الاختصاصات البترولية تشق طريقها في الجامعات اللبنانية

بعد توقعات باستخراج النفط في 2019

الجامعة الأميركية في بيروت السباقة في إطلاق الهندسة البترولية («الشرق الأوسط»)
TT

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، في الأوساط الجامعية والأكاديمية في لبنان، عن اختصاصات جديدة بدأت تطل في عدد من الكليات الجامعية، انسجاما مع المعطيات الواعدة بمستقبل نفطي زاهر، بعد تأكيد وجود ثروة بترولية وغازية قبالة السواحل اللبنانية. وصارت عناوين جديدة لاختصاصات على غرار «جيولوجيا نفطية» و«هندسة كيميائية» و«هندسة بترولية» و«ماجستير في الغاز والبترول» في طور تأهيل خريجين جدد تحتاج إليهم سوق العمل «المستجدة».

وتعد الجامعة الأميركية في بيروت السباقة في هذا الإطار، بعد إطلاقها «دائرة الهندسة الكيميائية» منذ أربع سنوات، فيما بدأ عدد من الجامعات الخاصة بتقديم طلبات لفتح هذا النوع من الاختصاصات، منها ما هو قيد الدرس ومنها ما جرى البت به. بدورها طرحت الجامعة اللبنانية اختصاصين جديدين، أحدهما في كلية العلوم والثاني في الهندسة. وهو إجازة في «الجيولوجيا البترولية» على أن تستتبع بشهادة الماجستير.

ويقول عميد كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية البروفسور رفيق يونس في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في مكتبه: «باشرنا منذ بداية هذا العام بتدريس كل المواد المرتبطة بالاختصاص، وبإعداد المختبرات والبحث عن الطاقات البشرية. نعمل على تخريج الدفعة الأولى بعد ثلاث سنوات، بعدها سيصبح لدينا نحو 50 متخرجا من الفروع الثلاثة كل عام. وهذا معقول نسبيا».

ويضيف يونس: «اليوم لدينا 30 طالبا في كليتي الهندسة في طرابلس وبيروت، فيما استقطبنا ستة من الأساتذة الأكفاء، في ظل تشجيع من رئيس الجامعة ودعمه على مستوى الأساتذة والمختبرات والحاجات المادية. كما تلقينا دعما من مؤسسة الوليد بن طلال ومن بعض الجامعات الأوروبية التي تنصحنا كيف لبرامجنا أن تكون سليمة».

أما الجامعة الأميركية في بيروت، فأطلقت برنامج «الهندسة البترولية» ابتداء من العام الدراسي الحالي، بعد العمل على وضع منهاجه منذ فترة. ويميز الدكتور محمد أحمد، رئيس دائرة الهندسة الكيميائية في الجامعة الأميركية، بين اختصاصي «الدراسات النفطية» و«الهندسة الكيميائية»، قائلا إن خريجي الأول يبرز دورهم في المرحلة الاستكشافية لحقول النفط والغاز، فيما يعد الثاني مجالا هندسيا بحتا، حيث يصمم المتخصصون به ويضعون أسس عملية معالجة النفط الخام لمنتجات كثيرة، كالفيول والأوكتان والديزيل وغيرها. كذلك فهم معنيون بعملية تخزين هذه المواد التي تحتاج لشروط معينة للحفاظ على نوعيتها وجودتها. وأيضا يعملون على تشغيل المصفاة إلى جانب المهندسين الإلكترونيين والميكانيكيين.

وفي هذا القطاع، هناك المهندس البترولي الذي يلعب الدور الأساس في تصميم ووضع أسس التنقيب واستخراج النفط الخام أو الغاز ليتمكن الآخرون من معالجته لاحقا. وانطلاقا من أهمية الاختصاصات، باشرت كثير من الجامعات بتأهيل وتخريج المهندسين ذوي الكفاءة العالية جدا، القادرين على المساهمة في استخراج وتسويق نفط لبنان وتسليط الضوء عليه، عبر التدرب والتعلم على تقنيات الاستكشاف والإنتاج والإدارة.

