«وثيقة بيروت» تصف الداء وتحدد الدواء للغة العربية

86 جلسة و250 ورقة عمل حظي بها المؤتمر.. ليخلص إلى وثيقة مرجعية

TT

خلص المتحدثون في المؤتمر الدولي للغة العربية، أمس، في العاصمة اللبنانية بيروت، إلى التأكيد أن ثمة أزمة كبيرة تواجه اللغة العربية، وأنها تزداد تأزما يوما بعد يوم بتأثير المتغيرات والتطورات والتراكمات التي أدت إلى هذه الأزمة الخطيرة. حيث تم تحديد أهم ما توصلت إليه هذه الأبحاث والدراسات وأوراق العمل من نتائج وتوصيات لتوضع في عهدة وتصرف المسؤولين وصناع القرار والمختصين والمعنيين على جميع المستويات للاستفادة مما جاء فيها من مؤشرات وحقائق تنطلق من الواقع الذي تعانيه اللغة العربية على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسة والدولة.

وأكد المؤتمرون على أهمية دور القادة في الدول والمؤسسات الحكومية والأهلية والمجتمعات والأفراد في النهوض باللغة العربية، موضحين أن التراجع الكبير الذي يحدث للغة العربية ليس لضعفها أو لعدم قدرتها على استيعاب كل المستجدات والعلوم والتقنيات والصناعات والمعارف، ولكن لضعف إعداد أبناء وبنات المجتمع وتأهيلهم وتربيتهم وتعليمهم.

وقد نتج عن ذلك تغييب اللغة العربية بشكل تدريجي حتى ضعفت قيمة اللغة العربية الوطنية مقابل مزيد من التقدير والاهتمام باللغة الأجنبية.

من جانبه، أوضح الدكتور علي بن عبد الله بن موسى المنسق العام للمؤتمر، أنه خلصت الأبحاث والدراسات وأوراق العمل إلى أن اللغة العربية في خطر، حيث اتخذ المنظمون من هذا عنوانا لمؤتمرهم العام المقبل، مشيرا إلى أن جميع البحوث والدراسات خلصت إلى عدد من البنود التي تحاول تحديد نقاط الضعف وسبل العلاج لداء اللغة العربية في العصر الحاضر.

وبين الموسى أن أولى مشكلات التعاطي مع اللغة العربية تأتي في نصوص أنظمة ودساتير الدول العربية، موضحا أن اللغة العربية على الرغم من كونها لغة الدولة، حيث إنها لغة السياسة، والاقتصاد، والتجارة، والتعليم، والثقافة، والإعلام، والعمل، لكنها تعاني من خلل وضعف وتهاون بها، واصفا ذلك بالاعتداء على النظام والدستور وخرق للقانون، ويجب أن يحاسب عليه كل من اعتدى أو اجترأ على إضعاف اللغة العربية أو تهميشها، أو تهاون في الالتزام بحرفية الدستور في هذه المسألة، واستهان بقوانين وأنظمة الدولة التي تعطي اللغة العربية أولوية مطلقة.

وشدد الموسى على ضرورة المحافظة على اللغة العربية لما لتلك المحافظة من انعكاس على المحافظة على الدستور والسيادة الوطنية والانتماء والهوية، مطالبا الجهات الرسمية ممثلة في القيادات العليا والمسؤولين وصناع القرار على المستوى الوطني والعربي في الدول العربية بسن المراسيم والقوانين والتشريعات، التي تفرض على جميع الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية التعامل باللغة العربية السليمة.

وأكد المنسق العام لمؤتمر اللغة العربية على أن اللغة العربية هي وعاء تلك الأنظمة والقوانين والتشريعات وروحها، مبينا أنه لكي تكتمل صورة الهوية الوطنية والعربية يجب أن تسن القوانين والتشريعات والسياسات، التي تؤكد على الالتزام باللغة العربية في جميع شؤون الحياة، وأن تخضع جميع المؤسسات الوطنية الحكومية والأهلية لمراجعة شاملة لتعريبها والتأكيد على أهمية اللغة العربية واستخدامها بشكل صحيح.

ودعا موسى المؤسسات التعليمية في الوطن العربي إلى ضرورة تبني مناهج تعليمية تتولى مسؤولية إعداد المواطن الصالح القادر على التمييز بين الحقوق والواجبات والالتزام بها، والمؤهل بالمهارات والمعارف والقدرات والعلوم التي تعينه على القيام بواجباته الوطنية وتمكنه أن يكون مواطنا منتجا في عمله وأسرته ومجتمعه.

ونبه موسى إلى حقيقة مفادها أن أغلب المعلمين والمعلمات في التعليم العام لا يجيدون اللغة العربية كتابة ولا نطقا ولا قراءة، وهم من يتحمل المسؤولية في إعداد الطلاب والطالبات وتدريبهم وتربيتهم وتأهيلهم، ولهذا يعد إعدادهم للطلاب والطالبات خطيئة كبيرة لا تغتفر.

وشدد موسى على إلزامية أن تتبنى الأنظمة التعليمية عملية إصلاحية لمعالجة القصور والعجز الذي يعاني منه المعلمون والمعلمات، وذلك من خلال عقد دورات تدريبية يتم وضعها من قبل مختصين حتى يجتازوا بإتقان أساسيات الكتابة والنطق والمحادثة والقراءة باللغة العربية السليمة، مع الإلحاح على عدم تجاوز هذه القضية مهما كلف الأمر، وجعل إتقان اللغة العربية لجميع المعلمين والمعلمات في جميع التخصصات من شروط التوظيف والاستمرار في العمل والتقييم المهني السنوي لهم.

وأشار موسى إلى أن الدراسات والأبحاث المقدمة للمؤتمر تؤكد على أن طلاب وطالبات مؤسسات التعليم العالي يعانون من ضعف كبير في قدراتهم ومهاراتهم ومعارفهم اللغوية، وأن هذا يؤثر سلبا على مستوى تحصيلهم الدراسي واستيعابهم، وعلى القيام بواجباتهم في جميع التخصصات. وكشف أن بعض مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي اتجهت إلى التدريس باللغة الأجنبية لأسباب منها عدم توافر المراجع العلمية باللغة العربية، وأن سوق العمل تتطلب الإلمام باللغة الأجنبية. ومن هذا المنطلق أهملت اللغة العربية في مؤسسات التعليم العالي وأصبحت اللغة الأجنبية متطلبا لالتحاق الطلاب والطالبات بالتخصصات العملية المختلفة.

وحول البحث في اللغة العربية، يرى الدكتور علي موسى أن توصيات المؤتمر أخذت بعين الاعتبار ما يعانيه البحث العلمي باللغة العربية، مطالبا مراكز البحث العلمي في الوطن العربي اعتماد اللغة العربية كلغة لبحوثها أسوة بما توليه مراكز الأبحاث العالمية من أهمية خاصة للغة الوطنية التي تعمل بها وتستخدمها في الميادين البحثية والعلمية.

يشار إلى أن وثيقة مؤتمر اللغة العربية المنعقد في بيروت ستعد مرجعا للقادة العرب والمسؤولين وصناع القرار والمتخصصين والمهتمين وللفرد والمجتمع والدولة لتبصيرهم بما آلت إليه اللغة العربية من تراجع كبير في الكثير من المواقع، وما هي التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن، كما بادرت الوثيقة بتقديم الحلول وتحديد المسؤوليات، محملة المسؤولية للجميع بمن فيهم الفرد والمجتمع والمؤسسة والدولة.