كاتب إنجليزي: لماذا نواصل عزل أنفسنا بالحديث بالإنجليزية فقط؟

قال إن البريطانيين متهمون بـ«الشوفينية» والاستعلاء

TT

كانت إحدى الهجمات الأكثر فاعلية التي شنها نيو غنغريتش على ميت رومني هي أنه غير أميركي إلى حد بعيد، يفضل الحديث باللغة الفرنسية. فمنذ حرب العراق تحولت فرنسا واللغة الفرنسية إلى مرادفات لافتقار أوروبا إلى الروح الحربية والتضامن مع الولايات المتحدة، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك.. فالتمكن من لغة أجنبية يظهر الأولويات الخاطئة بحسب هذا النمط من التفكير، حيث يظهر الاستعداد إلى العمل الجاد لفهم ثقافة أخرى ولغة أخرى والكثير، والأميركي الحق لا يفعل ذلك.

أصيب البريطانيون بنفس النوع من الثقافة، لكننا لا نمتلك نفس العذر في أننا قوة مهيمنة عالميا وقارة غازية. نحن نعيش في جزيرة كبيرة في بحر الشمال تتضاءل قوتها الاقتصادية على نحو سريع، وأي مستقبل قابل للحياة ويمكن فهمه يتطلب الانفتاح والتبادل مع باقي العالم. حتى الكلمات المثيرة للتشاؤم بشأن أوروبا ترى أن علينا، كدولة، أن نسعى عالميا للبحث عن تأمين مستقبلنا. والحقيقة أن على بريطانيا أن تسعى لتحقيق طموحاتها سواء على الصعيد الأوروبي أو الدولي. لكن مهما كان موقفك في هذا النقاش، فالمقدرة على حديث لغة أجنبية - الحماسة بشأن القيام بذلك - كفاءة حيوية. بيد أن إحصاءات الأسبوع الماضي التي كشفت عن تراجع كبير في أعداد المتقدمين لدراسة اللغات غير الأوروبية - والتي انخفضت بنسبة 21 في المائة - تشير إلى أننا نتجه إلى الاتجاه المعاكس. ما الذي يقوله ذلك بشأن اهتمامات شبابنا بالآخر؟ وعن معرفتهم بالأهمية المتزايدة للصين، والعالم العربي والبقية؟ أو بالفعل، عن رغبتهم لإخضاع أنفسهم لتعلم لغة أجنبية؟ الصورة في ما يتعلق باللغات الأوروبية ليست أفضل - 57 في المائة من التلاميذ الآن لا يتعلمون لغات أجنبية في الثانوية العامة، في الوقت الذي انخفض فيه المتقدمون لدراسة المستوى «A» في اللغات الأجنبية.

يشكل الطلبة البالغة أعمارهم سبعة عشر عاما والمتقدمون لاختيار مقرر دراسي جامعي نتاج سلسلة من الخيارات الشخصية والعائلة والمدرسية، والتي تعكس في المقابل ردود الفعل الثقافية والتوجهات العامة. لكن إذا ما كان جزء من التفسير هو أن هؤلاء الطلاب ذوي الـ17 عاما يشعرون أن اكتساب اللغة لن يكون ذا قيمة في سوق العمل، فإن حكمهم حينئذ خاطئ تماما. فمعدلات البطالة بين خريجي أقسام اللغات الأجنبية متدنية للغاية، وسوق العمل تقدرهم على نحو كبير.

وربما كان نظام الرسوم الجديدة التي تجعل الطالب يتخرج في الجامعة بمتوسط دين يصل إلى 45000 جنيه إسترليني أحد العوامل في ذلك (اعتراف كامل: أنا أرأس مفوضية الرسوم المستقلة بشأن الطلبات التي أنشئت مؤخرا). لكن ذلك سيكون خطأ. ومن ناحية نفعية محضة يحتاج الاقتصاد إلى مزيد من الأفراد القادرين على تحدث اللغات الأجنبية. فهذه موهبة ذات قيمة سواء أكنت جزءا من المجتمع العلمي العالمي أم من نظام التجارة العالمية.

