أميركا: هل يصبح خريجو الجامعات «المتفوقون» أساتذة متميزين؟

أفضل طريقة لاختيار متفوق هي الزج به في وظيفة عالية المخاطر

TT

كتب ماثيو دي كارلو، زميل رفيع المستوى بمعهد «ألبرت شانكر» غير الهادف للربح، الكائن في واشنطن. وظهرت هذه الرسالة في البداية على مدونة المعهد. ويتمثل طرف النقاش حول العملية التعليمية في الرغبة في جذب «أفراد أكثر كفاءة» للعمل بمهنة التدريس. وبينما يشمل هذا بالطبع احتمالية استخدام هذه السياسة في جذب المتنقلين بين الوظائف المختلفة، ينصب معظم التركيز على جذب مرشحين «متفوقين» تخرجوا لتوهم في الجامعة. ويتمثل المقياس الشائع المستخدم في تحديد هؤلاء المرشحين «المتفوقين» في خصائصهم ما قبل الخدمة (خاصة في مرحلة الدراسة بالكلية) وأدائهم. في الأغلب الأعم، يطالب الناس بجذب أساتذة من «الثلاثة الأوائل» بفصول الخارجين، وهي نتيجة عادة ما ينظر إليها باعتبارها النمط المعتاد في الدول عالية الأداء مثل فنلندا. والآن، من الجدير بالذكر أن «جذب مرشحين أفضل»، تماما مثل «تحسين كفاءة المدرس»، هو أحد أهداف السياسة التعليمية، وليس مقترحا بعينه يدخل في إطار السياسة التعليمية، إنه يخبرنا عمَّا نحتاجه، وليس عن كيفية تحقيقه. ولا تزال كيفية جعل وظيفة التدريس أكثر جاذبية بالنسبة للمرشحين «المتفوقين» سؤالا مفتوحا لم تقدَّم له إجابة له بعد (تماما كسؤال آخر مكافئ له في الأهمية، ألا وهو كيفية تحسين أداء المدرسين الحاليين).

وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج لامتلاك فكرة عن المرشحين المتميزين الذين نسعى إليهم. من هؤلاء المرشحون «المتميزون»؟ وماذا يريدون؟ في بعض الأحيان، يحدوني قلق من أن مفهومنا لهذه المجموعة – فيما يتعلق بمستوى «الثلاثة الأوائل» وتفسيرات أخرى مماثلة – لا يتوافق مع الأدلة، وأن هذا المفهوم الخاطئ ربما يكون في حقيقته مضللا لنا، بدلا من أن يساعدنا في تركيز مناقشاتنا عن السياسة التعليمية.

ما الذي أعنيه؟ بالأساس، لم أرَ دليلا مقنعا يفيد بأن خريجي الجامعات «الأوائل» يصلون إلى مستوى أعلى من الكفاءة بشكل أسرع من أقرانهم. بالطبع، تعتبر أدلتنا في هذا المجال مقصورة على النتائج المعتمدة على الاختبارات، مثل التحليلات للعلاقة بين خصائص ما قبل الخدمة القابلة للقياس (على سبيل المثال، المتوسط التراكمي للدرجات وتميز الجامعات التي درسوا بها) وكفاءتهم المعتمدة على الاختبارات عند دخولهم حجرة الدراسة.

على سبيل المثال، هناك دليل ضعيف على أن تدريب الطلاب الذين لم يتخرجوا بعدُ مرتبط بالأداء المستقبلي. وتم التوصل إلى الاستنتاج نفسه في سياق هذا التحليل حول ما إذا كان المرشحون من الكليات المنتقاة بشكل أكثر تدقيقا لديهم قدرة أفضل على رفع مستوى درجات الطلاب في الاختبارات من غيرهم.

هناك، كما هو الحال دائما، استثناءات محدودة. وأثبت تحليلان أن مجموع درجات اختبارات تأهيل المرشحين للعمل بوظيفة مدرسين ينبئ بمستوى كفاءتهم، في الوقت الذي لم تتوصل فيه تحليلات أخرى إلى النتيجة نفسها. وثمة بعض الأدلة الأخرى أيضا على أن المزج بين مقاييس الإلمام بالمحتوى والقدرة المعرفية والسمات الشخصية يلعب دورا مهما في التنبؤ بمستوى الكفاءة. (ثمة دراسة أُجريت مؤخرا حول مقاييس التطبيق الخاصة ببرنامج «تيتش فور أميركا» التعليمي).

