الإرشاد الطلابي في المدارس.. طبيب يداوي الناس وهو عليل

هل أضحى مهنة من لا مهنة له؟

عمل المرشدة الطلابية يتطلب تأهيلا علميا لا يقل عن الدرجة الجامعية في أحد التخصصات التربوية («الشرق الأوسط»)
TT

بيان سلطان، طالبة في آخر سنة بالمرحلة الثانوية توفيت والدتها قبل أربع سنوات في حادث أثر عليها نفسيا، لدرجة أنها انقطعت عن الدراسة لمدة عام، قالت لـ«الشرق الأوسط»: حينما علمت بوفاة والدتي، اسودت الدنيا في عيني، وفقدت الثقة في كل من حولي، في ظل عدم تصديقي لخبر وفاتها.

وتضيف: «علمت بوفاتها بعد عودتي من يوم دراسي، فكرهت كل شيء ولم أتخيل أني سأعود لمدرستي مجددا، إلا أن أخواتي الكبار حاولن إقناعي بالذهاب، وفعلا داومت أسبوعا كاملا لكن شعوري بالغربة والألم وأنا بين صديقاتي ومعلماتي الوحيدة بلا أم، دفعني للانقطاع عن الدراسة عاما كاملا أضعته».

وطبقا لسلطان: «كان من الممكن أن يختلف الأمر لو أنني لقيت الدعم النفسي، والاجتماعي في محيطي بالشكل الكافي، لكن للأسف لم أجده، حتى عندما فكرت أن أطلبه من المرشدة الطلابية في مدرستي ترددت كثيرا، لكن توجهت إليها لعلي أجد حلا ما، وهنا كانت الكارثة حين قالت لي إن الموت قضاء وقدر وكل ما أستطيع قوله لك عليك بالدعاء لها بالرحمة، وقراءة القران، وأعطتني علبة ماء».

وعلى الرغم من تأكيدات بعض الجهات والعاملين في الحقل التربوي على أهمية الدور الذي تلعبه المرشدة الطلابية في حل كثير من المشكلات التي تواجه الطالبات في فترة دراستهن والتي قد تؤثر بشكل أو بآخر على تحصيلهن الدراسي، وعلاقتهن بالمجتمع انتقدت بعض تلك المرشدات تعامل بعض إدارات المدارس الخاصة معهن، إلى جانب عدم منحهن صلاحيات مطلقة للمساعدة الطالبات في ظل أهليتهن لذلك.

أسرار أبو زهرة مرشدة طلابية قالت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: هناك مشكلات كثيرة قد تواجه المرشدات الطلابيات أثناء تأديتهن عملهن، ولعل أبرز وأهم تلك المشكلات تكليف إدارة المدرسة لبعض المعلمات القيام بمهام المرشدات الطلابية، في ظل عدم تأهلهن لذلك، مما يعني عدم قيامهن بدور المرشدة بشكل صحيح حتى وإن كانت معلمة ذات خبرة.

ومن منطلق خبرتها في الإرشاد التربوي بإحدى المدارس الخاصة بجدة تؤكد استحالة قيام أي مرشدة بكل المهام الملقاة على عاتقها بشكل سليم وهي تقوم بأمر التدريس لمواد وإن كانت لها علاقة بتخصصها مثل علم النفس وعلم الاجتماع، بيد أن مهام الإرشاد التربوي كثيرة وتحتاج إلى متابعة وتخطيط مسبق.

وأرجعت قيام بعض المدارس الخاصة بمثل هذه الخطوة إلى أسباب اقتصادية متعلقة بميزانية المدرسة ورغبتها في التوفير، على حساب المعلمة التي تقوم بتلك المهمات الشاقة، لافتة إلى أن كل المرشدات الطلابيات في المدارس الحكومية يجب أن يكن متفرغات للإرشاد التربوي.

فيما أكدت مديرة إحدى المدارس الحكومية التي فضلت حجب اسمها، أن بعض المدارس قد تلجأ إلى تكليف من تراه مناسبا من المعلمات للقيام بمهام المرشدة الطلابية، بصفة مؤقتة، إلى حين عودة المرشدة. مضيفة: «لكن هذا لا يعني عدم اهتمامنا بالجانب الإرشادي، لكن هناك خطة تكون موضوعة من قبل المشرفة منذ بدء العام حتى النهاية، وكل ما على المعلمة المؤقتة هو القيام بتلك النشاطات فقط».

