أكاديمي بريطاني: التكنولوجيا داخل الجامعات تجعلنا أكثر انشغالا

TT

لقد وفرت لنا أجهزة الكومبيوتر الوقت، لكن كيف استغللنا هذا الوقت؟ سؤال يطرحه جوناثان وولف.

في وقت ما، كان من الممكن أن يمضي أفراد السكرتارية بالقسم فترة العطلة الصيفية بأكملها في كتابة مؤلفات المعلمين.

كانت هناك حالة انبهار كبيرة في العام الذي بدأت فيه أحاضر في قسم الفلسفة. ليس بي، للأسف، وإنما بأننا حصلنا، للمرة الأولى، على جهاز كومبيوتر قابل للاستخدام في قسم الفلسفة. تم وضعه في حجرة علوية، وكنت أذهب للعمل في الساعة الثامنة صباحا لاستخدامه لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات، قبل وصول أي شخص.

مرت عدة سنوات قبل أن يصبح لدى كل منا جهاز الكومبيوتر خاصته. وبعد بضعة أسابيع، اختفت جميع هذه الأجهزة. وأوضحت إمكانات الحماية المزودة بها أجهزة الكومبيوتر أن أحد الأجهزة المختفية قد تم نقلها خلال نهاية الأسبوع في شاحنة «فورد ترانزيت» مستأجرة. لكن القسم الآن يمتلك بالفعل أشياء ثمينة تستحق السرقة، لذلك قامت الجامعة بتثبيت بعض الأقفال الصناعية. قمنا بشراء المزيد من أجهزة الكومبيوتر، وحاولنا مجددا، ومن خلال ذلك عرفنا وسائل جديدة يمكن أن تفسد من خلالها التكنولوجيا الحديثة مزاجك بشكل روتيني.

من الصعب العودة بالذاكرة إلى الحياة الأكاديمية قبل استخدام أجهزة الكومبيوتر. كنت هناك فقط كشاهد. واعتاد أساتذتي كتابة المسودات على كتبهم ومؤلفاتهم يدويا، بأقلام حبر غالية، مع أنها ملوثة، وكان أفراد سكرتارية القسم يعكفون على كتابتها على الكومبيوتر خلال فترة العطلة الصيفية. وكان يتعين على أفراد السكرتارية أيضا كتابة كل إحالات الطلاب والرسائل المهمة. ولم يكن الأمر يتعدى ذلك بالطبع.

وكل بضع سنوات، كان يتحقق انتصار في مجال الكومبيوتر. فقد وفر البريد الإلكتروني الوقت والعناء المرتبطين بكتابة الخطابات وطيها ووضعها داخل مظاريف. وتضع شبكة الإنترنت مصادر مكتبة مراجع كاملة على مكتبك. وفي السنوات الأخيرة، قلل انتشار المقالات الصحافية على شبكة الإنترنت الحاجة إلى التنقيب في الأرفف المتربة والوقوف في صفوف انتظار طويلة في أمام ماكينة تصوير المستندات.

ومثلما كانت نهاية الحرب الباردة تهدف إلى خلق «هدنة سلام»، علينا الآن أن نواجه «هدنة تكنولوجيا»، والتي تجسدت بوفرة في الوقت الذي خصصناه لأنفسنا. ولكن كيف استغللنا الوقت الذي ادخرناه؟

أسترجع قصة بذلت فيها الشخصية الرئيسية أقصى جهد ممكن من أجل ادخار الوقت، بحساب الثواني التي ادخرت. لكن في نهاية كل يوم، كان يكتشف، بشكل يبعث على الأسف، أن قدرا كبيرا من الوقت يهدر في المعتاد، مهما فعل.

ويوضح بيكيت النقطة بصورة مختلفة: «فلاديمير: أجل، هذا أضاع الوقت. استراغون: كان سيهدر الوقت بأي طريقة لا محالة».

طرحت ابتكارات تعد توفر الوقت، أو المال، أو تجعلنا نشعر بمزيد من الأمان أو الراحة. لكن، مثلما لاحظ زميلي جون أدامز، بجامعة كلية لندن، ربما يكون للابتكارات تأثير عكسي. على نحو سيئ، زعم أنه عندما تم طرح أحزمة الأمان، بات الناس يتحملون مزيدا من المخاطر أثناء القيادة. ويشير إلى أننا إذا أردنا بالفعل أمانا على الطرق أثناء القيادة، يجب أن نضع مسمارا مسننا وسط عجلة القيادة. بعدها، ستشاهد مسافة الفرملة.

لاحظ كارل ماركس شيئا مماثلا. فقد أشار إلى أنه في فترة بداية الثورة الصناعية في بريطانيا، قام فتى يعمل بأحد المصانع بإدخال تعديل على ماكينة يستخدمها بهدف إتمام عمله اليومي في ساعتين، وقضاء بقية الوقت في حالة كسل. وتأثر صاحب المصنع بذلك كثيرا إلى درجة أنه قام بإدخال تعديلات على جميع الماكينات بالمصنع، وضاعف أهداف زيادة الإنتاج.

ربما أكون أول من يشير إلى أنه بدلا من استغلال مزايا توفير الوقت التي تحققها تكنولوجيا المعلومات بتقليل ضغوط يوم العمل، وجدنا طرقا أخرى لشغل الوقت. والآن، نظرا لأنه أصبحت لدينا أجهزة كومبيوتر توظف التكنولوجيا المعقدة في إنتاج تأثيرات حية، بات بإمكان مديري الجامعات القيام بأعمال مهمة لم يكن لدينا وقت للقيام بها من قبل، مثل التحقق من أن كل عضو في القسم قد وقع على مستند يؤكد فيه على أنه يعرف أماكن مخارج الحريق / الطوارئ.

وكيف لي، كأكاديمي، أن أستفيد من الساعات والدقائق التي وفرتها بعدم الاحتياج إلى الذهاب للمكتبة في كل مرة أحتاج فيها إلى البحث عن مرجع؟ أحب أن أقول لكم إنني بدأت أستغل الوقت في التأمل بشكل أكثر عمقا. غير أنني في حقيقة الأمر ما زلت أبدأ كل رسالة بريد إلكتروني بعبارة: «آسف لبطئي في الرد، فقد كنت منشغلا جدا طوال الأيام الماضية».

*خدمة «نيويورك تايمز»