السعودية: 4 أسباب تبقي «كلاسيكية» التعليم وتعرقل تحويله للمجتمعات الإلكترونية

أهمها غياب الصفوف الإلكترونية وعدم إجادة بعض المعلمين لمهارات الاتصال المعرفي

مطالب تربوية بتحويل المدارس لمجتمعات إلكترونية
TT

حدد خبراء في الاتصال التربوي أن هناك 4 أسباب رئيسية تعرقل مسيرة التعليم الإلكتروني في السعودي، يأتي في طليعتها انحسار ثقافة بعض المعلمين عن متطلبات المجتمع المعرفي، حيث لم يستطيعوا كسر كلاسيكية التعليم في الفصول الدراسية، فضلا عن عدم توافر فصول إلكترونية لإنجاح برامج المحاكاة الإلكترونية.

وقالت الباحثة الدكتورة فاتن بامفلح، أستاذة علم الاتصال والجغرافيا في جامعة أم القرى، إن الاهتمام بالتعليم الإلكتروني أخذ يتزايد في الآونة الأخيرة ليس في السعودية فقط، ولكن على مستوى العالم، فأخذت الجامعات العالمية تتجه بكثافة نحو التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد إدراكا منها للمميزات الجمة التي يحققها ذلك الأسلوب في التعليم سواء على المستوى الاقتصادي من خلال الأرباح التي يدرها على الجامعات، أو على المستوى الأكاديمي، بتوفير فرص التعليم لأشخاص قد يكون من الصعب التحاقهم بنظام التعليم بصورته التقليدية لاعتبارات كثيرة.

وزادت بامفلح: «هذا إلى جانب إسهام التعليم الإلكتروني في حل الكثير من المشكلات التي تواجهها مؤسسات التعليم التي لم تعد فصولها تستوعب الأعداد الكبيرة من خريجي التعليم العام، وقد دعا ذلك إلى اهتمام وزارة التعليم العالي في المملكة بقضية التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وتم تشكيل اللجان الخاصة بمتابعة الموضوع في الجامعات السعودية، كما تم عقد اللقاءات التي تهدف إلى دعم تلك النظم وتطبيقها في الجامعات السعودية».

وقالت بامفلح: «تشهد جامعاتنا في الوقت الراهن الكثير من التجارب في هذا الإطار، وإن كان مستوى تلك التجارب يتفاوت، فهناك الجهود الفردية التي يقوم بها بعض المدرسين في بعض الأقسام الأكاديمية، وهناك الجهود الرسمية التي تقع تحت مظلة بعض الجامعات التي أنشأت عمادات أو مراكز للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وبدأت في خوض التجربة بشكل فعلي ومنظم».

وفي ظل ذلك الاهتمام، أشارت بامفلح إلى أنه أصبح لا بد من متابعة القضايا المتعلقة بالتعليم الإلكتروني، ومحاولة التعرف على أبعاد الموضوع، وتحديد الأدوار بصورة أكثر وضوحا، والوقوف على العوائق في محاولة لإيجاد حلول لها.

وأضافت في حديثها: «لا شك أن أي فكرة جديدة تواجه بالقبول من البعض والرفض من البعض الآخر، وينطبق ذلك على التعليم الإلكتروني الذي لاقى إقبالا وتأييدا من بعض المدرسين، إلا أنه قوبل بالرفض من البعض الآخر لاعتبارات مختلفة. ولأن المدرس يمثل عنصرا رئيسيا في العملية التعليمية، حيث يشكل مع الطالب والمقررات الدراسية أضلاع مثلث تلك العملية، فسنتناول في هذه المقالة بعض الجوانب المتصلة بدور المدرس في ظل التعليم الإلكتروني، للتعرف على التحديات التي تواجهه، والأساليب المقترحة للتغلب عليها، وكذلك التعريف بالتحول الذي سيشهده دور المدرس مع استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني، فضلا عن استعراض أبرز السمات التي تميز المدرس الجيد».

