مهنة الطب اليوناني، ألا وهو الحكيم عبد المجيد خان الذي يرجع إليه الفضل في تأسيس كلية ومستشفى الطب اليوناني في دلهي، والتي تعد بمثابة معهد تاريخي في الهند، حيث بدأت الكلية مثل «مدرسة طبية» في عام 1889 من خلال الحكيم عبد المجيد خان. وبعد وفاة عبد المجيد خان في عام 1901، تولى الحكيم أجمل خان مهمة تطوير وتحسين هذه المؤسسة.

وضع اللورد هاردينغ، الذي تولى نائب ملك الهند فيما بعد، حجر الأساس لمعهد تدريب الطب اليوناني في 29 مارس (آذار) عام 1916. وافتتح المهاتما غاندي المعهد في 13 فبراير (شباط) عام 1921. وتتبع الكلية جامعة دلهي منذ عام 1973. وتقدم الكلية دورة دراسية منتظمة مدتها خمس سنوات ونصف السنة، ويتبع تلك الدورة تدريب فترة التخصص لمدة عام واحد للحصول على درجة البكالوريوس في الطب اليوناني والجراحة، بالإضافة إلى تقديم دورة دراسات عليا (للحصول على درجة دكتور في الطب) في موضوع العلاج بالطب اليوناني. ويوجد مستشفى، يضم 150 سريرا، ملحق بالكلية حيث يتلقى الطلاب التدريب العملي في هذه المستشفى.

ويخطط محمد صالح، وهو طالب من اليمن يدرس بالسنة الأخيرة في كلية الطب اليوناني في دلهي، لفتح عيادة للمعالجة بالطب اليوناني في بلده بعد إتمام دراساته العليا.

ويوضح صالح قائلا: «تعتبر الدورة التدريسية أسهل بكثير بالنسبة لي، حيث إنني أتحدث اللغة العربية بطلاقة ويمكنني قراءة الكثير من الكتب الأصلية المتوفرة باللغة العربية في المكتبة. ويبحث الأفراد في كل أنحاء العالم عن نظام بديل للطب نظرا للآثار الجانبية التي يتسبب فيها الطب الحديث». ويضيف صالح، الذي يدرس حاليا فترة تخصصه في مستشفى الطب اليوناني: «ليس هناك مكان أفضل من الهند لتعلم الطب اليوناني، حيث تتوفر الكثير من الأبحاث، بالإضافة إلى التمكن من إجراء العمل الصيدلي هنا».

وفي نظام التعليم في مجال الطب اليوناني، يجب على مزاولي مهنة الطب اليوناني إتمام الدورة الأساسية الخاصة بدرجة البكالوريوس في الطب اليوناني، التي سميت فيما بعد في الجامعات المعتمدة باسم بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة.

ويشتمل البرنامج، الذي تصل مدته إلى خمس سنوات ونصف السنة، على برنامج تمرين إلزامي تناوبي لمدة عام واحد، حيث يطبق الطلاب ما تعلموه داخل الفصول تطبيقا عمليا. وبعد إتمام دورة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة، يكون للخريجين الحق في اختيار مواصلة دورة الدراسات العليا من عدمه.

تقول فردوس واني، مسؤول شؤون الطلاب بجامعة جاميا همدار بدلهي، في تصريحات صحافية: «تشمل مستويات الدراسة، علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، وهما من العناصر الأساسية للطب اليوناني، وعلم الأدوية اليوناني والطب السريري وعلم التشخيص باستخدام أساليب الطب اليوناني والطرق الحديثة. وعلاوة على ذلك، يجرى إمداد الطلاب بالمعرفة التفصيلية والفهم لموضوعات مثل الطب الداخلي والاعتلال الذي يصيب العين والأنف والأذن والحنجرة والجراحة وطب النساء والتوليد وطب الأطفال، وغيرها من الأمور الأخرى».

أما عن معاهد دورات الطب اليوناني في الهند، فيوجد في الهند في الوقت الراهن 40 كلية لطلاب المرحلة الجامعية والدراسات العليا، والكليات التي تقوم بتدريس الطب اليوناني في الهند عبارة عن مؤسسات حكومية أو منظمات تطوعية. وتتبع كافة هذه المؤسسات التعليمية الجامعات المختلفة، وتمنح درجة (بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة). وعلى الرغم من ذلك، يقل عدد كليات الطب اليوناني بالمقارنة مع الكليات الحديثة (التي تمنح درجة بكالوريوس الطب والجراحة)، حيث تشتمل كل ولاية هندية على كلية واحدة (مانحة لدرجة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة)، على الأقل، (في حين يزيد هذا العدد في بعض الولايات) وتكون الكليات خاضعة لبعض من أفضل الجامعات في الهند.

وبالنظر إلى الشروط الأساسية للالتحاق بالكلية وفرص العمل التي توفرها، فيعتمد الالتحاق بدورات درجة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة على المزايا المتوفرة في المرشحين لاجتياز امتحان القبول الذي ينعقد إما على مستوى الهند أو على مستوى الولاية. ويتمثل الشرط الأساسي لاستحقاق الالتحاق بدورة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة في وجوب إكمال المرشحين لدراسة السنة الأخيرة بالمدارس الثانوية أو المتوسطة، مع دراسة الفيزياء والكيمياء والأحياء كمواد تعليمية خاضعة لنظام تعليمي منتظم صادر عن مجلس معتمد أو جامعة معترف بها في الدولة المعنية. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكمل المرشحون 17 عاما بحلول يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) من عام التحاقهم بدورات بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة. وتكون الأفضلية للمرشحين الذي يجيدون اللغة العربية أو الفارسية.