واستنكرت بدورها هدى صالح مؤمنه، مديرة مدارس الصالحية الأهلية، قيام بعض المدارس بالسماح لبعض المعلمات بالقيام بمهام المرشدة الطلابية لأي سبب كان فقالت: «تخيل أن تقع حالة ما، أو يحدث أمر أثناء وجود المرشدة في إحدى حصص المواد المكلفة القيام بها؟ لذا يجب أن تكون المرشدة متفرغة تماما لمهام الإرشاد التربوي والاجتماعي».

إلى ذلك علق عبد الله الثقفي المدير العام للتربية والعليم بمحافظة جدة بقوله: هناك شروط يجب توفرها في المرشدة الطلابية فمنها أن تكون من المؤهلات تأهيلا علميا لا يقل عن الدرجة الجامعية في أحد التخصصات التربوية بالإضافة إلى حصولها على دبلوم توجيه إرشاد أو دورة تدريبية في مجال التوجيه والإرشاد كما يجب أن تجتاز الاختبار التحريري والمقابلة الشخصية التي تجرى لها وقبل ذلك يجب أن يكون لديها الخبرة التعليمية والتربوية الكافية في مجال التدريس وأن تكون حاصلة على تقديرات مرتفعة.

ويضيف أن «المرشدة الطلابية تقوم بأدوار متعددة داخل المدرسة تشتمل على الجانبين التربوي والاجتماعي فهي تقوم بمساعدة الطالبة على استثمار ما لديها من قدرات واستعدادات وتطوير مهارتها وقدراتها إضافة إلى متابعة حالات الغياب والتأخير الصباحي ودراسة الأسباب والعوامل المؤدية إلى ذلك وتقديم الخدمات المناسبة لهم بما يسهم في توافقهن الشخصي الدراسي والاجتماعي المنشود».

ويستطرد: «إضافة إلى تهيئة الطالبة المستجدة وبقية الطالبات على التكيف مع البيئة المدرسية وتكوين اتجاهات إيجابية نحو المدرسة ودراسة الحالات الطلابية الفردية بجميع أنواعها؛ دراسية نفسية اجتماعية صحية اقتصادية، وحصر الحالات ذات الحاجات المادية والأيتام والحالات الخاصة على مدار العام الدراسي وتقديم الرعاية والخدمات اللازمة والوقوف على المشكلات التربوية والدراسية التي تواجه الطالبة سواء من حيث تعثر الطالبة دراسيا أو تدني تحصيلها الدراسي أو المشكلات الأسرية التي تعترض الطالبة وتعمل بالتنسيق الجهات المختلفة داخل المدرسة وأسرة الطالبة لحلها كما تقوم المرشدة بالمتابعة والتوجيه للطالبات المتفوقات وإرشادهن لفهم وتعزيز ما يمتلكنه من قدرات إضافة إلى الكثير من الأدوار والمهام».

ولا تنتهي مشكلات الإرشاد التربوي عند ذلك، حيث قالت أبو زهرة: يقع على عاتقنا عمل الجدول الخاص بالمهام الإرشادية من بداية العام الدراسي إلى نهايته، ولا نستطيع أن ننفذه حتى توافق عليه المشرفة، ومن ثم نبدأ تنفيذ الخطة، إلى جانب أن بعض الطالبات يكون لديهن مشكلات نفسية ملحوظة، لكن ليس لدي أي صلاحيات للتعامل معها، خاصة أن هناك تعليمات واضحة للتعامل مع مثل هذه الحالات وذلك من خلال تعريف المرشدة الطلابية الطالبة بضرورة التواصل مع الأخصائيات النفسيات التابعات للوزارة التربية والتعليم.

وأضافت: «المشكلة هنا أن الطالبة لن تتجاوب معي، قد يكون لعدم معرفتها بأنها تحتاج مساعدة نفسية، ولا نستطيع أن نغفل أن أي إصلاح نفسي لدى الطالبة سيكون أنجح لو كان بينها وبين المرشدة التي تعرفها».

ورغم محدودية الدور الذي قد تلعبه المرشدة الطلابية في تحسين ومساعدة المراهقات على الخروج من المآزق التي يمررن بها، فإن الموقف الذي مرت به بيان سلطان هو الدافع وراء رغبتها التخصص في علم النفس لعلها تسهم في التخفيف عن الفتيات اللاتي يعانين من ظروف مشابهة.