نتيجة لذلك يشكل تعلم اللغات الأجنبية فرصة ربح مزدوجة، وقد كتب المترجم الرائع مايكل هوفمان في هذه الصفحات عن السعادة بالحديث بأكثر من لغة. وأكد على أن المتحدث بلغة واحدة ربما يظل حبيس ثقافة واحدة وسيتحتم عليه العيش في القفص اللغوي والثقافي الذي ولد فيه. وكتب هوفمان: «إذا لم تكن تتحدث لغة أخرى فأنت محكوم عليك أن تحبس نفسك في ذات المواقف ونفس العبارات طوال حياتك. من الصعب أن تخدع نفسك، وأن تحد نفسك في لغة واحدة، وستزداد صعوبة مجاراة الحياة». واكتساب لغة أخرى هو أن تنفتح على العالم وتزيد من قدرتك على العمل بشكل أوسع.

لكن هذه المقترحات من الصعب تنفيذها في ثقافة شعبية تتسم بالانعزالية وعدم الثقة في الأجانب والاعتقاد الشوفيني بالتفوق البريطاني. الأكثر من ذلك، هو أن السنوات الأولى من دراسة اللغة صعبة للغاية. فلا مفر من تعلم كيفية تصريف الأفعال، وبناء الجمل واستيعاب ما يكفي من الكلمات لنبدأ في فهم ما يكتب ويقال.

وكي نختار القيام بهذا، يحتاج الأولاد والبنات إلى معرفة أن تعلم اللغات الأجنبية مثل العزف على آلة موسيقية، وتصميم الملابس أو لعب الرياضة ستكون نتيجته جديرة بالعناء الذي بذل فيه. وهم بحاجة إلى مدرسين قادرين على إلهامهم، ورفاق يشجعونهم وعائلات يدركون قيمة هذه المهارة. لكن هذا لا يوجد في بريطانيا بدرجة كافية.

هذا الموقف ليس جديدا، فكل وزراء التعليم المتعاقبين أكدوا على استنكارهم لهذا الاتجاه. وهناك مبادرات وحملات وفيرة، سواء من مجلس جامعة اللغات الحديثة أو الأكاديمية البريطانية. لكن على الرغم من عملهم، فإن جهودهم لم تحصل على الاهتمام اللائق.

المشكلة الكبيرة هي أنه لا الثقافة الشعبية البريطانية ولا النخبة تعاملت مع الوضع الدولي الجديد لبريطانيا وما يفرضه علينا موقفنا الاقتصادي. فإرث الإمبراطورية والقوة العظمى إلى جانب واقع مؤلم بأن الولايات المتحدة تتحدث اللغة الإنجليزية يدفعنا بشكل مضلل إلى الاعتقاد، الذي لا يزال قائما، بأن التحدث بلغة أجنبية أمر مكمل لا أصول ثابتة.

وبدلا من ذلك، كانت المشكلة الحقيقية، من وجهة نظرنا، الأجانب الذين يتعلمون لغتنا ويتأقلمون مع عاداتنا. الأسوأ من ذلك أن هناك طوفانا منهم خارج الحدود يرغبون في العيش في دولة الرفاه المزعومة، وأن المهمة ليست في انفتاحنا على هؤلاء كجزء من إعادة بناء اقتصادنا وإعادة تشكيل أنفسنا، بل في إبعادهم وسحب الجسور، وجعل نظام الرفاهية لدينا وضيعا قدر الإمكان، وإحداث توازن في كتبنا. ورأينا أن الأجانب هم جزء من المشكلة، لا الحل. ربما كان هذا هو السبب في أن العديد من أطفالنا الذين يبدأون في تعلم اللغات الأجنبية يصبحون أكثر شعورا بالضيق بدلا من الابتهاج وسرعان ما يقلعون عن شيء ملح.

* كاتب في صحيفة «الغارديان» خاص بـ«الشرق الأوسط»