السعودية: «صف المستقبل».. مشروع تعليمي يسعى للانتشار عبر «تيد إكس» المناهج

40 طالبا مستفيدون في الأحساء ومطالبة بتعميم التجربة في مدارس المملكة

يحق للطالب في «صف المستقبل» تقييم معلمه وإبداء الملاحظات عليه («الشرق الأوسط»)
TT

مع توالي المطالبات نحو تطوير التعليم العام في المدارس والمؤسسات التعليمية في السعودية، استحدث معلم سعودي برنامجا تعليميا وتربويا للطلاب في المرحلة الابتدائية، يعنى برفع مستوى الطالب التعليمي والعلمي، بتأهيل الطالب لأن يختار مهنته التي تتواءم وطموحه في المستقبل، وبتوفير بيئة تعليمية متميزة تكفل للطالب التفوق والتميز على أقرانه.

تركي المحيسن معلم منذ سنتين ونصف في بدء مسيرته في التعليم بإحدى هجر الأحساء بالمنطقة الشرقية، التي انتقل بعدها إلى قرية القرين بنفس المنطقة، بدأ خلالها في وضع اللبنات الأولى لمشروع «نحن نبني المستقبل» وانبثقت الفكرة من كون المحيسن لاحظ أن شريحة كبيرة من طلبة المرحلة الثانوية لا يعلم إلى أين يتجه أو ماذا يرى مستقبله، وبذلك ينشأ «صف المستقبل» من مراحل التعليم الابتدائية المبكرة، ليساعد الطالب في تحديد مستقبله بتشجيع من الوالدين.

وذكر تركي المحيسن في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن صف المستقبل ليس فقط فصلا دراسيا، وإنما هي فكرة متكاملة لبرنامج يتابع الطالب في تقدمه والتخفيف من جوانب الضعف لديه واختباره لميوله المستقبلية، لتحسين مخرجات التعليم العام عند تخرج الطلبة لسوق العمل أو التعليم العالي بأفضل المستويات؛ بل هو مشروع متجدد مرن ومواكب للمستجدات في الوسائل التعليمية بتقدم الزمن. ويقول المحيسن: «إدارة مدرسة أم العراد والمدرسة الحالية ضمرة الجهني في قرية القرين، ساعدوني وأغلبهم كان متفاعلا مع الفكرة، بالرغم أن الدعم المادي لم يكن كبيرا حيث مثل فقط 30 - 40% من مجموع التمويل الخاص بالمشروع».

سعود السبيعي مشرف تربوي بالإدارة العامة للإشراف التربوي بمنطقة الأحساء، تحدث مع «الشرق الأوسط» حول كيفية دعم فكرة صف المستقبل والتي شاهد تطبيقها العملي، وذكر أن آلية الدعم في الإشراف التربوي في الأحساء تكون بتسليط الضوء على المعلم، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للمدرسة، ويشيد السبيعي بالمعلم المحيسن كونه طبق التعاميم الوزارية الصادرة بشأن تطوير بيئة التعليم، حيث إن المقرر الدراسي والمعلم لا يكفيان على حد قوله في ظل عدم تواجد بيئة تعليمية مناسبة للتفوق.

وقد عرض المشروع من خلال مشاركة تركي المحيسن كمتحدث بمؤتمر «تيد إكس» المناهج الذي أقيم في منتصف فبراير (شباط) الماضي، والذي يعنى بالأفكار التي تستحق الانتشار، حيث لاقت فكرته استحسانا لدى الحضور الذي تفاعل مع الصور المعروضة لصف المستقبل. وأشار المحيسن في المؤتمر إلى أنه حق من حقوق الطالب عندما نطلب منه التميز أن نهيئ له بيئة مميزة للتعليم، فأنشئت هوية صف المستقبل «المعلم يصطحب طلابه إلى العلم والإشراف من منبع العلم والتعلم»، ولوحة خارج الفصل تبين مهنة كل طالب التي يريد أن يصبح عليها في المستقبل، وبعض الأشياء التي تضفي طابع التميز على صف المستقبل، كمفكرة الفصل، ومكتبة الفصل، وملف إنجازات الطلاب، علاقات للثياب وقت ممارسة الرياضة، ووسائل تعليمية مرتبة على الجدار، إضافة لصندوق لكل طالب يضع فيه أغراضه الشخصية.

