السعودية تطبق مفهوم «التصميم المستدام» في بناء المدارس

وكالة المباني بوزارة التربية والتعليم تعمل حاليا على متابعة تشييد أكثر من 2500 مشروع

التصميم المستدام يقلل التكاليف ويحمي البيئة
TT

تخوض كثير من مدن العالم حاليا سباقا مع الزمن من أجل توسيع مفهوم «التصميم المستدام» وتطبيقاته المعمارية العديدة للمحافظة على البيئة وتقليل تكاليف الإنشاء والصيانة والتشغيل، ولتحقيق مستويات أفضل لصحة الإنسان وإنتاجيته، والاستهلاك الأقل للطاقة والمياه، وإزالة المبنى لاحقا من دون تكلفة أو أضرار بيئية بنسبة تصل إلى 90 في المائة.

وللمدن الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وشرق آسيا جولات عدة في تطوير مفهوم التصميم المستدام تدريجيا، لتنشر مبادئ التصميم المستدام في أرجاء العالم المتقدم، تتمثل في المباني الخضراء، ومباني صديقة البيئة، والمباني المستدامة، والمباني الذكية. ويستوعب مصطلح «التصميم المستدام» كل القيم الصديقة للبيئة والإنسان، ولا يعني بذلك الشكل الخارجي فقط، بل تشييد المبنى بأفضل المواد التي لا تضر البيئة، وتشغيله بأعلى كفاءة ممكنة وأطول عمرا، وقابلية مرنة لتطويره حسب ما كانت الحاجة.

وطبقا لتقرير حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإن وكالة المباني بوزارة التربية والتعليم تعمل حاليا على متابعة تشييد أكثر من 2500 مشروع مدرسي للبنين والبنات، ومبان تعليمية أخرى. وفي رصد لـ«الشرق الأوسط»، فإن خطة التنمية الخمسية التاسعة لوزارة التربية والتعليم اشتملت على تنفيذ 6854 مبنى مدرسيا متعددة الأحجام خلال سنوات الخطة في جانب تعليم البنين فقط.

وبين المهندس عبد الله الحوتان خبير العمارة المستدامة لـ«الشرق الأوسط» أن عدد المباني المصممة للاستدامة في السعودية لا يزال محدودا مقارنة بحجم المباني التقليدية، والمباني المريضة - ذات التكلفة العالية في استهلاك الطاقة، والمواد الصلبة المستخدمة في الإنشاء، مؤكدا أن بعض المدن السعودية والخليجية حصلت على نصيبها من مشاريع التصميم المستدام في السنوات القليلة الماضية.

وأضاف المهندس الحوتان أن السعودية تحديدا سجلت تجربة رائدة في مشروع مناسب جدا للبيئة في عام 1998، عندما شيدت مشروع مخيمات «مشعر منى» المقاومة للحريق وبأنظمة عالية الجودة نسبيا في استهلاك الطاقة والمياه وتصريفها وإعادة الاستفادة منها، إضافة إلى منع تلوث البيئة جراء الحرائق شبه السنوية ومخلفات المواد الصلبة والكيماوية.

وزاد أن المشروع في أساسه كان هدفه ساميا يتعلق بالمحافظة على أرواح الحجاج وسلامتهم واطمئنانهم، ولكونه يزيد العمر الافتراضي للمشروع إلى 30 عاما ويمكن مضاعفتها بتحسين جودة الصيانة الدورية لـ40 ألف خيمة مقاومة للحريق، وإمكانية تبديلها ونقلها بسهولة.

ويجيب المهندس عبد الله الحوتان عن سؤال طرحه: هل ذلك يكفي؟.. هنا يتردد على نطاق واسع في أوساط المستثمرين ومقاولي الإنشاءات أن إجمالي ما رصدته المؤسسات الحكومية في السعودية والقطاع الخاص لمشاريعهم المعمارية الجديدة خلال السنوات القليلة المقبلة يصل إلى 140 مليار ريال تتبنى مفاهيم التصميم المستدام.

ويوضح الحوتان أن بعض المدن السعودية تضم حاليا منشآت جديدة اعتمدت مبدأ التصميم المستدام مثل مبنى وزارة التعليم العالي، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وغيرهما، إضافة إلى أن مفهوم التصميم المستدام يحقق سلسلة من الأهداف النوعية لصحة الإنسان وحجم إنتاجيته، والقيمة البيئية العالية مقارنة بالتصاميم الهندسية العادية، والتكلفة الاقتصادية القليلة مقارنة بالفوائد العديدة، والنفقات التشغيلية والصيانة على المدى الطويل.

ويبين الحوتان أن هذه الحزمة من الفوائد عجلت في وضع المشاريع التعليمية خصوصا مدارس التعليم العام في سلم أولويات المشاريع التنموية في العديد من البلدان المتقدمة.

ويرجع خبير العمارة المستدامة ليقول «لو نظرنا إلى المملكة بنظرة فاحصة، لوجدنا أن الأجهزة الحكومية المسؤولة عن قطاع التعليم العام نوهت في أكثر من مرة إلى اعتماد حجم ضخم من المشاريع الإنشائية للمدارس بعضها شيد فعلا والكثير لا يزال قيد التشييد وعدد كبير من المدارس سيتم تشييده خلال الأعوام الثلاثة المقبلة التي تبقت من عمر الخطة التنموية الخمسية التاسعة 2009 – 2014.

ويضيف أن قطاع التعليم الضخم في دولة مترامية الأطراف اعتمدت مفهوم التنمية الشاملة لجميع المناطق، يشهد نموا إنشائيا يكاد يطال جميع مرافق العملية التعليمية من مبان لمدارس جديدة إلى مقرات الإدارات التعليمية في جميع مناطق المملكة ومقرات الأنشطة التعليمية المختلفة. وتبدو السعودية شديدة الاهتمام بالمناخ التعليمي لأكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة يزداد عددهم سنويا بنسبة تتراوح بين 2 و5 في المائة.

وتكشف الخطة التنموية الخمسية التاسعة في جانب التعليم العام عن حجم ضخم من الأعمال الإنشائية للمدارس رصد له أكثر من 9 في المائة سنويا من ميزانية وزارة التربية والتعليم.

ويرجح أن ترتفع هذه النسبة في ما تبقى من أعوام الخطة وتتصاعد في الخطة الخمسية العاشرة، إذا ما استمرت التدفقات النقدية المشجعة في ميزانية الدولة مدعومة بأسعار النفط ونجاح خطط تنويع مصادر الدخل الوطني.

ومن هنا تبرز أهمية تكريس مبدأ «التصميم المستدام» لقيمته العالية كاستثمار وطني يخدم الأجيال الحالية واللاحقة من حيث طاقاته التي تنصب في المحافظة على البيئة واستغناؤه عن المواد الضارة ومساحاته التي تتسم بالانشراح وتدفق ضوء الشمس الطبيعي، وسهولة صيانته، وجودة مواده الإنشائية، وسهولة تطويره في أي مرحلة، وعدم تركه لمخلفات صلبة ضارة بالبيئة في حالة إزالته.