السعودية تخسر مليار دولار سنويا جراء ظاهرة رمي المناهج الدراسية

«التربية والتعليم» تتحفظ ومطالبات بعمليات «تدوير» عاجلة

المدرسة والمنزل شركاء في تفشي ظاهرة رمي المقررات الدراسية
TT

انتقد مراقبون متخصصون بصناعة المناهج في السعودية، الطريقة التي وصفت بالعشوائية جراء إهدار ثروة تعليمية مع نهاية كل فصل دراسي، تكمن في المنهاج المدرسي الورقي الذي تكتب نهايته على أيدي الطلبة والطالبات آخر أيام الاختبارات دونما الاستفادة منه في عمليات التدوير أو ترحيله للجيل الذي يليه. ورفضت الجهات الإعلامية بوزارة التربية والتعليم في السعودية التعقيب على تساؤلات «الشرق الأوسط» حول مدى الحاجة للاستفادة من تدوير المقررات الدراسية، أو التوجه إلى إيجاد نظام يلزم طلاب المدارس بإرجاع المقررات الدراسية في نهاية العام، ليتم الاستفادة منها إما بالتدوير أو بإعادة استخدامها من قبل المدارس، خاصة أن الوزارة تنفق ما قيمته مليار دولار على طباعة هذه المقررات سنويا.

المتتبعون للمشهد التعليمي، خاصة في السنوات الأخيرة في السعودية، يدركون من خلال سلوك معظم الطلبة حجم الخسائر المادية، والثقافية، التي يتسبب الطلبة فيها نتيجة رميهم للمقررات الدراسية، نهاية كل عام دراسي، وعدم الاكتراث بها كمخزون علمي أو حتى ثقافي. وبحسب إحصاءات وزارة التربية، فإن إجمالي عدد الطلاب المنتسبين لوزارة التربية والتعليم يبلغ 5 ملايين طالب، وطالبة.

وبحساب رياضي، فإن عدد الطلاب والطالبات في السعودية نحو الخمسة ملايين، يعطون ما معدله 30 منهجا على مدى الفصلين الدراسيين، في سعر متوسط 7 دولارات للمنهج الواحد، ليقفز الناتج على رقم يعتبره كثير من المراقبين أنه «صنو» الهدر.

ويضيف الدكتور سعد الأزوري، الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة الشركة السعودية للطباعة والتغليف، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن وزارة التربية والتعليم تنفق 250 مليون ريال سعودي سنويا على طباعة المقررات الدراسية، ولا يرى أي جدوى اقتصادية من إعادة تدوير الكتب المدرسية، أو حتى إلزام الطلاب إرجاعها، للمدرسة خاصة أن فكرة تجديد الكتب غير عملية، وأن هذه الفكرة شبه مستحيلة، لا سيما أن ما يمكن تجديده هو فقط غلاف الكتاب، ويستحيل إعادتها كما كانت، وأن التكلفة قد تكون أعلى من طباعتها.

ومن واقع خبرته العملية، يؤكد الأزوري أن استحداث نظام لاسترجاع الكتب شبه مستحيل، وذلك بالنظر إلى القيمة العائدة من إعادة التدوير التي وصفها بـ«البسيطة جدا»، إضافة إلى أن تكلفة النظام الذي قد تضعه الوزارة لإعادة الكتب وجمعها ستكون أعلى تكلفة من تركها، وذلك بمقارنة أسعار طن الورق كطباعة كتب التي قد تصل إلى حدود الثمانية آلاف للطن الواحد، بينما سيكلف بيعها في السوق لإعادة تدويره من 300 إلى 400 دولار، وهو ما يعني أن هناك عشرة في المائة من قيمتها، ولو أن الوزارة ستعمل على جمع الكتب وإعادة تدويرها فسيكلفها هذا أكثر، مقترحا «وفي حال أرادت وزارة التربية والتعليم التوفير والاقتصاد في القيمة التي سيدفعونها لطباعة الكتب والمقررات الدراسية فقد يكون من المجدي لهم أن يطبعوا كل ثلاث سنوات، بعكس ما هو معمول به الآن».

«أي ظاهرة اجتماعية تبدأ في المجتمع لديها مسبباتها»، ذلك ما قاله الخبير الأكاديمي يوسف الثقفي بجامعة أم القرى تخصص تاريخ حديث وعلاقات سياسية، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، الذي أكد أن ظاهرة رمي الكتب المدرسية نهاية كل عام دراسي ظاهرة سلبية بدأت بالانتشار في مختلف المراحل التعليمية منذ فترة ليست ببعيدة، وأن هذه الظاهرة السلبية تكبد وزارة التربية والتعليم ملايين الريالات على الصعيد المادي سنويا، وعلى الصعيد الثقافي هناك ثروة ثقافية مهدرة.

