المغرب: شركات «طلابية مساهمة» داخل المدارس التعليمية

إحداها صممت جرسا أوتوماتيكيا وأخرى استفادت من الحواسيب المعطلة في الشركات

شركة طلابية لتصميم جرس الإنذار فازت بعدد من الجوائز العربية
TT

لم يخطر يوما بفكر جهاد حموشي ذات الـ16 ربيعا والطالبة في المرحلة الثانوية بمدرسة جابر بن حيان بالعاصمة الاقتصادية المغربية، أن تصبح رئيسة لمجلس إدارة إحدى الشركات التجارية «الحقيقية»، وتتملك عددا من أسهمها وتتولى قيادة فريق من العاملين والصناع الذين ينتجون واحدا من الأجهزة التقنية المستخدمة في المدارس، وذلك من خلال استغلال إحدى قاعات المدرسة.

فريق العمل الذي تقوده جهاد والمكون من جيهان مديرة التواصل والموارد البشرية، ووفاء الزين مديرة المالية، ومحمد العشي مدير الإنتاج، إضافة إلى وسيم ساهل مدير الأنظمة المعلوماتية، وعدناني نميشة مديرة التسويق، استطاعوا رسم هيكل لشركتهم والبدء في التصنيع والتوزيع بتوجيه من أحد أطر الشركات المساهمة في مشروع «إنجاز المغرب» الذي أسهم في بناء نحو 100 شركة طلابية تساهم ماديا كما تساهم بتدريب الشباب، يستفيد منها هذه السنة 8900 شاب وتهدف إلى 100 ألف شاب بحلول عام 2015.

عن المشروع والمنتج تقول عدناني نميشة مديرة التسويق «نقوم بتصنيع جرس إلكتروني مبرمج على أوقات انتهاء الحصص يرن آليا دون الحاجة إلى قرع الجرس مع نهاية كل فترة دراسية، مستفيدين من خبرة زميلنا وسيم ساهل في البرمجة حيث تبلغ تكلفة الجرس الواحد منها نحو 1300 درهم ويتم بيعها بنحو 2000 إلى 2500 درهم للمدارس التي بادرت بشراء الجهاز حتى أصبح لدينا عدد من الطلبات».

وبينت من جهتها وفاء الزين مديرة المالية، أن كل عضو يمتلك سهمين في الشركة ويتم توزيع الأرباح حسب عدد الأسهم حيث تدفع في الغالب في دعم أنشطة المدرسة.

يقول محمد الأندلسي صاحب الفكرة إن مشروع جمعية «إنجاز المغرب» جاء لاستكمال وتعزيز تجربة جمعية الجسر الفائزة بجائزة «وايز»، حيث يقيم التلاميذ شركات غير وهمية لمدة سنة كاملة، بإشراف المدربين المهنيين القادمين من عالم الشركات، يسيرون شركاتهم انطلاقا من اختيار المنتج أو الخدمة، ودراسة السوق، وبيع الأسهم، وتأسيس المجلس الإداري، وشراء المواد الأولية والصنع والبيع والتوزيع وتصفية هذه الشركات في نهاية الموسم الدراسي.

والمشاريع الطلابية المنظمة بشراكة مع أكاديميتي الدار البيضاء والرباط بحسب القائمين عليها تساهم في إطار الإصلاح التربوي على تفعيل الحياة المدرسية بإدراج مجموعة من البرامج التربوية، والقيام بالمبادرات التي تمكن من انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها وتساعد على إشراك جميع أطراف العملية التربوية، من مدرسين ورجال إدارة وتلاميذ وشركاء اقتصاديين في الانخراط في أنشطة مندمجة تكسر الحواجز بين المواد المدرسية وتخلق مجالات التعاون بينها، وتساعد على التعامل مع التلاميذ والتلميذات خارج ضغوطات المقررات وإكراهات القسم.

ويضيف الأندلسي أنه يتم تزويد التلاميذ بدليل حول تنظيم الشركة ونماذج من الوثائق التي تستعمل في مختلف العمليات المرتبطة بنشاط الشركات، كالفواتير وسندات الطلب والتوصيل الخاص بالأسهم وبطاقات عن اختصاصات المديريات بالشركة، إلى غير ذلك. وفي إطار منافسة سنوية لتتويج أحسن شركة طلابية تقدم هذه الشركات، ممثلة في رئيسها أو رئيستها بمعية مديري القطاعات، أمام لجنة تحكيم تتكون من رجال ونساء عالم المال والاقتصاد وممثل عن قطاع التربية الوطنية، عرضا حول مراحل إنشاء المقاولة ونتائج الاستغلال والمشاكل التي عرفتها والعراقيل التي صادفتها، والحلول التي تم اللجوء إليها لتجاوزها والأرباح التي حققتها، والأنشطة التي نظمتها في إطار الأعمال الاجتماعية للمقاولة ومصير الأرباح التي جنتها.

وكمثال على وقع هذه التجربة على التلاميذ، يقوم التلاميذ المستفيدون من هذا المشروع بمبادرات خلاقة، كأن نجد مثلا ثانوية قروية تنتج مواد تجميلية طبيعية، أو تنظم رحلة من الدار البيضاء إلى تاونات لزيارة المركز المغربي للنباتات الطبية، وتحصل على شهادة تضمن صحة المقادير وجودة الأعشاب المستعملة في المنتوج، أو كأن نجد مقاولة طلابية تفكر في عرض منتوجها على اللجنة الجهوية للتنمية البشرية لكي تستفيد منه إحدى جمعيات المجتمع المدني، أو أن تعطى كلمة الختم لتلميذة مغربية في منافسات لبنان وترتجل خطابا نال إعجاب الجمهور الحاضر، هذه كلها علامات نضج تبشر بالخير.

طبعا هذه استثمارات بسيطة لا تصرف فيها مبالغ ذات أهمية، الهدف منها زرع روح المبادرة عند الشباب. وقد أظهرت دراسات أن 30 في المائة من المستفيدين من هذا التدريب يؤسسون شركاتهم لدى بلوغهم سن الـ25.

وبحسب الأندلسي كانت نقطة انطلاق المشروع بالمغرب يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2007، عندما قررت مجموعة من الشركات الكبرى المغربية، ناهز عددها 29، عقد جمع عام تأسيسي للجمعية بحضور منسقة البرنامج على صعيد العالم العربي، ما يسمى «إنجاز العرب»، وقد تمخض عن هذا اللقاء تكوين جمعية «إنجاز المغرب»، وتحديد أعضاء مكتبها المسير. وقد ساهمت في أشغال هذا اللقاء، الذي انعقد تحت إشراف المدير العام لإحدى المجموعات الاقتصادية والمالية الكبرى بالمغرب، السيدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، ومدير أكاديمية الدار البيضاء الذي ساهم بدوره في إنجاز هذا المشروع.

تجدر الإشارة إلى أن هذا البرنامج انطلق سنة 1919 في أميركا لينتشر في باقي القارات. وهو موجود حاليا في 139 دولة عبر العالم، منها 12 دولة عربية، وقد استفاد منه إلى حدود سنة 2007 ما يقارب 87 مليون طالب عبر العالم، وتمول أنشطته أزيد من 9000 شركة كبرى، ووضعت رهن إشارته 287491 مستشارا من أطرها يتطوعون للإشراف على أنشطة البرنامج وتأطير التلاميذ بالمؤسسات التعليمية.