وزير التعليم المصري في حوار مع «الشرق الأوسط»: «تابلت» المدارس لن يلغي الكتاب

محمود أبو النصر أكد حاجة بلاده إلى عشرة آلاف مدرسة لحل مشكلة التكدس

TT

قال الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم المصري، إن مشروع تطوير التعليم تشرف عليه مؤسسة الرئاسة ولن يتأثر لو تغيرت الحكومة، لافتا إلى أن الأنشطة في المدارس شيء مهم للطالب، وفي نظري لا تقل أهمية عن دراسة المواد الدراسية المقررة، مشيرا في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى الحاجة إلى نحو عشرة آلاف مدرسة لحل مشكلة التكدس في الفصول.. وأن تطبيق مشروع التابلت (الكومبيوتر اللوحي) في المدارس لن يلغي الكتاب المدرسي.

وتشير الإحصاءات الرسمية في مصر إلى أن إجمالي عدد الطلاب بمرحلة التعليم قبل الجامعي بلغ 17 مليونا و769 ألف طالب، تقدم لهم الخدمات التعليمية من خلال 46 ألفا و727 مدرسة تحتوي علي 479 ألفا و255 فصلا دراسيا، وبلغ عدد البنين تسعة ملايين و120 ألف طالب وبلغ عدد البنات ثمانية ملايين و648 ألف طالبة.

وأكد وزير التربية والتعليم أنه لا توجد نية لإلغاء نظام «الفيديو كونفرانس» (المحاضرات عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة)، وقال إنه سيخصص لأغراض أخرى، و«ننسق مع وزارة التعليم العالي لعودة نظام التكليف لخريجي كليات التربية» بالتدريس في المدارس، لافتا إلى أن فترتي حكم الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي سوف تكتب كلها بميزاتها وعيوبها في الكتب الدراسية. وإلى أهم ما جاء في الحوار.

* كثير من الخبراء يقولون إن لم يكن التعليم في مصر قضية وطنية في المقام الأول ستكون التنمية والنهوض بالأمة كمن يدور في حلقة مفرغة. فما هي رؤيتكم لهذا؟

- سادت حالة من الحنق المجتمعي عن التعليم، والتي لا يمكن إنكارها خلال العقود الأخيرة، ومعلوم أن للتعليم دورا أساسيا ومحوريا سواء في إصلاح الأوضاع المعيشية أو السياسية أو الاقتصادية أو في محاربة الفساد بكل أنواعه، وتنبع أهمية التعليم من أنه يعد استثمارا لرأس المال البشري، كما يعتبر أداة فاعلة لضبط السلوكيات والاتجاهات الحالية للتنمية، ومن أجل ذلك تقوم الوزارة بالخطة الاستراتيجية للتعليم، والتي تعمل عليها ورش العمل المقامة حاليا في اتحاد طلاب مصر، وأكدت الرئاسة أن التعليم هو المشروع القومي الأول في مصر، وأن المستشار عدلي منصور رئيس الدولة قرر أن تكون هذه الخطة برعاية مؤسسة الرئاسة.

* لكن هناك مشكلة في الإدارة المصرية بصفة عامة وهي تداول السلطة، حيث تجد المسؤول عندما يتولى أي وزارة لا يبني على ما سبق، بل يقوم بهدم ما سبق ويبدأ من جديد.. فما هي الضمانات التي تضمن استمرار هذا المشروع الضخم في حالة تغير الوزارة؟

- كما ذكرت من قبل أن مشروع تطوير التعليم أصبح تحت إشراف الرئيس، وهو من سيتولى بنفسه الإشراف عليه، واللجنة المكلفة بصياغة مواد الخطة انتهت من التعديلات تمهيدا لعرضها على الرئيس المصري والحصول على موافقته عليها، ليجري طرحها للنقاش المجتمعي، والوزارة سمحت لكثير من الأحزاب السياسية والهيئات والشركات والمعلمين والطلاب والمعنيين بالعملية التعليمية، وكل أطياف الشعب من علماء متخصصين وأساتذة بالاشتراك في وضع الخطة الاستراتيجية التي ستستمر حتى عام 2022، وهذا المشروع الضخم لكل مصر وليس لفصيل واحد بعينه، وهذا ما سيضمن استمراريته حتى لو تغير القائمون عليه.. وعندما كلفت بالوزارة لم أقُم بإلغاء ما سبق، بل عملت جاهدا على استكمال ما سبق من الوزراء السابقين في ما يتفق مع التطور الذي تنتهجه الوزارة حاليا.

* مادة التربية الدينية في المدارس الحكومية تواجه صعوبات.. هل ستجري الاستعانة بمدرسي الأزهر الشريف لتدريس مادة التربية الدينية؟

- ستكون الاستعانة بخريجي الأزهر ليس في تدريس مادة التربية الدينية فقط، بل ستكون الاستعانة بهم في أي نقص في أي مادة من المواد التي تحتاج إليها وزارة التربية والتعليم.

