أكاديميون يطالبون بإيقاف سحب «الجوالات» من الطلاب في المدارس

قالوا إن تطبيقاته تعزز مفهوم الفصول الذكية

TT

طالب تربويون في السعودية بعدم منع استخدام «الجوالات» داخل الفصول الدراسية، مطالبين بفرض تطبيقاتها على الواقع الدراسي بغية خلق مفهوم عصري يتواءم مع متطلبات المجتمعات المعرفية وربطها بالمنهاج التربوي.

وشهد القطاع التعليمي العام بالسعودية قفزات نوعية متعددة، من خلال تطوير المناهج الدراسية وتنوع الأنشطة الصيفية بالمدارس السعودية. وعلى الرغم من ذلك ما زال التعليم يواجه معوقات في إخراجه من الصورة النمطية للتعليم، في الثالوث المتمثل في المعلم والبيئة التعليمية والمناهج الدراسية.

لطيفة خليل العتيق، الأكاديمية بمجال تقنيات التعلم، ترى أنه في أغلب المواد ينتهي الدرس بمجرد انتهاء الحصة الدراسية، بلا تواصل ولا تطوير ولا اهتمام بالطالب، فتكون الفجوة بين الواقع والمأمول عميقة وتضيع العقول التي بحاجة لاحتضان وتطوير لما لديها من أفكار ومهارات قد تكون ابتكارات اليوم أو الغد. وأوضحت العتيق أن فتح أبواب التغيير يمثل حاجة حقيقية للتعلم الفعّال ولقرصنة نمطية التعليم التقليدي المبني على التلقين بتحويله إلى تعلم ذاتي موجه بمساعدة تقنية المعلومات والاتصال من خلال دمجها بالتعليم.

وجاءت فكرة قلب واقع الفصول الدراسية وإعادة تصميمها كبيئة عملية تخدم التعليم بصورة متكاملة، لتضمن زيادة دافعية الطلاب للتعلم وتحفيزهم لتطوير مهاراتهم وفق حاجاتهم ورغباتهم، وذلك بمواكبة مستحدثات التقنية في التعليم، بأن تكون الدروس النظرية تُدرس بواسطة أدوات التعلم الإلكتروني في المتنقل، من خلال تطبيقات الهاتف الجوال، أو البرامج والمواقع الافتراضية، التي يستطيع أن يتعلم الطالب من خلالها بطريقة متزامنة مع شرح أستاذ المقرر، أو غير متزامنة بحيث يُمكن أن يجدها الطالب محفوظة في التطبيقات والبرامج. وبالمقابل تكون القاعة الدراسية بيئة تعلم مع العمل ضمن مجموعات وحلقات نقاش قائمة على مشاريع.

ومع ذلك تقع على عاتق المؤسسات التربوية اليوم تحديات لمواكبة تلك التطورات التقنية المعرفية، لتوفير تعليم وتعلم مرن يتوافق مع حاجات جيل اليوم الذي أصبح على وعي كبير بالمتغيرات على كل الأصعدة بما فيها التطور التقني، من تطوير المنهج الدراسي وتأهيل المعلمين وقلب البيئة التعليمية للتناسب والتطور العالمي في تقنيات التعليم. فتطور المنظومة التعليمية وتعرضها للكثير من النقد والتصحيح في السنوات الأخيرة أفضى إلى فهم عميق للبيئة التعليمية ومحفزاتها وأفضل الطرق لفهم نفسيات المتعلمين وخبراتهم واستثمارها في عملية التعلم.

ومن جانبها، أشارت التربوية روزانا عرواني، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الرحلات المدرسية الميدانية من أهم المحفزات التعليمية المتبعة حديثا للتغلب على الروتين اليومي للبيئة الصفية، وإكساب خبرات جديدة من خلال تطوير قدرات الطفل المعرفية والاجتماعية، فيتذكر الأهل سعادة طفلهم عند عودته من رحلة تعليمية وهو يصف ماذا فعل وماذا تعلم وشعوره تجاه هذه التجربة. وأبانت عرواني أن الكثير من المدارس الخاصة بالسعودية لا تهتم بالرحلات الميدانية التعليمية، بل يقوم الطفل بما معدله ثلاث أو أربع رحلات في السنة الدراسية يكون معظمها بغرض الترفيه والتسلية. وأردفت بالقول «نحن لسنا ضد التسلية والترفيه وإعادة شحن الطاقات الطلابية نفسيا وعاطفيا، لكننا نفضل اقترانها بالتعلم الجدي لاكتساب المهارات الحياتية والأخلاقية التي تعد ركنا أساسيا في نجاح الطلاب في حياتهم وتفاعلهم مع محيطهم».

وتتساءل لطيفة العتيق حول الدينامو المحرك للعقول والمصمم للبيئة التعليمية، وهو المعلم وكيفية قياس كفاءته قبل انخراطه في السلك التعليمي، ومدى تأهيله لتعليم طلاب اليوم المعرفة، والمهارات التي يمتلكها لتقديم تعليم يتناسب مع حاجات الفئة المستهدفة، وهل يمتلك مواصفات القائد المبدع لتغيير القاعة الدراسية بطرق متنوعة، وغيرها الكثير من الأسئلة التي تعتبر مشاكل فعلية لتهيئة معلمي اليوم؛ مشيرة في الوقت ذاته إلى أن من الحلول الفعالة في ميدان التعليم رخصة قيادة التعليم للمعلمين التي تجدد بشكل دوري لتقويم وإصلاح التعليم العام بشكل جاد.

ولعل أحد الأمثلة العملية لإصلاح البيئة التعليمية ما قام به أحد المعلمين السعوديين بمجهود فردي، لتغيير طرق تدريس المنهج الدراسي وتحفيز طلابه على التعلم بشكل سريع ومرن. فقد ابتكر المعلم تركي المحيسن مسابقة تحفيزية سماها بـ«سوق الدنانير»، حيث جعل طلابه محفزين لجمع أكبر عدد من الدنانير في الأسبوع من خلال اجتهادهم في حفظ المطلوب من المقرر، والمحافظة على سلامة سلوكهم داخل الفصل وخارجه، فتنافس الطلاب على جمع أكبر فئات من الدنانير من معلميهم طوال الأسبوع ثم إيداعها في بنك إلكتروني على ملف خاص برائد الفصل بنهاية كل أسبوع، ليحظوا بنهاية العام الدراسي على الجوائز التي حصدوها من جمع الدنانير.

ويذكر تركي المحيسن لـ«الشرق الأوسط» أن هدف المسابقة هو ربط مستوى الطالب بما يعطى تربويا وأخلاقيا وعلميا، ولا تقتصر تلك المسابقة على داخل الفصل بل على سلوك الطالب مع والديه والمعلمين خارجه. ويرى المحيسن أن المسابقة أثرت على طلابه إيجابيا لحماسهم الكبير لتجميع أكبر عدد من الدنانير، مما دفعهم لحفظ المناهج والاجتهاد بالصف خشية فقدانها، حيث يخصم عدد من دنانير الطالب لو لوحظ عليه تقصير من الناحية الدراسية والسلوكية.