الهند وأفريقيا.. شغف متبادل في المجالات التعليمية

تحتضن نحو 40 ألف طالب من القارة السمراء في 500 جامعة.. وشراكات واسعة مع أغلب دول القارة

الطلاب الأفارقة ينتشرون في أغلب الجامعات الهندية («الشرق الأوسط»)
TT

أصبحت الهند واحدة من أكثر الوجهات التعليمية المفضلة بين الطلاب الأفارقة بصورة متزايدة. وفي الوقت الراهن، هناك ما يقرب من 40 ألف طالب أفريقي يدرسون في 500 جامعة عامة وخاصة في مختلف أنحاء الهند، حيث يحصل حوالي 13 ألف من هؤلاء الطلاب على منح تقدمها الهند ودول الكومنولث. وفي العام الماضي، كانت نسبة الطلاب السودانيين هي الأعلى - بعد الطلاب الأفغان - بين باقي الطلاب الأجانب في البلاد. وتتضمن الدورات التدريسية المفضلة للحصول على شهادة البكالوريوس في التجارة والهندسة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وعلوم الصحة - بما في ذلك التمريض - والقانون.

وفي إطار الجهود الرامية إلى استقطاب الطلاب الأفارقة، تقوم الجماعات الهندية البارزة بزيارة العواصم الأفريقية وعقد ورش عمل لأولياء الأمور والطلاب المتوقع انضمامهم إليها وتعيين وكلاء لجلب الطلاب والإعلان عن الفرص التعليمية التي تقدمها المؤسسات بهذه الجامعات. وبجانب وجود مجموعة كبيرة من الدورات التي تعتبر وثيقة الصلة بسوق العمل وجاذبة للشباب، تفرض الجامعات رسوما تكون مرضية لأولياء الأمور الذين يبحثون عن تعليم ميسور التكلفة لأولادهم.

وتعتبر الجامعات الخاصة، مثل جامعة مانيبال وشاردا وكلية آر كيه وجامعة إس آر إم وجامعة البنجاب وجامعة لفلي وجامعة أميتي وكلية باتكار من بين المؤسسات التعليمية الهندية القليلة التي تنخفض بها درجات قبول الطلاب بشكل أقل من الجامعات الأخرى المحلية - سواء العامة أو الخاصة، فضلا عن قيد الطلاب من دون مطالبتهم بخوض دورات دراسية قبل الجامعة. وعلاوة على ذلك، تتميز تلك الجامعات بانخفاض الرسوم بها ووجود نطاق واسع من الخيارات فيما يخص الدورات التدريسية. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم الجامعات بترتيب مسألة توفير التأشيرات للطلبة الذين يريدون الالتحاق بها مما يساعد في تسهيل الأمور أمام أولياء الأمور الذين كانوا سيستغرقون أياما لإنهاء وثائق الهجرة.

وقبل عامين، وصل الطالب حيدر إلى الهند مقبلا من مصر لدراسة علوم السياسة. وبعد العودة إلى موطنه، يعتزم حيدر الدخول في مجال السياسة بعد التدريس لسنوات قليلة. وقال إن الديمقراطية الهندية تعد مثالا رائعا لا يمكن تصوره، وهو ما دفعني إلى اختيار الهند لدراسة السياسة هناك.

وفي كل عام، نجد دلهي مكتظة بطلاب القارة الأفريقية الساعين للحصول على فرصة أفضل في مجال الدراسات العليا. ويقول أمينو جابي، أحد الطلبة المقبلين من السودان للحصول على بكالوريوس التربية من جامعة ميليا الإسلامية، إن «الهند دولة رائعة».

وواجه جابي في بادئ الأمر مشكلة التكيّف مع الطعام الهندي وتناول الأطعمة في مطاعم الوجبات السريعة الدولية فقط. ويوضح قائلا «إن الطعام هنا حار جدا ومختلف للغاية عما نأكله في بلادنا، ولكنني تعودت تدريجيا على الثقافة الغذائية السائدة هنا». وعلاوة على ذلك، صارت الموسيقى والأفلام الهندية جزءا من حياته في الهند.

