أميركا: إصلاح النظام التعليمي في واشنطن يستهدف تلاميذ رياض الأطفال

التعليم بالترفيه عامل رئيسي في عملية التعلم

TT

قبل 72 عاما من التقاط رياض الأطفال في مدرسة باول الابتدائية، في شمال غربي واشنطن، أنفاسها الأولى، توفي ليف فيغوتسكي، عالم الطب النفسي الذي اعتقد أن اللعب عامل رئيسي في عملية التعلم.

لكن أفكاره تمكنت من تغيير وقيادة المستقبل الأكاديمي لإصلاح مدارس العاصمة. فعندما يقوم الأطفال عبر القراءة التعاونية بتمثيل فصول من كتب القصص ثم الجلوس إلى أدراجهم لكتابة ما تعلموه، فإنهم يعيدون بذلك ابتكار الفصل كما رآه فيغوتسكي.

وتعول مستشارة المدارس كايا هندرسون، بشكل كبير على منهج يدعى «تولز أوف مايند» أو «أدوات العقل» تم استقاؤه من أعمال فيغوتسكي. وهي تستخدم بشكل حذر مسرحية موجهة لتحفيز ما يطلق عليه علماء الأعصاب «الوظيفة التنفيذية»، التي تتألف من مزيج من الذاكرة والمثابرة، والسيطرة على الانفعالات والمرونة التي يقول الباحثون إنها قد تشكل عامل حسم أكثر قوة للنجاح التعليمي من اختبارات نسبة الذكاء.

وقالت هندرسون: «هذا مكون أساسي، وأحد أبرز الأشياء التي يمكننا تنفيذها». وبتكلفة تبلغ 1.5 مليون دولار استطاعت رفع عدد المدارس التي تستخدم البرنامج من اثنتين من المدارس التجريبية إلى 28 مدرسة بها 157 فصلا تضم سنوات ما قبل المدرسة ورياض الأطفال وما قبل رياض الأطفال، التي تستهدف الأطفال الذين تعوزهم الرعاية، وإذا ما توافر التمويل، فسوف تعمل على إضافة 100 فصل، العام المقبل. ويأتي برنامج «تولز» كأحد العناصر الأساسية في محاولة هندرسون لتغيير الأولويات في نظام يضم 45000 طالب، فقد كرست سلفها ميشال ريهي، الكثير من الجهد لإغلاق المدارس وتقييمات المعلمين وإصلاح البيروقراطية. وعلى الرغم من أن مثل هذه المواضيع لا تزال مستمرة (هناك جولة من إغلاق المدارس تلوح في الأفق) تشير هندرسون إلى ضرورة أن يركز إصلاح النظام التعليمي على العمل الجاد غير الجنسي الذي يعتمد على نوعية وكيفية تعليم الطلاب. وقد طبقت مدارس العاصمة المراحل الأولية من المنهج الجديد استنادا إلى المعايير الأساسية المشتركة للولاية، لتتبنى العاصمة و40 ولاية أخرى هذه المعايير، لتقدم نموذجا لما ينبغي أن يتعلمه الطلاب في مواد اللغة الإنجليزية والرياضيات خلال 12 مرحلة دراسية.

ويقدم المنهج الذي يتضمن «تولز» والعناصر الأخرى، خارطة طريق للمعلمين الذين أبدوا حزنا على غياب التوجيه. ويعِد المسؤولون بأن يتمكن الطلاب من القدرة على الانتقال من مدرسة إلى مدرسة دون تفويت مواد أو تكرارها. ويفترض أن تتناول المدارس على مستوى المدينة موضوع الديناصورات هذا الشهر. وقد اعتقد فيغوتسكي، الذي درس دور التفاعل الثقافي والاجتماعي في تنمية الطفل، أن اللعب هو العامل المطلوب، فيشير الخبراء إلى أن برامج الطفولة المبكرة الأخرى على اللعب. لكن برنامج «تولز» متفرد، لأنه يستخدم اللعب لبناء قدرة التنظيم الذاتي أو مقاومة النزوات أو الانحرافات التي يمكن أن تعيق النمو الأكاديمي.

ويشكل هذا تحولا عن التأكيد الشديد على التدريبات الأكاديمية التي تعتمد التلقين في البرامج أخرى، حيث يستخدم الأطفال في الفصول الدراسية التي تعتمد على النظام الفيغوتسكي القراءة المعتادة، والصوتيات وتعليم الرياضيات، ولكن مع دمج تدريبات تهدف إلى زرع بذور ضبط النفس في دروسهم. فتقول هيزر ويز، مؤسسة ومديرة مشروع أبحاث الأسرة في جامعة هارفارد، الذي يدرس التعليم المبكر في الطفولة: «إنها تبتعد عن الاعتقاد أن علينا أن نقوم إما بتدريس المناهج الأكاديمية أو اللعب. ومن ثم فهي تضع التعليم في سياق اللعب». وتقول أوتيرو التي تخرجت قبل عامين في كلية دارتماوث: «يقترض بك أن تتحرك بسرعة كبيرة واستيعاب كل التلاميذ».

في رواق في فصول ما قبل رياض الأطفال التي تقوم على تدريسها لورا أملينغ، يتبع الجميع نظام القراءة المشتركة، حيث يجلس الأطفال في مجموعات ثنائية على السجادة ويتبادلون الآخرون كقراء ومستمعين. ولتعزيز الأدوار، تسلم أملينغ كل ثنائي بطاقتين. إحداهما تظهر أذنا والأخرى تظهر فما.

وتنتقل أملينغ بين كل زوجين تستمع وتلاحظ، وتقول لأحد القراء: «سل صديقك عن الجزء المفضل لديه»، وتساعد البطاقة الطلاب على التعامل مع أدوار محددة ومرة أخرى مع ضبط النفس.

وتنادي أملينغ على فتى آخر يقوم بغسل دمية في الحوض برفق: «أنت يا ويلبر، امسح بقوة، امسح بقوة، امسح بقوة»، وتصبح المسرحية أكثر إسهابا مع قيام الأولاد بأدوار أكثر تعقيدا. وبعد عدة شهور من العام الدراسي سيقوم الطلاب بأدوار العملاء والعاملين في المتاجر والمطاعم. وفي رياض الأطفال، سيقومون بتمثيل قصص مثل «منزل الشجرة السحري»، وصنع أدواتهم الخاصة.

وقالت ديبورا يونغ، أستاذ علم النفس في كلية متروبوليتان ستيت في دنفر: «يظن الناس أن اللعب هو الركض مثل المجانين، لكنه بالنسبة لنا أمر في غاية الأهمية». وقد تعاونت يونغ مع زميلها المهاجرة الروسية ايلينا بودروفا، التي طورت أفكار فيجوتسكي لتلائم الولايات المتحدة، وطورت برنامج «تولز» في أوائل التسعينات. بدأت الباحثتان في مدينة دنفر، وتمكنتا بمساعدة موظفيهم في تدريب المعلمين في 13 ولاية تضم نحو 30000 طفل. وتعتبر مدارس المقاطعة أول نظام مدرسي في منطقة واشنطن يجرب برنامج «ذا تولز». وتقول ليونغ إن الأجيال السابقة حضرت إلى المدرسة وهي تحمل ساعات أطول من اللعب غير الخاضع للرقابة وغير المنظم، لكن التجربة أعطتنا فهما أفضل لكيفية العمل في مجموعات وضبط الدوافع التدميرية والأنانية.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»