يسمى الطلاب في صف المستقبل بجيل المستقبل وليسوا طلاب الصف كما هو الحال في الفصول التقليدية، فلديهم صندوق اقتراحات وملاحظات على أي مدرس وأي طالب، كرسي التميز، وجدار خاص للكتابة بدل تشويه منظر الصف. وبفضل تخصص المحيسن في تصميم الغرافيكس فقد أنشأ موقعا إلكترونيا لغرض متابعة الطلاب مع أهاليهم ولعرض المشروع في الوسيلة الأسرع تطورا وانتشارا، فضلا عما يقدمه الموقع للأهالي من خدمات رائدة في تعبئة استبيان لطلب أي خدمة كتخفيض تذاكر الطيران من المدرسة، والتواصل بخدمة الرسائل القصيرة مع المعلم، ويقدر عدد المستفيدين من المشروع نحو 40 طالبا في المرحلة الابتدائية.

فكرة صف المستقبل تحتضن مشروع «نحن نبني المستقبل» والصف جزء لا يتجزأ من المشروع، الفكرة أن كل طالب يختار له تخصصا معينا، ومن أهدافه رفع مستوى الطالب التربوي والتعليمي والعلمي، وأن يحدد الطالب طموحه، والسعي لمخرجات تعليمية فاعلة، واستثارة وتنمية التعلم الذاتي لدى الطالب، ورسم خطوط واضحة يسير عليها الطالب إلى أن يكبر كما لو أنه لسبب ما لم يحقق هدفه يكون لديه العمل بكيفية التخطيط لأهداف أخرى، والوصول بالطالب إلى مرحلة عالية من النظام والانضباط.

ويراعي صف المستقبل في تحقيق أهدافه وجود ملف لكل طالب يسمى بملف الإنجاز، الذي يأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية التي تعرف المعلم بمشاكل كل طالب التعليمية وتساعده في علاجها بالتعاون مع الأهل، فضلا عن أهمية التدريب في تطبيق المناهج نظرية، والتي ترجمها المحيسن في بادرة «قصص النجاح»، بأن يحضر شخصية ناجحة وتتحدث أمام الطلاب بأسلوب مبسط، كأن يأتي أحد الضباط ويشرح لهم مراحله التعليمية التي ساعدته للوصول إلى رتبته.

وبالعودة للمحيسن فقد نوه إلى أنه يجب على معلم صف المستقبل أن يصعد مع طلابه خلال المراحل الدراسية، يستمر معهم وإن لم يسمح له بذلك يستمر في متابعتهم بين فترة وفترة لتشجيعهم. ويتطلع تركي المحيسن إلى توفر أدوات إلكترونية كالسبورة الذكية، ويطمح في صف المستقبل إلى حمل الكتب الإلكترونية على أجهزة لوحية بدل الكتب الورقية التي تثقل كاهل الطلاب، والتركيز على التنسيق بين المدارس والمراحل الدراسية في تنمية تطلعات الطالب نحو مستقبله. وقد ذكر السبيعي أنه «عندما نتحدث عن إمكانات وتجهيزات فهي توفر وفق آلية مباشرة فقد رفعنا إلى الوزارة طلب أجهزة إلكترونية طلبها الأستاذ تركي، والتجربة ما زالت بحاجة لرعاية، ولكن لا يمكن تعميمها إلا بعد أن تتضح آثارها بنهاية العام الدراسي، عند تقييم نتائج الطلاب ببرنامج (حكم) للصفوف الأولية لتقييم الناتج العلمي، لتلمس مواضع القوة أو الخلل لدى الطلاب ومعالجتها، وإن ظهر بون شاسع بين نتائج طلاب فصل المستقبل، مع أقرانهم في الفصول الأخرى، فسنرفع التجربة للوزارة كدراسة متكاملة لبرنامج يمكن اقتراح تطبيقه على المدارس الأخرى». هذا وقد أكد المعلم المحيسن ترحيبه بالتعاون مع أي شخص أو جهة تريد تبني صف المستقبل داخل المؤسسات التعليمية في السعودية، بما في ذلك إدارات التعليم، وأضاف: «أتمنى أن الجهات جميعها تتعاون لتطبيق هذا المشروع، فلو حدد كل طالب ماذا سيصبح عليه في المستقبل لاختصرنا وقتا طويلا قد يقضيه الطالب في معرفة ميوله».