عوامل نفسية واجتماعية وبيئية تقف خلف تسرب الطلاب من الجامعات

حملت مسؤوليتها المدرسة بالمقام الأول.. وطلاب المدارس الأهلية لهم نصيب الأسد منها

تشكل العوامل النفسية والبيئية والاجتماعية أسبابا لتسرب 10% من طلاب الجامعات السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

أرجع باحث متخصص في الشؤون النفسية والاجتماعية بالمرحلة الجامعية أسباب تسرب الطلاب الدارسين بالمرحلة الجامعية إلى عوامل نفسية واجتماعية يتعرض لها الطلاب خلال فترة دراستهم بالمرحلة الجامعية، خصوصا في السنة الدراسية الأولى، معتبرا أن تسرب الطلاب في تلك المرحلة لا يعود لأسباب تتعلق في المقام الأول بنظام الجامعة أو مدى صعوبة المناهج والمقررات التي يدرسها الطلاب بالجامعة.

وأوضح الدكتور أحمد الحريري الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من الناس يعتقدون أن تسرب الطلاب في المرحلة الجامعية يكون في مستويات أو سنوات متقدمة بتلك المرحلة، مشيرا إلى أن معظم حالات التسرب تلك تحدث للطلاب في السنة الأولى لهم بالجامعة.

جاء ذلك على خلفية محاضرة إرشادية نظمتها عمادة السنة التحضيرية بجامعة الملك سعود بالعاصمة السعودية الرياض بعنوان «مشكلات التكيف والحياة الجامعية»، مطلع العام الدراسي الجامعي الحالي.

وأكد الحريري أن تسرب الطلاب في الجامعة لا يعود في الأساس لصعوبة المناهج أو صعوبة النظام الجامعي أو لأسلوب الدراسة بها، مضيفا أنها تعود لأسباب وعوامل نفسية واجتماعية وبيئية تتعلق بالطالب وشخصيته.

وأبان الحريري أن العوامل النفسية، التي تلعب دورا في تسرب الطلاب من الجامعة، تأتي في مقدمتها صدمة الدخول في الجامعة والتعرف على المجتمع الجامعي، وطريقة التعامل في الجامعة، وكذلك طريقة الدراسة، موضحا أنها تختلف ما بين مرحلة التعليم العام ومرحلة الجامعة، لافتا إلى أن الطالب يقضي ما يقارب 12 سنة في الدراسة بمراحل التعليم العام، مما يجعله متعودا على الطرق الروتينية والرتيبة للعملية التعليمية والتربوية في تلك المرحلة.

وأشار الحريري إلى أن انتقال الطالب للدراسة بطريقة مختلفة تماما في المرحلة الجامعية عما كان عليه في مرحلة التعليم العام، يشكل لدى البعض صدمة نفسية قد تعيقه عن مواصلة تعليمه بالمرحلة الجامعية، لافتا إلى أن الطالب ينتقل من الفصل الدراسي إلى القاعة الدراسية، ومن مدرس المادة إلى دكتور ومحاضر، ومن حصة إلى محاضرة، مضيفا أن هذه المفاهيم، التي لم يتعود عليها الطالب، ولم يعها، قد تتسبب له بمفاجأة بالجامعة وقد تؤدي به إلى تسربه من هذه المرحلة التعليمية.

وشدد الحريري على أن مدارس المرحلة الثانوية، التي كانت تتبع النظام المطور وهو نظام شبيه إلى حد بعيد بنظام الدراسة الجامعية، طبقته وزارة التربية والتعليم في فترة ماضية، استطاع الطلاب المتخرجون فيه من الالتحاق بالمرحلة الجامعية دون أن يحدث لأي منهم تسرب من الجامعة.

وبحسب إحصائيات أعلن عنها الدكتور عبد العزيز العثمان عميد كلية السنة التحضيرية بجامعة الملك سعود بالرياض، فإن نسبة تسرب الطلاب في المرحلة الجامعية تمثل 10 في المائة من إجمالي الطلاب والطالبات الملتحقين بتلك المرحلة.