أخيرا، في الوقت الذي توجد فيه بعض أوجه الخلاف بشأن مجموعة الأدلة التي تثبت فعالية أسلوب تحديد مستوى الكفاءة، الذي تنتهجه برامج تتبع معايير بالغة الدقة في الانتقاء، مثل برنامج «تيتش فور أميركا» (أو «تي إف إيه»)، التي تنتقي المتقدمين إليها من بين أوائل الطلاب من خريجي الجامعات، تكشف دراسات عالية الجودة عن أن المدرسين الملتحقين ببرنامج «تي إف إيه» عادة ما يكونون أكثر كفاءة بشكل محدود من أقرانهم فيما يتعلق بدرجات مادة الرياضيات ولكن ليس في اختبارات القراءة. لذلك، مع وجود كمٍّ كاف من الأبحاث في هذا المجال، إلا أن الاستنتاج العام هو أنه من الصعب جدا التنبؤ بمستوى كفاءة المعلمين اعتمادا على خصائص ما قبل الخدمة القابلة للقياس. وعند وجود أشكال من الارتباط، فإنها تكون متضاربة ومحدودة.

لذلك، علينا أن نكون حذرين عند تعريفنا «أفضل المرشحين» بمصطلحات مبسطة مثل «الطلاب الثلاثة الأوائل من خريجي الجامعات»؛ حيث إن الخصائص التي يحتمل أن تستخدم في المعتاد لتعريف هذه المجموعة لا تبدو مرتبطة بقوة بمفهوم «الفاعلية» (على الأقل عند قياسها بنتائج اختبارات الطلاب). إضافة إلى ذلك، إذا لم يتوافق المعلمون المرشحون الأكثر كفاءة بالضرورة مع هذا القالب (وتشير الأدلة إلى احتمال عدم توافقهم)، ربما نكون قد تخيرنا الوسيلة الخاطئة لتحقيق هدفنا.

على سبيل المثال، إذا نظرت من منظور «الثلاثة الأوائل من الخريجين»، ربما تعتقد أن أفضل وسيلة لاختيار المرشحين «المتميزين المتفوقين» وإدخالهم في مجال التدريس هي جعل الوظيفة تشبه إلى حد كبير القسم عالي المخاطر من القطاع الخاص الذي يقتحمه الكثير من هؤلاء الخريجين – المزيد من الشكوك والمخاطر والأرباح الأعلى والوظائف المليئة بالضغوط والأجهزة النقالة التي تمكن العاملين من التنقل بحرية. يبدو هذا هو الافتراض العام الذي يحرك مناقشاتنا حول العملية التعليمية، مع أن هذا الافتراض يدعمه عدد محدود من الأدلة التجريبية (على الرغم من أنه ليس من الواضح عدد الخريجين «المتفوقين» الذين تجذبهم فعليا البيئات عالية المخاطر التي تعتمد على المكافآت وعناصر التحفيز). وبشكل أكثر عموما، نظرا لحقيقة وجود أدلة محدودة على أنه بإمكاننا التنبؤ بمستوى كفاءة المعلم بالأساس، يبدو من التهور الافتراض مسبقا أن أفضل المرشحين المحتملين لديهم تفضيلات افتراضية بشأن الرواتب والحوافز وظروف العمل (أو، في هذا السياق، تكون سياسات التوظيف هي عامل تحفيز الأفراد الأكفاء للاتجاه إلى العمل في مهنة التدريس). ربما تجذب بيئة عمل عالية المخاطر والمكافآت «الثلاثة الأوائل» من خريجي الجامعات، وربما لا تجذبهم. غير أنه من المقبول تماما أن المرشحين الأكثر كفاءة للعمل بوظيفة التدريس (أيا كانوا) سينجذبون إلى بيئات العمل الأفضل أو الإعفاء من سداد القروض أو المزايا الجيدة.

لذلك، بينما أدعم تماما الجهد المبذول لتعيين مرشحين على مستوى عالٍ من الكفاءة للعمل بمهنة التدريس، أرى أن علينا أن نكون أكثر انتباها للطريقة التي نسعى من خلالها لاختيار هؤلاء المرشحين والعوامل التي يمكن أن تحفزهم أو تجذبهم للعمل بهذا المجال.

لا تعكس الآراء الموضحة هنا بالضرورة آراء معهد «ألبرت شانكر» أو موظفيه أو أعضاء مجلس إدارته أو أي كيان آخر أو مؤسسة أخرى وثيقة الصلة.

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»