وهي تخصصات تكفل لطلابها دخول سوق العمل اللبنانية والخليجية في السنوات الست المقبلة، في ظل حركة إنتاجية وطلب شركات البترول لموظفين.

«هندسة البترول» تخصص جديد في لبنان استحدثته جامعة بيروت العربية في كلية الهندسة - فرع الدبية (جنوب بيروت)، ولتحقيق هذا الأمر، قامت لجنة متخصصة من أساتذة في كليتي الهندسة والعلوم في الجامعة بالتعاون مع خبراء أجانب، بوضع هيكلة للبرنامج الأكاديمي لهذا الاختصاص، والذي تستغرق دراسته خمس سنوات.

ويشرح عميد كلية الهندسة في الجامعة الدكتور عادل أحمد الكردي أن «مواد هذا البرنامج تدرس باللغة الإنجليزية، وهو عبارة عن 150 وحدة اعتماد (Credits)، ويجري فيه طرح مجموعة من المواد الدراسية التي تصب في إعداد مهندسين يتعاملون مع مجالي الحفر والتنقيب لاستخراج النفط والغاز وإنتاجهما».

واللافت في هذا التخصص أن نسبة 10 في المائة ستضاف على تكلفة الاعتمادات، مقارنة بالتخصصات الهندسية الأخرى. ومرد ذلك، وفق الكردي، تكلفة المعامل المجهزة على المستوى المطلوب، خصوصا تكلفة البرنامج الخاص الذي يستخدمه كل طالب على الكومبيوتر الخاص به.

ويستوعب هذا البرنامج 50 طالبا في السنة كحد أقصى، واعتمدت الجامعة معايير محددة لاختيار الطلاب و«على أساسها اخترنا 47 طالبا للسنة الأولى تبعا لإمكانات المعامل، بما فيها الأعمال التطبيقية والمختبرات التدريسية المتوافرة في فرع الدبية»، بحسب الكردي.

ومن العوامل المشجعة للجامعات للمضي قدما في هذا التخصص، ما سبق وأكده وزير الطاقة والمياه اللبناني السابق جبران باسيل أن العقود التي جرى توقيعها توجب على الشركات أن يكون «80 في المائة من اليد العاملة هم من اللبنانيين». وبحسب باسيل، فإن «ذلك يشكل تحديا كبيرا أمامنا جميعا»، مقدرا «أننا مطالبين بتأييده، لأن الشركات ستلتزم به، ولكن شرط إمكانية لبنان تأمين القدرات البشرية ليس فقط على المستوى الجامعي، إنما على المستوى التقني والفني أيضا».

بدورها أطلقت جامعة القديس يوسف في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي «الماستر (الماجستير) في استكتشاف وإنتاج وإدارة النفط والغاز»، وهو برنامج تطلب تحضيره سنتين من العمل الدءوب مع شركات أجنبية رائدة من بينها «توتال». ويشير عميد كلية الهندسة في الجامعة الدكتور فادي جعارة إلى أن البرنامج مقسم إلى أربعة فصول، يتناول كل المواد العلمية الأساسية وتقنيات الاستشكاف والمسح الزلزالي، مرورا بتقنيات وتطوير الآبار والحقول النفطية، وانتهاء بالتقنيات المتطورة لإدارة القطاع من الناحية الاقتصادية والمالية والتسويقية والبيئية. وأوضح أن «كل ذلك بهدف إنتاج جيل شاب من المهندسين، يرقى إلى مرتبات متقدمة في تقنيات النفط والغاز».

ويرى رئيس الهيئة الناظمة للبترول، الدكتور ناصر حطيط، أنه في حال جرى توقيع الاتفاقيات على إنتاج النفط مع الشركات المنقبة في فصل الصيف المقبل، سيجري البدء في استخراج الغاز عام 2020، والنفط قبل ذلك بسنة. لافتا إلى أنه «مقابل كل مهندس في هذه الصناعة، نحن بحاجة إلى خمسة إلى سبعة تقنيين أو فنيين، وهؤلاء نفتقدهم بشدة.. ومنهم مثلا من يقوم بأعمال اللحام تحت الأرض، ويتقاضى يوميا 3000 دولار».