من جانب آخر يؤكد الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية أن العوامل الاجتماعية، التي تؤدي إلى تسرب الطلاب في المرحلة الجامعية، تعود إلى مجتمع المدرسة، الذي يختلف عن مجتمع الجامعة، مشيرا إلى أن مجتمع المدرسة مجتمع مغلق إلى حد كبير، ويعتمد على معرفة الطلاب بعضهم ببعض، بسبب بقائهم طوال العام الدراسي بكامله، لافتا إلى أن الطالب من خلال وجوده في ذلك المجتمع المغلق يتمكن من التعرف بشكل جيد على الهيئة التعليمية، بينما الأمر يختلف كليا في مجتمع الجامعة، الذي يعد مجتمعا مفتوحا.

ولمح الحريري إلى أن الطلاب متغيرون في كل فصل دراسي وفي كل مرحلة من مراحل التعليم الجامعي، وكذلك الهيئة التدريسية متغيرة على الدوام، بالإضافة لتنوع الأنشطة الطلابية بالجامعة، التي يرى فيها الحريري أنها تختلف اختلافا كليا ما بين المدرسة والجامعة.

وأبان الحريري أن الأنشطة في المدرسة تعتبر أنشطة محددة، بينما في المرحلة الجامعية هي أنشطة مفتوحة ومتنوعة.

ويبين الحريري أن العوامل البيئية مختلفة ما بين البيئة المدرسية والجامعية، التي يرى فيها أنها من العوامل التي تؤدي لتسرب الطلاب من المرحلة الجامعية، موضحا أن البيئة المدرسية تعد بيئة محددة المعالم، ومحدودة الإمكانيات والقدرات، بينما بيئة الجامعة تعتبر بيئة ذات قدرات وإمكانيات أكبر بكثير مما هي عليه بيئة المدرسة، بالإضافة إلى العدد الهائل من الدارسين في بيئة الجامعة.

وشدد الحريري على أن كافة تلك العوامل الثلاثة إذا لم يحضر لها الطالب في المرحلة الثانوية بشكل جيد، فإن فرصة تعرضه للتسرب من الدراسة في المرحلة الجامعية تكون واردة، وتشكل عليه خطرا في مواصلته لتعليمه العالي.

وأشار الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية إلى أن التسرب من قبل الطلاب الملتحقين بالدراسة الجامعية والقادمين من المدارس الأهلية، يعد أكبر مقارنة بالطلاب القادمين من المدارس الحكومية، ومضيفا أن خريجي المدارس الأهلية من الطلاب لهم النصيب الأكبر من تلك النسبة المقررة كنسبة تسرب الطلاب في المرحلة الجامعية، مرجعا السبب في ذلك لضعف الربط والضبط في المدارس الأهلية لطلابها.

ولفت الحريري إلى أن الطالب في المدرسة الأهلية لا يمارس عليه دور رقابي صارم، بينما في الجامعة يكون تحت طائلة العقاب بالحرمان في حالة الغياب المتكرر، وبنظام احتساب عدم الحضور في العشر دقائق الأولى من المحاضرة بأن الطالب يعد غائبا عن المحاضرة، مما قد يؤدي بالطالب إلى الانسحاب من الجامعة لعدم تعوده على هذا الجو من الانضباط والرقابة الصارمة.

وحول الحلول التي يراها تساعد في منع تسرب الطلاب في المرحلة الجامعية أو تخفض من نسبتها بين الطلاب، يؤكد الحريري أنها تكمن في تدريب وتأهيل الطلاب على الالتحاق بالجامعة، مشيرا إلى أنه عمل يجب أن تقوم به المدارس الأهلية والحكومية على حد سواء.

واقترح الحريري أن يكون هناك من قبل مدارس المرحلة الثانوية برامج زيارات وبرامج تعريفية للطلاب بالجامعة، لافتا إلى أهمية أن تتبنى الجامعة من قبلها كذلك وضمن خدماتها التي تقدمها للمجتمع المحلي، توفير زيارات لطلاب المرحلة الثانوية بالتعليم العام للجامعة، وذلك من خلال أنشطة معينة وبمشاركة الطلاب، ومشيرا إلى أهمية أن يشارك طلاب المرحلة الثانوية مع الطلاب الجامعيين ممن يدرسون في المستويات الثالثة والرابعة بالجامعة، لكي يتآلفوا مع الجو الجامعي، والنظام الدراسي المعمول به هناك، ولكي لا يفاجأ طلاب الثانوية به. وأفصح الدكتور أحمد الحريري الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية عن أن المسؤولية مشتركة ما بين الجامعة والمدرسة في تحمل تلك المسؤولية بتوعية وتثقيف الطلاب قبل انخراطهم في التعليم الجامعي، معتبرا أن دور