* الأنشطة تكاد تكون منعدمة الآن في مدارس مصر.. فما الخطة المستقبلية لتفعيل هذه الأنشطة؟

- الأنشطة شيء مهم للطالب، وفي نظري إن الأنشطة لا تقل أهمية عن دراسة المواد الدراسية المقررة، لأنها مكملة للتكوين الجسدي والمعنوي للطالب، والوزارة تدعم هذا الجانب، لكن يوجد قصور في أماكن دون أخرى، فهناك الدافع الذاتي تجده مرتفعا عند مجموعة دون أخرى، وبمروري على محافظات مصر أشجع على النهوض بكل الوسائل التعليمية ومنها الأنشطة.

* تكدس الفصول بالطلاب في المدارس الحكومية والخاصة مشكلة تؤثر على تحصيل المواد بجانب قلة تفاعل المعلم مع طلابه. في تصورك، ما هي الوسائل لحل هذه المشكلة؟

- مشكلة التكدس من أهم المشكلات التي تسعى الوزارة بكل جهد لحلها، عندما أعلم أن في بعض المدارس عدد التلاميذ في الفصل الواحد وصل إلى 120 تلميذ فهذا صعب جدا. ومصر تحتاج خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 10 آلاف مدرسة، والموازنة المخصصة من الدولة تكفي لبناء 300 مدرسة فقط، والفصل الواحد يجدد بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه مصري، بالإضافة إلى أن هناك 20 ألف مدرسة تحتاج إلى تطوير وتجديد بتكلفة 25 مليار جنيه.

* وهل هناك تبرعات داخلية أو خارجية في هذا الشأن؟

- تبرعت دولة الإمارات العربية ببناء 800 مدرسة، بجانب أن هناك مشاركة مجتمعية كبيرة يقوم بها رجال الأعمال في مصر، على رأسهم مؤسسة المهندس نجيب ساويرس، فقد تبرع مع مجموعة من رجال الأعمال ببناء ألف مدرسة، ويسعي الفنان محمد صبحي لبناء 50 مدرسة، بجانب بعض الشركات الوطنية التي تبرعت لبناء عدد من المدارس، فضلا عن أن هناك 10 شركات عالمية تعمل في مجال الحاسب الآلي أكدت استعدادها لدعم العملية التعليمية في مصر.

* يتردد أنه يوجد من يقف عائقا في تفعيل نجاح مشروع «الفيديو كونفرانس» رغم نجاحه. ما تعليقكم؟

- لا ينكر أحد أن «الفيديو كونفرانس» كان له دور طيب في الفترة الماضية، لكن كان يشوبه بعض العيوب، منها أن المحاضر واحد وثقافته واحدة، وهو موجود في غرفة ولا يوجد تفاعل حقيقي بين المحاضر والمتلقي، لكن يوجد عندنا الآن 14 مركزا أكاديميا مهنيا للمعلم موزعين على مستوى محافظات مصر، كل مركز به ثلاثة فروع موزعين في المحافظة ويوجد بها مجموعات من الخبراء والمستشارين، وهنا يكون الاحتكاك مباشرا بين المدرب والمتدربين، فضلا عن أن التدريب المباشر يحقق فاعلية أكبر من التدريب الإلكتروني.

* معنى هذا أنكم تسيرون في خطوات مرحلية للاستغناء عن «الفيديو كونفرانس»؟

- أنا لم أقل هذا.. فـ«الفيديو كونفرانس» سيستمر في تقديم خدماته، لكنه سيخصص لأغراض أخرى، منها على سبيل المثال المتابعة الدورية للإدارة التعليمية بالمديريات والاجتماع بوكلاء الوزارة أسبوعيا، وإقامة ندوات التوعية الطلابية، فضلا عن بعض البرامج التربوية للمواد المتخصصة وخصوصا في مرحلة تأليف المناهج.

* «التابلت» هو الأسلوب الجديد المتطور في المرحلة القادمة في التعليم. لكن يرى كثير من علماء النفس والتربية أن هذا سيكون سيئا في تنشئة الأطفال، وخصوصا المرحلة الأولى، وأنه سوف يلغي الكتاب المدرسي. فما ردك عليهم؟

- نسعى في الوزارة إلى الوصول إلى الأجود في ما يخص العملية التعليمية، وأي وسيلة جيدة متطورة تخدم الطلاب لن نتوانى في إدخالها في العملية التعليمية. أما بخصوص قول العلماء والخبراء في هذا الموضوع فهذا الكلام يؤخذ باهتمام وجدية، لأننا ليس لنا هدف إلا الوصول بالطالب إلى أحسن المستويات التربوية والتعليمية، وبالنسبة للتابلت فالوزارة قامت بتوزيع 35 ألف جهاز تابلت على تلاميذ الصف الأول الثانوي العام والفني في ست محافظات على مستوى الجمهورية، والطلاب سيحصلون على الجهاز كهدية مجانية، لكي يستخدمونه في ما بعد أثناء الجامعة.