وتشعر سيرا دينغي، البالغة من العمر 26 عاما، والتي قدمت من دولة الكونغو للحصول على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة دلهي، أن ممثل بوليوود جون إبراهام من الممثلين الرائعين، حيث إنها تحب «أسلوبه» مثل أي بنت هندية أخرى. وتمتدح دينغي إبراهام قائلة «إنه ممثل وسيم ويؤدي أدوراه بشكل جيد».

وعندما نزور أي كلية في دلهي، نجد أن الطلاب الأفارقة يتميزون بطريقتهم المعروفين بها وأسلوبهم الخاص، حيث يرتدون السراويل الفضفاضة والفانلات قصيرة الأكمام والأحذية والقبعات التي تتماشى مع الموضة الجديدة. وترى دينغي أن الهند لديها الكثير لكي تقدمه، فهناك النظام الطبي الجيد والأطعمة الرائعة، وكذلك ثقافة الشعب الهندي الودود للغاية. وفضلا عن ذلك، تعتقد دينغي أن هناك الكثير والكثير الذي يمكن للشخص أن يتعلمه في هذا البلد.

وفي عام 2009، أطلقت الحكومة الهندية مشروع شبكات العمل الإلكترونية في أفريقيا، مع اعتماد ميزانيته التي تصل إلى حوالي 117 مليون دولار أميركي لتوفير التعليم عن بعد وتخطيط الموارد والخدمات الجوية والإدارة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والخدمات الطبية الإلكترونية الأخرى في 53 دولة أفريقية. ووفقا لوزارة الشؤون الخارجية للهند، فمن المأمول أن يسهم مشروع شبكات العمل الإلكترونية في أفريقيا في الربط بين ما يزيد على 100 ألف طالب أفريقي وبين أفضل الجامعات الهندية بحلول عام 2015.

وجدير بالذكر أن التعاون الهندي - الأفريقي في مجال التعليم زاد بشكل كبير للغاية منذ مؤتمر عام 2008، مع تأسيس الهند للمعاهد وبرامج الدعم وقيد الآلاف من الطلاب الأفارقة في الجامعات الهندية. ومن جانبها، بدأت الجامعة الوطنية للتخطيط التربوي والإدارة بالهند في عملية إنشاء معهد أفريقي للتخطيط التربوي والإدارة في بوروندي. بينما ستقوم شركة الاستشاريون التربويون المحدودة بالهند (EdCIL) بإنشاء معهد أفريقي لتكنولوجيا المعلومات في غانا ومعهد للتجارة الخارجية في أوغندا ومعهد للبورصة بالقارة الأفريقية في مصر. وعلاوة على ذلك، تتعاون بعض معاهد تكنولوجيا المعلومات مع القليل من المؤسسات الأفريقية في مجال الأبحاث المشتركة وما يخص دراسة الطلاب للمنح الدراسية بالخارج.

وقال المسؤولون بوزارة تطوير الموارد البشرية إن المهارات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات في الهند، وكذلك التقنية والمناخ السياسي الجيد من العوامل التي تستقطب الطلاب من جميع أنحاء العالم.

وطالبت الهند بدعم جامعة عموم أفريقيا (PAU)، وهي مؤسسة تتجه إلى إجراء الأبحاث الخاصة بالقارة بهدف تدريب الطلاب في مرحلة الحصول على شهادة الدكتوراه وإجراء الأبحاث لحل المشكلات. ويبدو أن الهند تسعى لمساعدة معهد علوم الحياة والأرض التابع لجامعة عموم أفريقيا في جامعة إيبادان في نيجريا.

وتعد التكاليف المنخفضة وجودة التعليم ووجود مجموعة من الخيارات الكثيرة للدورات التدريسية واستخدام اللغة الإنجليزية كلغة وسيطة للتدريس من الأسباب الرئيسة التي تدفع الطلاب الأفارقة إلى الدارسة بالهند.

وقال رحمن علي، أحد الاستشاريين التربويين، لـ«الشرق الأوسط» إن التكاليف تلعب دورا رئيسا. فعلى سبيل المثال، تفرض جامعة جواهر لال نهرو رسوما على الطلبة المقبلين من دول العالم تصل إلى 700 دولار أميركي لكل فصل دراسي تصل مدته إلى ستة أشهر (أو 1400 دولار أميركي في العام)، في حين أن جامعات القمة في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة قد تفرض رسوما دراسية تتراوح ما بين 20 ألفا و25 ألف دولار أميركي في العام. وعلاوة على ذلك، تكون هناك فرص عمل عظيمة عند العودة إلى الوطن بعد استكمال التعليم في الهند، ويقوم الطلاب أيضا بتأسيس شركات تجارية صغيرة هنا في الهند، كما يقيم البعض اعتمادا على تصاريح العمل.