وحول أهم التحديات التي يواجهها المدرس، أوضحت بامفلح أن هناك بعض التحديات التي قد تعوق أو تؤخر أو تحول دون إقبال المدرس التقليدي على التعليم الإلكتروني في بعض الأحيان، ومن تلك التحديات تذكر القلق بشأن عدم توافر المهارات الفنية الكبيرة أو الوقت لتعلم نظم وعمليات ومهارات جديدة، والجهد الإضافي المطلوب من المدرس للمتابعة المستمرة لأداء الطلبة، والاتصال المباشر معهم، وإصدار التقارير الدورية، ومتابعة البريد الإلكتروني، وتقديم المعلومات الفورية لعدد كبير ومتنوع من الطلبة.. فكل ذلك وغيره يمثل عبئا إضافيا فوق عبء العمل الموكل إلى المدرس، وقد لا يتوافر لديه الوقت الكافي للقيام به.

وزادت بالقول: «عدم اقتناع بعض المدرسين التقليديين بأهمية التعليم الإلكتروني وإيجابياته، يجعله يعزف عنه»، وكذلك عدم تقبل البعض لفكرة تقليص سلطة المدرس وسيطرته على مجريات العملية التعليمية، وبروز دور المتعلم بشكل كبير في العملية، فضلا عن مشاركة المدرس في فريق عمل لتجهيز البيئة التعليمية.

وعابت على المدرس التقليدي بأنه يقف كشخص حكيم على منصة ويؤدي دوره كمحاضر (يلقي محاضرات للطلبة)، ويقدم إجابات عن استفسارات الطلبة، ويقدم المحتوى العلمي، ويعمل بجهد فردي في معزل عن الآخرين، وله كامل السيطرة على بيئة التعليم، وأضافت «أما المدرس الإلكتروني فيقف على الجانب كمرشد، ويؤدي دوره كمستشار أو مرشد أو مقدم للمصادر، ويقوم بدور خبير يسأل الطلبة، ويصمم الخبرات والتجارب العلمية، ويشكل عضوا في فريق عمل، ويتقاسم السيطرة على العملية التعليمية مع المتعلم».

وقالت إن خبير تكنولوجيا التعليم يقع على عاتقه تحديد أكثر الوسائل التعليمية ملاءمة لتحقيق الأهداف التربوية، وهو يراعي الأسس النفسية والإدراكية ومبادئ التعلم والتعليم عند إجراء التصميم، وتزويد المتعلم بالخبرات التعليمية التي يحتاج إليها، وإتاحة المجال لتفاعله مع العملية التعليمية، فضلا عن مراعاة التوازن بين التعليم بالعرض وتقديم المعلومات الجاهزة، وإخبار الطلاب بكل ما يحتاجون إليه، وبين التعلم بالبحث عن المعلومات.

وأشارت الباحثة التربوية إلى أن «خبير تكنولوجيا التعليم أو المصمم التعليمي يقوم بتقسيم المادة العلمية أو المحتوى العلمي إلى مواضيع أو وحدات صغيرة، وتحديد الأسلوب اللغوي المناسب لتقديم المادة العلمية وعرضها (أسلوب التحاور مع الطالب عند عرض المعلومات وتقديمها)، وتقديم الأنشطة التي تؤدي إلى التفاعل الإيجابي للطالب مع النظام التعليمي، وتحديد وصياغة الأنشطة التي تمكن المتعلم من التقويم الذاتي لتعلمه».

وعن أساليب التغلب على التحديات التي تواجه المدرس، أفادت بأن هناك بعض الأمور التي يمكن القيام بها للتغلب على معظم التحديات التي تواجه المدرس، والتي أشرنا إليها سابقا، وبعض تلك الأساليب ينبغي أن يقوم بها المدرس نفسه، في حين أن البعض الآخر تتولى القيام به المؤسسة التعليمية، ومنها بذل الجهود لإقناع المدرسين بدعم التعليم الإلكتروني لهم ولتدريسهم، وتغيير معتقداتهم وطريقة تفكيرهم تجاه التعليم الإلكتروني، وإيجاد الدافع الذي يحفزهم على استخدام تلك النظم، ويمكن عقد ورش عمل وحلقات نقاش ومحاضرات لهذا الغرض.

وزادت بالقول: «تنظيم المدرس لوقته، وتقييد الوقت الذي يتفاعل فيه بشكل مباشر مع الطلبة، على أن يعرف الطلبة بذلك الوقت، يتيح المجال لهم للتواصل معه عبر البريد الإلكتروني عند الحاجة، فبدلا من أن يدخل المدرس إلى النظام أكثر من مرة في اليوم الواحد، فإنه من الممكن أن يقيد ذلك بحيث لا يتجاوز 3 أو 4 مرات في الأسبوع فقط، الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت والجهد على المدرس، ويتيح المجال لعمل الطالب باستقلالية أكبر، واكتساب الخبرات والمهارات المتعلقة بالتعليم الإلكتروني من خلال المشاركة في فريق خاص بمدرس خبير، وتصفح جماعات النقاش الخاصة به، أي من خلال زيارة مواقع مدرسين آخرين».