* ألا ترى أن إدخال التابلت في العملية التعليمية يكلف مصر ميزانية كبيرة وضخمة؟

- تكلفة شراء أجهزة التابلت بلغت 84 مليون جنيه مصري، في حين أن تكلفة طباعة الكتب في مصر تصل 1.3 مليار جنيه سنويا.

* وهل استخدام التابلت سيؤدي إلى الاستغناء عن الكتاب المدرسي بشكله التقليدي المتعارف عليه في الفترة المقبلة؟

- الوزارة لن تلغي الكتاب المدرسي، ولكن هناك مقترحات لتصغيره على شكل «ملزمة»، وهناك ثلاثة مراكز بحثية داخل الوزارة تعمل على تطوير العملية التعليمية في مصر وفقا لمشروع متكامل.

* بعض الأعمال الدرامية ساهمت بدور كبير في تشويه صورة المدرس وانهيار المنظومة التعليمية وهناك من يطالب بموقف قانوني تجاه ذلك.

- أولا لا بد في البداية أن نثبت وجودنا، فلا يعقل أن يكون عندنا نقص في المدارس والمدرسين ولا يوجد رؤية مستقبلية ولا استراتيجية واضحة ولا مربٍّ يرقى بالطالب وأشياء أخرى، كل هذا ساعد على اهتزاز العملية التعليمية والمعلم في نفوس طلابنا. ومن هنا لا بد أن نعيد للمعلم هيبته ووقاره مرة ثانية من خلال إعداد المدرس إعدادا مهنيا وأخلاقيا وتربويا، كل هذا سينعكس على سلوك الطلاب بالإيجاب، مع إعداد رؤية مستقبلية قوية تأتي لنا بمخرجات تواكب التطور العصري، كل هذا هو من سيرد على الإعلام المسيء للعملية التعليمية، وعملنا سيكون أقوى رد على من يستهزئ بالتعليم.

* خريجو كليات التربية يريدون عودة التكليف لهم بعد تخرجهم، مثلما كان معمولا به في الماضي. هل هناك اتجاه لعودة التكليف مرة أخري؟

- هناك تنسيق بين وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي لعودة التكليف، لكن بالشروط التي وضعتها الوزارة، وهي أولا إجراء اختبارات القبول للطلبة المتقدمين لكليات التربية بأنواعها، والشرط الثاني وهو حسب الاحتياجات المطلوب توافرها للوزارة كل عام لسد حاجة العملية التعليمية لها.

* بصراحة هل الوزارة تجد حرجا في كتابة فترتي حكم الرئيسين السابقين حسني ومبارك ومحمد مرسي في كتب التاريخ؟ ويتردد أن الوزارة سوف تستبعد هذه الفترات من الكتب المدرسية.

- سنقوم بكتابة هذه الفترات كلها بميزاتها وعيوبها، ما لها وما عليها، ونرصد كل الأحداث التي مرت بها مصر في هذه الفترة المهمة في تاريخ مصر دون التحيز لأحد على الآخر.

* كيف نضمن كتابة هذه الفترات بحيادية وأن لا يجري توجيه الطلاب سياسيا إلى تفضيل فصيل على فصيل آخر أو التحيز لشخص دون الآخر؟

- أولا ليس لنا انتماءات سياسية كي نوجه الطلاب إلى أي شيء، سنكتب التاريخ كما حدث ولن نعلق في كتب التاريخ على ما حدث، وأطالب أن ننتظر حتى ننتهي من مشروع استراتيجية تطوير التعليم في مصر، وتخرج لنا المخرجات التي اتفق عليها الخبراء في ما وصلوا إليه. ثانيا أصبح الشعب المصري لديه من الوعي السياسي ما يفند به السيئ من الثمين. الكل أصبح يتحدث، ولو وجدوا أي شيء خطأ فليواجهونا به.

* أبو النصر في سطور

* ولد عام 1953 وتخرج في كلية هندسة عين شمس عام 1975 وحصل على الماجستير من نفس الكلية في 1981 وحصل على الدكتوراه من إنجلترا في 1986.

* له أكثر من 50 بحثا علميا في مجال الهندسة، وله أربعة اختراعات هندسية مسجلة، وهو ممثل اليونيسكو للتعليم الفني بشمال أفريقيا.

* عمل لمدة عامين رئيسا لقطاع التعليم الفني بوزارة التربية والتعليم، وضع خلالها استراتيجية محكمة للتعليم الفني وتطويره، وأبرم الكثير من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي والمنحة الأميركية لتطوير التعليم الفني في مصر، كما أنه كان صاحب فكرة التابلت التعليمي، حيث كان قد بدأ تجربته في المدرسة الصناعية بشبرا الخيمة (بالقاهرة الكبرى).

* استقال من منصبه كرئيس لقطاع التعليم الفني بوزارة التربية والتعليم، محتجا بأنه لاحظ انتشار جماعة الإخوان المسلمين في الوزارة في الوزير السابق إبراهيم غنيم.