اللغة العربية في جامعات العرب.. لا أرضا مشت ولا ظهرا قطعت

«الشباب واللغة».. أيهما فر من قسورة الآخر؟

TT

يقال: إن ما قتل سيبويه إلا حتى، وما أثقل ابن منظور إلا ترتيب الهجاء، وما ضرب مثلا بضبط اللغة كما ضرب بالجوهري، وبين هذا وذاك، ما فتئ العرب وهم يحافظون على «الضاد» أدبا ولغة وتراكيب.

ولأن نصب الفاعل ورفع المنصوب في تراث العرب أشد وقعا ممن يسب أباه، فقد مقت العرب اللحن في اللغة عبر التاريخ وامتداداته، بل إنهم تحنكوا ببديعيات اللغة وجواهرها، وأصبح التصاق العربي باللغة كالتصاق الروح بجسدها.

وقد يكون للمؤتمر الذي أقيم الأسبوع الفارط في بيروت فعل السحر، نحو جيل اتهم، في السنوات الأخيرة، بأنه فر من قسورة اللسان العربي نحوا وإملاء، نحو أجهزة الـ«آي باد» والـ«بلاك بيري» والأجهزة المحمولة على اختلاف أنماطها، فأسهبت تلكم المؤتمرات والفعاليات المعنية باللغة نحو توسيع البؤبؤ بشكل فاعل، في تحويل القدرة البلاغية والمعرفية لدى كثير من الطلبة العرب، بعد أن عانت اللغة العربية من عزوف الأجيال عن معاكظة اللغة ومضغها.

الجيل القادم من العرب أضحى أشد تفلتا من الإبل في عقلها عن العربية، وباتت حاجة اللغويين نحو صهر اللغة ببناء المناهج، حيث نثرت المحاضرات على ما يقرب من الاثنين وسبعين ساعة «عمر المؤتمر» وهي تناضح وتنافح عن تغييب اللغة تارة، والبحث عن «حقن» إنعاشية متلازمة بالعمل الجامعي والمنهجي والإلزامي للغة العربية.

ولأن آفة الأخبار رواتها، فقد أفرزت بعض الدراسات المنبثقة من أتون المؤتمر عن نظرة تشاؤمية لحال اللغة العربية بعد أن أضحت الكثير من الجامعات العربية غارقة في غيرها من اللغات، دونما تجسير الهوة لغويا بين المشرق والمغرب.

الدكتور سام عمار، الخبير اللغوي العربي يقول متحدثا عن خصائص الطريقة التواصلية في تعليم اللغة العربية الفصحى: «أصبح تدريس اللغة لأغراض تواصلية مقولة مشهورة اليوم ومتداولة بين معلمي اللغة. غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه تعليم اللغة عموما، ولغتنا العربية على وجه الخصوص، هو الابتعاد عن مجرد تعلم القواعد والتعريفات والأمثلة وسواها من المعلومات عن اللغة، إلى مستوى أعمق يركز على تعليم الطلاب مهارات التواصل اللغوي وممارسة هذا التواصل بطريقة عفوية واقعية وذات معنى في حياتهم. وهذه الممارسة تحققها الطريقة التواصلية، المعتمدة في التصميم التعليمي لمناهج اللغة العربية للكبار، والتي سنوجز خصائصها».

إن انعقاد المؤتمر في بيروت يومئ برسالة لغوية فاعلة، هي أن العرب وإن اختلفت مذاهبهم ودياناتهم، فاللغة جامعة لهم، واللسان العربي يعتبر المخلص إن جاز التعبير (العربية لغة عالمية: مسؤولية الفرد والمجتمع والدولة)، لتجسد أنها لم تكن «بانوراما» سياسية، بل تجاذبات بديعية لفظية، اتجه فيها اللغويون والعروضيون إلى تأصيل اللغة العربية، والاحتفاظ بهذا الإرث بعيدا عن إرهاصات التقنية.

وحري بالجامعات والمدارس قبلها أن تمد جسور العربية تحدثا ومنهجا، وأن تغرس في نفوس الناشئة من المحيط إلى الخليج أسارير اللغة، وبحور الجواهر اللفظية التي ميزت العرب عن غيرهم، من الأمم والثقافات التي لاكت ألسنها تضاريس الأيام والسنين، و«العربية» هي «العربية» زادها القرآن الكريم، الذي يعتبر سر الثراء اللغوي واللفظي عبر مختلف العصور وامتدادات الأيام.