كتاب يدافع عن المدارس الحكومية الأميركية

جمع 50 خرافة وكذبة عن العملية التعليمية في الولايات المتحدة

غلاف الكتاب
TT

في الوقت الذي يزداد فيه نقد المدارس الحكومية في الولايات المتحدة وفي دول أخرى، وفي الوقت الذي زادت فيه المدارس الخاصة، وعلى رأسها المدارس الاستثمارية التي تركز على الربح سواء في أميركا أو أغلب دول العالم، صدر هذا الكتاب بصفته واحدا من آراء كثيرة وقوية، تدافع عن المدارس الحكومية.

صدر الكتاب الشهر الماضي، تحت عنوان: «خمسون خرافة وكذبة تهدد المدارس الحكومية في الولايات المتحدة». وكتبه ديفيد بيرلنار، الذي يعد أحد أهم المدافعين عن المدارس الحكومية. ومن كتبه السابقة أيضا: «خرافات مصطنعة ضد التعليم الحكومي»، و«كيف تهدد الامتحانات المتشددة النظام التعليمي في الولايات المتحدة»، و«استراتيجيات التواصل بين الأستاذ والتلاميذ»، وهي الكتب التي شاركه في تأليف بعضها مدافع آخر مشهور عن التعليم الحكومي، هو جين غلاس.

وتساهم فصول الكتاب في إثارة وإثراء مناقشات حية وتفكير انتقادي، سواء حول فصول المدارس أو في اجتماعات المدرسين أو الإداريين. ويمتد ذلك التأثير بداية من عناوين الفصول، والتي كان من بينها: «خرافات وأكاذيب عما هي المدارس الأحسن. هل هي: العامة أو الخاصة أو المدعومة، أو التي في فنلندا؟». و«خرافات وأكاذيب عن تقصير المدرسين، بل مهنة التدريس. لأن المدرسين هم كل شيء، لهذا ننتقدهم وننتقد نقاباتهم واتحاداتهم». وفصل ثالث بعنوان: «خرافات وأكاذيب عن وسائل رفع مستوى التعليم في الولايات المتحدة. ليس حجم الفصل هو السبب»، أو ذلك بعنوان «خرافات وأكاذيب عن رواتب المدرسين. كل المدرسين متساوون، لكن بعضهم أكثر مساواة من غيرهم»، وغيره «خرافات وأكاذيب عن تأهيل التلاميذ للجامعات. التركيز على الابتدائيات والثانويات هو الأساس».

وتقول مقدمة الكتاب إن صورة التعليم العام (من روضة الأطفال إلى الجامعة) تبدو مشوهة في أذهان كثير من الأميركيين. ويتضمن ذلك «التشوه» أنها أقل مرتبة من المدارس الخاصة، ومن بين الأسوأ في العالم في الرياضيات والعلوم، ويجب فصل المعلمين إذا لم يسجل طلابهم مستويات عالية في المتوسط الاختباري الوطني. وفي تحليل صلب وموثق، يضيف الكتاب نكهة ترفيهية وفكاهية. ومنها اسم وعناوين الفصول: «خرافات وأكاذيب». ويقصد الكتاب أن هناك آراء لا تصدق عن التعليم الحكومي عند بعض الناس. ثم يسهب في الحديث عن أن السبب الرئيس وراء ذلك هو «مصالح سياسية واقتصادية وثقافية تستفيد من تدمير المدارس الحكومية. وتشجع وتمول مجموعات ومنظمات. وتثير وسائل الإعلام. وتحرف الحقائق عمدا». ويشمل الكتاب ردودا مركزة على كل نقطة من هذه النقاط. ويشير الكتاب إلى أن التعليم الحكومي ليس الأول في تاريخ التعليم، وأن أول تعليم كان تعليما خاصا، حتى جاء التطور الحضاري وجرى التركيز على التعليم، خصوصا في الدول الأوروبية (بعد حركات الإصلاح الديني، وتطوير الديمقراطية، والتنوير الثقافي).