إلا أن محمد أنس بدر، عضو لجنة إعادة التدوير سابقا بالغرفة الصناعية بجدة، والمدير التنفيذي بإحدى الشركات المتخصصة بالتدوير، يري في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن هناك هدرا كبيرا سنويا للأوراق ولا يستفاد منه، في الوقت الذي توجد شركات عملاقة في السعودية لإعادة تدوير الورق، وقال: «في حال لم يكن هناك توجه للاستفادة من تدويرها، فهناك دور للوزارة للحد من هذا النزيف السنوي من خلال إلزام الطلاب إعادة الكتب إليها بعد نهاية كل عام، ولا يسلم الطالب نتائجه إلا بعد ذلك». ويقترح أنه «في حال لم تكن الوزارة ترغب في أن تقوم بهذا العمل، فعليها أن توكله إلى إحدى الجمعيات الخيرية المتخصصة بجمع الورق وتدويره»، مردفا «عمليا، حتى الكتاب الذي يرميه الطالب في الشارع في النهاية يصل مصانع التدوير من خلال شركات النفايات، إلا أنها تصلهم ملوثة، وبعد أن تكون قد أهدرت جهد، ووقت العاملين على فرزها»، مؤكدا أنه لو كانت تلك الكتب وصلت إلى شركات التدوير دون المرور بشركات جمع النفايات كان أوفر لهم.

وبالعودة للثقفي، الذي يعتبر من المناصرين للمقولة المأثورة «حافظ على القرش وإن سقط، فإن السيل من النقط»، فإنه لا يؤيد إلزام الطلاب إرجاع المناهج الدراسية إلى المدرسة نهاية كل عام أو فصل دراسي للاستفادة منها للمراحل القادمة، ويؤكد مدى سلبية هذا الأسلوب على الطالب في مفهوم بناء الثقافة الخاصة به، وأن هذه الكتب لا بد أن يستفاد منها في بناء ثقافة الطالب، وإثراء رصيد المكتبة الشخصية مستقبلا، لكن أن تعطى ومن ثم تؤخذ فهذا غير مقبول، فلا بد من التوعية، ووضع المناهج التي من شأنها خدمة ثقافة الطلاب على نحو يستفيدون منها. ويؤكد الخبير التعليمي أن «هناك عدة أطراف تشترك في تفشي هذه الظاهرة، وهي: المدرسة والمنزل والمعلم تحديدا، حيث إن توعية الطالب بأهمية تلك الكتب، وأهمية اقتنائها وقيمتها الثقافية، يقع على عاتق المعلم، لكن إن لم يجد التوجيه من الأشخاص المعنيين في البيت والمدرسة، فلا نلقي اللوم على الطالب، حيث إنه لم يجد من يوعيه بذلك منذ المرحلة التعليمية الأولى له، خاصة أن الأمية حتى وقت قريب كانت سائدة بين أفراد المجتمع تجاه تكوين مكاتب شخصية، مما يعني أنهم يعانون فراغا ثقافيا».

ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل ذهب الثقفي إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أن «هناك فجوة حقيقة قائمة بين المناهج والطلاب، حيث إنها لم ترسخ مفاهيم الحفاظ على مصادر العلم»، ليحلل بأنه قد يكون سبب عدم اهتمام الطلاب بالاحتفاظ بالمقررات المنهجية هو أن المناهج الدراسية الموضوعة على مختلف المراحل التعليمية وضعت بأيد غير متخصصة، وأنها لا تخدم طموح الطالب، ولا تلبي رغباته الثقافية، ولا تمس الواقع بصلة، فتجده يتخلص منها في أول فرصة يتأكد أنه لا يحتاجها، خاصة في ظل غياب بعض المواد في المراحل الأولى التي تشعر الطالب بأهمية هذه الكتب مثل مادة مناهج بحث.

وهنا، يعود من جديد عضو لجنة إعادة التدوير سابقا بالغرفة الصناعية بجدة ليبين أنه «عندما ترمى الكتب في الشوارع وفي حاويات النفايات، ويتم جمعها من قبل سيارات جمع النفايات، لأخذها إلى المرمي أو المكب، لفرزها تكون قد تلوثت، وأن هذا التلوث مما لا شك فيه سيخفض من سعرها بعكس إذا ما كانت الجهة التي تملك المواد المراد تدويرها أوصلتها إلى شركات التدوير مباشرة، دون وسيط ستختصر الجهد والمال عليهم، وأن الفائدة لها ستكون أكبر، لا سيما أن شركات الفرز تأخذ نسبة على عملية فرزها النفايات»، موضحا أن «الحل يكمن في أن يلزم الطالب بإعادة الكتب للمدرسة، أو التعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية للاستفادة منها، أو السماح لبعض الشركات المتخصصة بجمعها. في حال لم تكن الوزارة لها مصلحة من تلك الكتب».