وأضاف علي أن السمعة التي تتمتع بها الهند - بوصفها تضم قطاع تعليم عال متطورا وعتيقا في نفس الوقت - كانت من العوامل التي تستقطب الطلاب.

وعلاوة على ذلك، تعتبر المنح التي تقدمها الحكومة الهندية للطلاب الأفارقة من الأمور المساعدة على تطوير تلك التجربة الجيدة للغاية لضمان استقطاب الطلاب الأجانب.

وتوفر حكومة الهند - عن طريق المجلس الهندي للعلاقات الثقافية - منحا للطلاب الأفارقة كل عام، ويمكن للطلاب الطامحين أن يستفسروا عن تلك العروض من السفارة الهندية في بلادهم أو من خلال الموقع الإلكتروني للمجلس الهندي للعلاقات الثقافية. ويشعر رحمة الله حسين، المولود في السودان والذي يرتدي زيا فضفاضا وله لحية وشارب، بالراحة التامة كما لو كان في موطنه. ويدرس حسين دورة الصيدلة في جامعة أميتي في ضواحي دلهي.

ويوضح حسين قائلا «أريد تأسيس صيدلية عندما أعود إلى دياري بحيث تشتمل على مزيج بين النظام الطبي التقليدي والحديث. وبناء على ذلك، فقد اخترت الهند لأن هناك جيلين من عائلتي قد درسوا بالفعل في هذا البلد الذي يعد مثل موطني الثاني».

ويدرس عباس خليل، من مصر، دورة لغة إنجليزية في جامعة جواهر لال نهرو. واختار خليل الهند لأن والده يدير شركة للفاكهة المجففة المستوردة من كشمير. وقال خليل «إنني أسعى للحفاظ على النشاط التجاري، وكذلك استكمال مجالي التعليمي. تعتبر الهند من الدول القوية على المستوى الأكاديمي، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، وهو ما يختلف عما عليه الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

وفي الهند، تعد اللغة الإنجليزية هي اللغة الثانية المنطوقة هناك. ولذلك، فإن المدرسين هنا لديهم فهم أفضل لما يتعلق باللغة.

وعلى مسافة ليست بعيدة من هذا المكان، نجد أحد المطاعم الأفريقية في دلهي، حيث يدير المطعم جاك أوغبونا، من نيجيريا. ومن بين الأشياء التي يقدمها المطعم حساء لحوم الماعز النيجري وجراد البحر المدخن ولسان الحَمَل المطهو بزيت النخيل. ويقول أوغبونا «أردنا تأسيس مكان يمكن أن يعبر عنا وينتمي إلينا، حيث يمكن لأي أفريقي أن يمشي في هذا المكان ليشعر بأنه في موطنه». ويسعى أوغبونا أيضا للحصول على شهادته في دلهي.

وبالإضافة إلى ذلك، درس انامبرا تصاميم الموضة في معهد التكنولوجيا الخاصة بالموضة في دلهي وفاز بجائزة أفضل طالب دولي، وأنشأ متجرا للملابس في دلهي. ويقول انامبرا «أخطط لقضاء السنوات الخمسين المقبلة - على الأقل - في الهند».

وخلال السنوات الأخيرة، اشتهرت دورات التعليم عن بعد - التي تقدمها المؤسسات الهندية - وصارت معروفة في أفريقيا، حيث تقوم الكثير من الجامعات الخاصة والحكومية بتقديم عروض لتلك الدورات من خلال الوسائل الصوتية والمقاطع المصورة وعقد المؤتمرات عن بعد عبر شبكة الإنترنت.

ويقول بالاكريشنا، البروفيسور البارز بكلية علوم الكومبيوتر في المعهد الهندي للتكنولوجيا بدلهي: «يقدم المعهد دورات تدريسية من خلال الاتصال المرئي والصوتي. ويطرح الطلاب أسئلتهم ونجيب نحن عليهم عندما نكون جالسين هنا في معهدنا».