وقال الكتاب: «تظل المدارس الحكومية جزءا من فلسفة حضارية عريقة. هذه هي فلسفة «سوشيال كونتراكت» (العقد الاجتماعي): يجتمع الناس، ويؤسسون حكومة، ويدفعون لها ضرائب.. ومقابل ذلك، تدير هي (أو تشرف على) شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية». كما يشير إلى أن التعليم بدأ في الولايات المتحدة من خلال كنائس المهاجرين الأوائل، ثم تحولت هذه إلى مؤسسات حكومية. وأن وراء ذلك أكثر من سبب، من بينها: أولا، عجز عدد من الكنائس عن توسيع تعليمها. ثانيا، فصل الدستور للدين والدولة. ثالثا، تعدد الانتماءات الدينية. رابعا، الحاجة إلى مؤسسات وطنية قوية.

وحسب الكتاب، تطبق الولايات المتحدة مصطلح «مدرسة خاصة» على أي مدرسة لا تدار ولا تمول من قبل الحكومة الاتحادية أو الولائية أو المحلية، بالمقارنة مع مصطلح «مدرسة عامة» وتديرها الحكومة. وهناك مصطلح ثالث هو «جارتار سكولز»، وهي مدارس خاصة تمولها الحكومة.

وحسب القوانين الأميركية، لا تتقيد المدارس الخاصة بأغلبية الأنظمة التعليمية الحكومية. وتميل إلى اتباع روح اللوائح التعليمية بهدف توفير مستوى من التعليم مساو أو أفضل للمستوى المتوفر في المدارس العامة.

وبينما بدأت المدارس في الولايات المتحدة على أيد المهاجرين البروتستانت، وهم الذين أسسوا مع استقلال الولايات المتحدة في عام 1776 المدارس الحكومية، يعود تاريخ المدارس الخاصة إلى الكنائس الكاثوليكية. وذلك بسبب تذمر هذه الأخيرة من أن التعليم العام يسير حسب فلسفات مسيحية بروتستانتينية.

وتعود جذور المدارس الحكومية إلى القرن الـ18، بينما تعود جذور المدارس الخاصة الكاثوليكية إلى القرن الـ19.. لكن في منتصف القرن العشرين، بدا حتى غير الكاثوليك حملات نقد ضد المدارس الحكومية. ورغم أن أغلبية هذه الحملات، كما يركز الكتاب، تدفعها أفكار رأسمالية وأطماع ربحية، يوجد نقد حقيقي لمستوى المدارس الحكومية.

ويوجد أكثر من نوع من النقد، منها ما يتعلق بسبب الاختلاف بين دعاة نظرية الخلق (الدينية)، ونظرية التطور (العلمانية). وثانيا، بسبب الثورة الزنجية ومطالبة الزنوج بالمساواة (خاصة في المدارس). ونفور عدد غير قليل من البيض من مدارس السود، والمدارس التي فيها تلاميذ وتلميذات سود. وثالثا، بسبب الثورة النسائية، ومطالبة النساء بالمساواة أيضا. ونفور البعض (بيضا وسودا) من الاختلاط الكامل في المدارس، وأيضا في مجال الرياضة البدنية والفنون.

وبعد قرار من المحكمة العليا الأميركية (التي تفسر الدستور) عام 1954 في قضية شهيرة تحت مسمى «براون ضد مجلس التعليم في توبيكا، ولاية كنساس»، وهو القرار الذي ألغى الفصل العنصري في مدارس الولايات المتحدة «بكل سرعة متعمدة»، نظم بعض البيض «أكاديميات مسيحية» خاصة في كثير من ولايات الجنوب. وهكذا، هاجر كثير من الطلاب البيض إلى هذه الأكاديميات.

ويعود الكتاب إلى الانتقادات ضد المدارس الحكومية، ويقول إن الذين ينتقدونها إما يفعلون ذلك بدافع الربح (من قبل الشركات التعليمية)، أو بدافع عدم الرضا (من قبل الأغلبية البيضاء) عن جلوس أولادهم وبناتهم مع أولاد وبنات الأقليات.. وفي الحالتين - وغيرهما - يرى الكتاب أن الدوافع لكل هذا ليست إلا «خرافات وأكاذيب».