«الرسوب المدرسي».. ظاهرة مجتمعية لها ظروفها وتداعياتها في لبنان

يعوق التقدم في العملية التربوية والتعليمية

تلاميذ في أحد الفصول الدراسية في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

«إذا عرفنا كيف فشلنا نفهم كيف ننجح»، هكذا يقول الكاتب والصحافي الأميركي إرنست همنغواي، وما أحوج تطبيق هذا القول في عالم التربية والتعليم.

وإذا كان التوظيف المتقن للموارد البشرية يؤتي ثماره مضاعفة ويؤدّي إلى عائدات اقتصادية مستدامة، فإنّ الهدر التعليمي المتمثل في التسرب والرسوب، يعد من المشكلات المعرقلة لكفاءة النظام التربوي ويبدّد الجهود المبذولة لتطويره ما يسبّب ضياع الجهد والوقت والمال، وينعكس أثره السلبي على الفرد والمجتمع وعلى التنمية بكل وجوهها.

وفي لبنان يعد الرسوب المدرسي مشكلة يعاني منها الكثير من التلاميذ حيث يقبعون على مقاعدهم الدراسية ذاتها لسنتين متتاليتين أو ثلاث.

وتفيد النشرة الإحصائية الصادرة عن دائرة الإحصاء في «المركز التربوي للبحوث والإنماء» للعام الدراسي 2012 - 2013 أن عدد المعيدين للمراحل الدراسية كافة بلغ 70749 تلميذا من أصل 975695 تلميذا أي بنسبة 16.5 في المائة كرسوب لأول مرة و0.1 في المائة كرسوب لأكثر من مرة.

وتقول شارلوت حنا، رئيسة وحدة التخطيط في مكتب البحوث التربوية التابع للمركز التربوي للبحوث والإنماء، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «من المفترض عدم حصول رسوب، لأنه يسبب هدرا على مستويات عدة لا سيما على المستوى الاقتصادي، فمثلا التلميذ الواحد يكلف الدولة في المدرسة ما يقارب 1000 دولار أميركي سنويا، حيث يخصص له مقعد ومعلمة إضافة إلى إيجار المدرسة وما شابه».

وتتنوع أسباب الرسوب في لبنان، ولعل الأسباب الاجتماعية والاقتصادية هي الأبرز منها، حيث تدفع تغطية متطلبات الحياة الاقتصادية والمعيشية الأساسية، بالكثير من العائلات إلى الاستعانة بأطفالهم وزجهم في سوق العمالة ما يضعف المستوى التعلّمي عندهم.

ويضاف إلى هذه العوامل: «تفشي ظاهرة الطلاق وما تجلبه من مشكلات اجتماعية، والتعنيف الذي يتلقاه الولد أحيانا في المنزل، مع غياب الأهل ولجانهم عن متابعة أبنائهم في المدرسة».

كل ذلك يحدث في ظل غياب الرقابة القانونية، وهنا نسأل حنا: «ما الإجراءات التي تتخذها الدولة بحق الوالد الذي لا يرغب بإرسال ابنه أو ابنته إلى المدرسة؟»، مؤكدة أن بعض الإجراءات التنفيذية للقانون لم تتخذ حتى الآن.

وانتقالا إلى الواقع اللبناني ومشكلاته التربوية، نجد أنه يحمل آثارا كبيرة تركت بصماتها في رسوب التلميذ، لعلّ أبرزها تلك المتعلقة بمشكلات المناهج والإدارة التربوية وطرق التدريس، وإعداد الكادر التدريسي، إضافة إلى مشكلات التخطيط التربوي لهذا القطاع، ومستويات استجابته لحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن مشكلات توزيع الخدمات التربوية على مختلف المناطق.

أما ضعف مخصصات قطاع التربية والتعليم من الميزانية العامة، فيؤدي بدوره إلى ضعف الإنفاق على التعليم، ومع أنه لا علاقة للميزانية بالرسوب بشكل مباشر، إلا أنه لو كان لدى المركز ميزانية كبيرة لتمكن من إقامة برامج وتحرك في مجالات متعددة، من بينها تأهيل المعلمين بشكل أفضل وتعزيز البرامج وتحديثها، كما تشير حنا.