ويجرى متابعة التسهيلات التعليمية والتدريبية في نظام الطب اليوناني في الوقت الحالي من خلال المجلس المركزي الهندي للطب، الذي يحدد أيضا مناهج الطب اليوناني للمعاهد التعليمية.

وبمجرد حصول المرشح على درجة في الطب اليوناني، يحصل على فرصة ذهبية لممارسة مهنة الطب. ويمكن أن يجد هؤلاء المتخصصون مراكز الأبحاث وصيدليات الطب اليوناني ودور المسنين الخاصة والأقسام الصحية ومستشفيات الطب اليوناني والمستوصفات المركزية الحكومية. وينتشر عبر 18 ولاية من ولايات الهند ما يزيد على 150 مستشفى و1.500 مستوصف تستخدم الطب اليوناني. وعلاوة على ذلك، يوجد نحو 50.000 خريج من خريجي الطب اليوناني في الهند، يعملون معظمهم كأطباء. وتعترف منظمة الصحة العالمية بالطب اليوناني بوصفه أحد أنظمة الطب البديل.

وتقدم الحكومة الهندية أيضا 27 مقعدا للدول غير الأعضاء في مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني متعدد القطاعات «Non - BIMSTEC countries» ومن بين هذه المقاعد يخصص 12 مقعدا بالنيابة عن إدارة قسم اليورفيدا واليوغا والمداواة الطبيعية والطب اليوناني ونظام سيدها الطبي «AYUSH»، التابع لوزارة الصحة، بموجب نظام التعاون الدولي، في حين يخصص 15 مقعدا عن وزارة الشؤون الخارجية الهندية. وتمنح تلك الأماكن للطلاب المهتمين بمواصلة دورات الدارسة الجامعية والدراسات العليا في الطب اليوناني والطب الأيورفيدي. وبالإضافة إلى ذلك، تكون هذه المنح الدراسية متاحة لدول مثل البحرين وإيران والعراق وإسرائيل والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر والسعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة واليمن وفلسطين والجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والسودان.

يقول أسعد محيي الدين، من كينيا، الذي يدرس في جاميا همدار دلهي، حيث حصل على منحة دراسية: «أردت مواصلة دراسة الدورة للحصول على درجة دكتور في الطب، بجانب العمل في الجانب البحثي المتعلق بالطب اليوناني».

وتتعاون جامعة جاميا همدار بنيودلهي، منذ عام 2003، مع معهد ابن سينا للطب في جنوب أفريقيا في مجال الطب اليوناني حيث تعد البلاد موطنا لما يزيد على 200.000 معالج تقليدي يعتنون بأكثر من 27 مليون شخص. ويتعاون الكثير من الباحثين والأطباء الهنود مع معهد الطب بجنوب أفريقيا في مجال الطب اليوناني.

ومن بين أطباء الطب اليوناني المعاصرين الحكيم ذو الرحمن، الذي عمل في الكلية الطبية للحكيم أجمل خان، في عليكرة، لفترة تزيد على 40 عاما قبل أن يتقاعد كعميد لكلية المعالجة (الطب). ويشتهر ذو الرحمن في العالم بسبب إسهاماته الكبيرة في مجال الطب اليوناني.

وعلى العكس من الأدوية الحديثة، التي يكون لها آثار جانبية ضارة، يساعد الطب اليوناني أيضا على تحسين الصحة العامة للشخص. ويوضح جميل أنه بعد الاتجاه العالمي للاهتمام المتزايد بالأنظمة البديلة والطبيعية، يجري ممارسة المداواة بالطب اليوناني، بالإضافة إلى تدريسه والبحث فيه بأسمائه المحلية في أكثر من 20 دولة. وتضم القائمة الخاصة بهذه الدول كلا من أفغانستان والصين وكندا الدنمارك وألمانيا وفنلندا وهولندا والنرويج وبولندا وكوريا واليابان والسعودية والسويد وسويسرا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.

ويكون أغلبية الأطباء الممارسين للطب اليوناني في الهند من المسلمين. ويوضح الحكيم خالد صدقي أن الطب اليوناني هو علم طبي مطور جيدا ولا علاقة له بالإسلام أو ثقافة المسلمين. ويعزو صدقي هذا الأمر إلى توافر كتب الطب اليوناني إما باللغة العربية أو الفارسية أو الأردية مع عدم وجود ترجمات موافية لها إلى اللغة الإنجليزية أو الهندية.

وتضم قائمة أشهر الكليات المعروفة والبارزة في الهند التي توفر دورات في مجال الطب اليوناني كلا من: كلية الطب اليوناني والطب الأيورفيدي (دلهي) وجامعة جاميا همدار (دلهي) وكلية طب أجمل خان (عليكرة) والمعهد القومي للطب اليوناني (بنغالور) والكلية الطبية النظامية الحكومية (حيدر آباد) وكلية ومستشفى دكتور عبد الحق للطب اليوناني (أندرا براديش) والكلية الطبية الحكومية (باتنا) وكلية ومستشفى صفية حميديا للطب اليوناني (ماديا براديش) وكلية ومستشفى ذا كلكتا للطب اليوناني.