وأشارت نحو أهمية دراسة بعض المقررات بطريقة التعليم الإلكتروني، حيث يساعد ذلك في التعرف على الطرق المختلفة للتعليم، وتمييز الأسلوب الجيد من السيئ من خلال الممارسة، وبالتالي يكسبه المهارات التي يحتاج إليها، وتنظيم ورش عمل لتمكين المدرسين من تطوير مهاراتهم في التعليم المباشر، وإكسابهم المهارات قبل الشروع في استخدام النظام.

واستطردت بامفلح بالقول: «المشاركة في التعليم مع مدرسين آخرين، بحيث يتم تقسيم العمل بينهم، ويؤدي كل منهم مسؤوليات معينة، أمر يضيف للعملية التعليمية ويحقق مميزات كثيرة، من بينها: إضافة خبرات ومهارات متعددة للبرنامج، وإنقاص عبء العمل، والتركيز بشكل أكبر وعمق أكثر على الطلبة، وسد النقص الذي قد يحدث في حالة غياب أحد المدرسين».

واختتمت بالقول: «الممارسة الفعلية من شأنها أن تكسب المدرس خبرات، وتساعده على تطوير نفسه وتجنب الأخطاء التي قد يقع فيها في بداية ممارسته واستخدامه للنظام، فالمدرس لا يصبح مدرسا جيدا بين ليلة وضحاها، ولكنه يصبح كذلك بعد عملية إكسابه الخبرة بالتعليم الإلكتروني ومهاراته، والقدرة على العمل مع فريق العمل، والالتزام بالنشاطات المتعلقة بالتعليم الإلكتروني. وهو يتدرج من المرحلة التي يبدأ فيها بالتآلف مع نظام التعليم الإلكتروني المستخدم، والاستفادة من الدعم الفني المقدم من مركز تقنية المعلومات إلى أن يتفاعل مع النظام، ويشارك في تطوير البيئة التعليمية، ومن ثم يصل إلى مرحلة التكامل في الخبرات والمهارات ويصبح قادر على القيادة في تطوير برامج التعليم الإلكتروني».

أما الدكتور زكريا لال، أستاذ الاتصال التربوي والتكنولوجيا في جامعة أم القرى، فيرى أن الاتجاه نحو التعليم الإلكتروني أكثر إيجابية، وبخاصة بين شريحة المعلمين الذكور دون الإناث؛ وهذا ليس معناه عزوف المعلمة عن التعليم الإلكتروني، ولكن قد يرجع هنا إلى تعدد أدوارها الاجتماعية، فهي ليست معلمة وحسب، بل أيضا أم ومربية، ولها أدوار اجتماعية أخرى.

وذكر أن المعلم ربما لديه الوقت الكافي لكي يكون أكثر اهتماما بالمستجدات في نطاق التقنيات، كما أن اتجاه المعلمين ذوي التخصص العلمي نحو التعليم الإلكتروني أكثر إيجابية، وقد يرجع هذا إلى أن مجال العلوم في حاجة ماسة إلى التعرف على ما هو جديد في نطاق العلم. إضافة إلى هذا، تبين أن اتجاه المعلمين ذوي الخبرة في مجال العمل أقل من 5 سنوات أكثر إيجابية، وقد يرجع إلى أن المعلمين الشباب أكثر تطلعا وشغفا في التعامل مع التقنيات المختلفة.

وزاد بالقول: «تقوم فلسفة التعليم الإلكتروني على إتاحة الفرصة للجميع في أن يتعلم المتعلم وفقا لقدراته وإمكاناته، وذلك للعمل على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين جميع المتعلمين دون التفرقة بسبب العرق أو النوع أو اللغة، وكذلك الوصول إلى الطلاب الذين يعيشون في مناطق نائية ولا تمكنهم ظروفهم من السفر، أو الانتقال إلى الحرم الجامعي التقليدي؛ وأيضا إتاحة الفرصة للطلاب المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة بالحصول على فرصة التعليم وفق إمكاناتهم، ووفقا للمعدل الفردي المناسب لكل طالب على حدة».