وبالعودة إلى النشرة الإحصائية نلاحظ أن نسبة المعيدين في الحلقة الأولى والثانية بلغت 19.9 في المائة وفي الحلقة الثالثة 25.2 في المائة بينما لم تتعدَ 7.6 في المائة في الثانوية و1.9 في المائة في مرحلة الروضة.

وترتفع نسبة الإعادة في لبنان كلما انتقلنا من صف إلى آخر، ويتميز الصف الرابع الأساسي بارتفاع نسبة الرسوب فيه إذ بلغ المعدل العام 14.5 في المائة سنة 2001 و15.4 في المائة سنة 2007 بينما تراوح بين 5.2 في المائة في الصف الأول و9 في المائة في الصف السادس.

وهذا ما دفع بعض المدارس الخاصة إلى عدم اعتماد «الترفيع الآلي»، فاليوم تراجع اعتماده في المدارس الرسمية من 92.8 في المائة في الصف الأول الأساسي إلى 81.2 في المائة للصف الرابع، بحسب إحصاءات تطور المؤشرات التربوية الصادرة عن المركز المذكور، وذلك لأنه أثبت فشله بعد أن زاد عدد الراسبين في المراحل المتتالية. وحول هذا «الترفيع» يرى الأب بطرس عازار الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان أنه «يجب أن يجري من خلال مبادئ ثابتة كالامتحان والعلامات التي تقررها إدارات المدارس مسبقا»، لافتا إلى أنّ المدارس «المحترمة» هي التي ترفض أن ترفّع تلميذا راسبا - من مرحلة الابتدائي إلى مرحلة الثانوي - حتّى ولو نجح في الامتحانات الرسمية.

وانطلاقا من ردود الفعل السلبية التي يولدها الرسوب خصوصا لدى الأهل، يدعو عازار هؤلاء إلى تحمّل المسؤولية ومواكبة أولادهم طيلة السنة الدراسية، تجنبا لحصول الرسوب في يونيو (حزيران).

بدورها تفرق المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية الدكتور كارول سعادة بين نوعين من المشكلات المدرسية:

الشقّ المتعلّق بمشكلات التعليم: حيث يعجز التلميذ عن استيعاب المواد المدرسية فيُعاني صعوبة في الانتباه أو التركيز، وهذا ما يسمى بالمشكلات التعليمية الخاصة ومنها اضطراب الذاكرة، أو صعوبات في الحفظ والقراءة، وأحيانا يكون الاضطراب خاصا جدا كعسر في القراءة أو عسر في الكتابة أو في مادّة الرياضيات.

أما الشق المُرتبط بسلوك التلميذ في المدرسة، فيظهر من خلال عجزه عن التعامل مع أصدقائه وهذا يتجلّى في تصرّفاته العدائية معهم، أو في فرط النشاط لديه، أو ربما في «الفوبيا» من المدرسة.

ولعلّ أبرز المشكلات النفسية تلك التي تؤدي بالتلميذ إلى الانزواء والتقوقع، خصوصا أنّه يكتسب صفة «الفاشل» بنظر أصدقائه، وفي ذلك تشدد حنا على أن «بعض التلاميذ يحتاجون إلى معالجين مختصين بسبب صعوباتهم التعليمية ومنهم من لديه (هيجان طلابي) وهذا لا يمكن ضبطه».

وتكشف حنا أن بعض الحالات الخاصة تتطلب معالجة خاصة من الأستاذ والتعديل في استراتيجيته، وهذا ما بدأ المركز في العمل عليه في الآونة الأخيرة.

في الختام، ومع أنّ نسب الرسوب ليست ثابتة إلا أنّ المركز التربوي باشر بتحديث المناهج من جهة وبتطبيق خطة «التعليم للجميع» بمن فيهم المتسربون، حيث تأمل حنا بصدور الآليات التنفيذية للقانون، لتبدأ معه المعالجة الحقيقية والفعلية.