مدرسة قبريخا الرسمية في لبنان.. من الملاحظة إلى الاكتشاف

محاولات لبناء مدرسة نموذجية رسالتها البيئة

بعض التلاميذ يستعدون لدرس بيئي عن أشجار متعددة الأصناف في ملعب المدرسة
TT

عند مباشرتهم بتحضير الأغراض اللازمة للنزهة، سأل سامر أهله إن كانوا قد جهّزوا أكياسا للنفايات معهم، وهو يطمئن أيضا إلى أن نار الشواء قد أطفئت جيدا بعد كل غداء في الطبيعة تخرج إليه عائلته. سامر؛ كزملائه من تلامذة المدرسة الرسمية في بلدة قبريخا (جنوب لبنان)، صار يرى نفسه معنيا بموضوع المحافظة على البيئة، بعد أن أولت مدرسته اهتماما فائقا بالموضوع.

استطاعت هذه المدرسة الواقعة في قضاء مرجعيون أن تخرج بطلابها عن الطريقة التقليدية في التعليم، فانتقلت بهم من عالم تلقين الدروس إلى عالم الاكتشاف والملاحظة، فضلا عن إيلائها موضوع البيئة عناية مميزة قولا وتطبيقا، في محاولة لتشكيل مدرسة نموذجية، على رأس أولوياتها قضايا البيئة.. وصار تلامذتها لهم حساسية خاصة تجاه هذه المواضيع تحديدا.

وتقول الأستاذة مها، وهي مدرسة علوم وأنشطة، لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في إدارة المدرسة «نحن لا نكتفي بالدروس التي ينص عليها الكتاب، بل نتوسع في أفكارنا من خلال الإنترنت، وكتب أخرى مختلفة عن منهاج الدولة. مثلا توسعنا في فكرة صيد الطيور، وشرحنا كيف أن كثرة الصيد تؤدي إلى انقراضها، وأوضحنا النتائج السلبية المترتبة على ذلك». وبالطبع الأنشطة لا تتوقف هنا، بل تنظم المدرسة بشكل دوري محاضرات عن المخدرات، وعن المعاقين، وعن كيفية المحافظة على النظافة، وكيف يكون سلوك الطلاب حسنا مع أهلهم ومع الناس والمجتمع.

أما مدير المدرسة حسين الراعي، فبات معروفا بين المعلمين والمعلمات بتشجيعه المستمر على السير في كل ما فيه منفعة للطلاب، وبتأمينه كل ما يتطلبه هذا التوجه؛ لكن ضمن الإمكانيات المحدودة للمدرسة. ويوضح الراعي أن «المدرسة كانت مقفلة بسبب القصف الإسرائيلي عامي 1983 و1984، لكننا أعدنا فتح أبوابها في العام الدراسي 2002 - 2003 بوجود 15 تلميذا فقط، وبدأنا بإضافة صف كل عام إلى أن وصلنا إلى 385 تلميذا هذه السنة. هذه الجهود أثمرت عن تقدم أول دفعة للشهادة المتوسطة (البريفة) بعشرة طلاب، فيما وصل عدد المعلمين والمعلمات إلى 27، والصفوف إلى 25 صفا. أما اللغة المعتمدة فهي الإنجليزية بدلا من الفرنسية».

ويعود الإقبال على المدرسة إلى مستواها التعليمي والأكاديمي، فضلا عن اهتمامها بالمواضيع البيئية، لا سيما تلك المرتبطة بحياة الطلاب وبيئتهم. فصارت بالنسبة لهم واقعا معيشا كما يؤكد الأستاذ محمد، ناظر المدرسة، قائلا «أصبح طلابي يفرحون عندما أطلب منهم جلب وعاء معهم وبداخله نبتة لها جذور، وباتوا يدركون أن النباتات بحاجة إلى الشمس لتنمو، والشرفة عندنا كبيرة لإجراء هذه التجارب البسيطة». ومن هذه التجارب أنه ذات يوم جلب كل منهم عبوة، وقام بفتح الغطاء فتحة صغيرة وفقا لمبدأ التقطير. واليوم فإن أي تلميذ تسأله كيف تكون طريقة ري النباتات؟ يجيبك «بالتقطير وبانتظام».

واللافت أن أهل أغلبية الطلاب هم من موظفي القطاع العام، وذلك لثقتهم بالمستوى التربوي المميز لهذه المدرسة، ولإيمانهم بتكامله مع المستوى التعليمي. وفي هذا السياق تشدد أديل، أستاذة الاجتماعيات للحلقتين الأولى والثانية «لاحظنا أن طلاب الصف السادس يشربون النرجيلة ويدخنون، فرحنا ننصحهم ونعلمهم كيفية الخروج من هذه العادة السيئة حتى نخلق لديهم قناعة لتتحول لاحقا إلى مبدأ؛ ومن ثم إلى إيمان راسخ».

بدورها، توضح المعلمة فاطمة، أستاذة علم الأحياء «نتكلم عن التلوث البيئي وانعكاسه على حياة الإنسان وأسبابه، وكيف يمكن لنا أن نخفف منه»، لافتة إلى أنها تشرح لهم مثلا التلوث الناتج عن الغازات المنبعثة من السيارات والمعامل، ومدى تأثيرها على صحة الإنسان وعلى النباتات وعلى كل شيء من حولنا. حتى صارت لديهم قناعة بضرورة استعمال «فلتر» (مرشح) للسيارات والمصانع. وفي السياق نفسه، تهتم المدرسة بالأنشطة البيئية التي تدعم برنامجها، وتجعل من التلميذ شريكا فعالا في الحفاظ على البيئة، حيث تعاونت مع جمعيات ومع اتحاد بلديات جبل عامل لإقامة حملة تشجير المدرسة. ومنذ مدة قصيرة جرى زرع نحو 30 شجرة من مختلف الأصناف. وفي خطوة أخرى، تزرع 18 شجرة فيكوس، وقد لاقت هذه الخطوات استحسانا لما أضافته من جمالية للمدرسة وتحسين البيئة. وعلى الرغم من أن المدرسة تفتقر إلى مختبر كي تشرح لطلابها الدروس، فإنها استطاعت أن توسّع آفاقهم عبر جهود شخصية جبارة يقوم بها الأساتذة والقيمون على المدرسة.

وبالعودة إلى بداية الفكرة، يشرح مدير المدرسة الراعي قائلا «قررنا منذ عدة سنوات إقامة نشاطات بيئية ريادية، ورفعت كتابا بهذا الخصوص إلى الجهات الإدارية المختصة؛ يتضمن مجموعة من العناوين، منها مشروع بيئي، ورحلات بيئية للتلامذة، وشتل زراعية ضمن الملعب، ومحاضرات بيئية». ويختم أنه «في العام الماضي أقمنا مشتلا للزعتر، وبعد نمو الشتلات أعطينا كل تلميذ شتلة وطلبنا منه أن يزرعها في حديقة منزله. فيما أمن لنا الشتلات اتحاد بلديات جبل عامل». وتجدر الإشارة إلى أن الراعي كان بدوره طالبا على مقاعد هذه المدرسة وتخرج فيها في عام 1979.