السعودية: بادرة من طلاب جامعيين تبدد تردد الطلبة في اختيار تخصصاتهم

أكثر من 16 ألف طالب مستفيد من المبادرة

يحث القائمون على المبادرة الطالب على ألا يتأثر بحديث الناس من حوله في تحديده لتخصصه
TT

«ليس من سمع كمن رأى».. على وقع هذه العبارة بادر طلاب جامعة الملك سعود بإطلاق بادرة «أرشدني» قبل ما يقارب الثلاث سنوات، لتعريف طلاب الثانوية والطلاب الجامعيين في السنة التحضيرية بالكليات والتخصصات التي يرغبون في الالتحاق بها، فضلا عن الأخذ بأيديهم نحو التعريف بكل التخصصات لمساعدتهم في اختيار ما تميل إليه نفوسهم، ويرغبون فيه فعليا.

وما يميز البادرة هو الصبغة الطلابية التي اتخذتها، حيث يتم تعريف الكليات والتخصصات كافة، عن طريق مجموعة من طلاب السنتين الثالثة والرابعة من طلاب التخصص، الذين يوضحون من خلال محاضرات وجلسات نقاش مميزات الالتحاق بكلية أو تخصص معين بناء على التجربة الشخصية للطالب، وبالمقابل إبراز الجوانب السلبية من ضغوطات قد يمر بها الطالب المستجد على التخصص.

وبلغ عدد المستفيدين من المبادرة خلال السنة الماضية فقط أكثر من 16 ألف طالب، بينهم 8772 طالبا من السنة التحضيرية، و326 طالبا في المرحلة الثانوية من 10 مدارس. وبحسب القائمين على المبادرة فإن عدة جامعات سعودية استفادت من المبادرة كجامعة القصيم وجامعة نجران وجامعة طيبة بالمدينة المنورة والتي تقيم برامج مشابهة لـ«أرشدني».

ويحث القائمون على المبادرة الطالب على ألا يتأثر بحديث الناس من حوله في تحديده لتخصصه، أو الإحباط من تخصص معين لنفس السبب، كون اختيار الكلية والتخصص شأنا خاصا بالطالب وحده، فهو الذي سيحدد شكل حياته الجامعية خلال أربع أو خمس سنوات، فينذر جل حياته لها في الدراسة والعمل، ويفعل المستحيل ليضع بصمته عليها.

ويتكون برنامج مبادرة «أرشدني» من عدة خطوات، الأولى وهي التمهيدية تتكون من دورة تدريبية قصيرة تقام في يوم واحد متاحة لجميع طلاب الكلية بعنوان «كيف تختار تخصصك؟»، يلقيها محاضر معتمد ومتخصص في هذا المجال، ثم يحضر الطالب عددا من المحاضرات تتحدث عن جميع الكليات التي قد يرغب أن يلتحق بها في المستقبل، يلقيها طلاب من السنوات المتقدمة في الكلية، وذلك حرصا على جودة المعلومة المقدمة، ولعرض محاسن ومساوئ الكلية بكل صدق وشفافية من خلال التجارب المختلفة. ويتم بعد ذلك تخصيص وقت كاف لطرح التساؤلات حول التخصصات والكليات، من خلال أركان تعريفية يكون فيها التحاور بشكل مباشر بين الطالب والطلاب ممثلي الكليات المتخصصين، الذين يأخذونه في جولة في أرجاء الكلية لجعل تصوره عن الدراسة أكثر وضوحا.

وأفاد بدر حمدان الغامدي، وهو طالب جامعي والمشرف الحالي على المبادرة، بأن «أرشدني» تسعى في كل سنة إلى توضيح كل صغيرة وكبيرة في الكليات من تخصصات بحتة إلى أقسام الكلية الرئيسية وأيضا فرص إكمال الدراسة خارجيا أو محليا، من خلال محاضرات توعوية للطلاب بأهمية اختيار التخصص الأفضل لهم، ومعارض للكليات للتعريف بالتخصصات والإجابة عن أسئلة الطلاب بشكل مباشر، وتم إصدار مجلة تحت مسمى «مساري»، وأيضا فيلم وثائقي عن المبادرة للمخرج علاء مكتوم تحت مسمى «كيف تختار تخصصك الجامعي؟»، وأخيرا عرض «ستاند أب كوميدي» شارك فيه العديد من نجوم برامج «اليوتيوب» عن التخصصات الجامعية.

وأشار بدر الغامدي إلى أن «باب التسجيل في المبادرة يفتح في كل عام لجميع الطلاب الراغبين في تمثيل كلياتهم، ومن ثم تتم مقارنة السير الذاتية للطلاب، وفي النهاية يتم عمل مقابلة شخصية، لننتهي بذلك بممثل لكل كلية، ليقدم فى بداية الفصل الثاني من العام الدراسي محاضرة تشمل كل ما يخصّ الدراسة والتخصصات وأيضا فرص الدراسات العليا بنفس التخصص أو الكلية».

ولفت مسؤول المبادرة الغامدي إلى وجود صعوبة في بداية المبادرة لعدم تقبل الطلاب للمبادرة، ويقول «المبادرة جديدة على مجتمعنا السعودي، حيث إن آباءنا وأمهاتنا دخلوا تخصصاتهم حسب ما كان متاحا لهم في ذلك الوقت وليس حسب رغبتهم، ولكن بعد المحاضرات التوعوية انتهت تلك العقبة».

ويواجه العديد من الطلاب حيرة وترددا عند اختيار التخصص الجامعي الملائم، الذي يلبي طموحاتهم ويتناسب مع قدراتهم العلمية وميولهم الشخصية، في حين يجد البعض أنفسهم قد وقعوا في دوامة الحيرة، التي لطالما شكلت لديهم صعوبة في الخروج منها جراء اختيارهم تخصصات ليكتشفوا بعد فوات الأوان عدم مقدرتهم على متابعتها، وإذا استمروا فيها فإن الفشل قد يكون حليفهم؛ مما يتسبب في ضياع جهودهم وسنوات دراستهم حال لجوئهم لتغيير التخصص الدراسي، ولتلك الحيرة وذلك التردد أسباب كثيرة، من ضمنها عدم النضج أو القدرة على اتخاذ أولى القرارات المصيرية في هذه المرحلة المفصلية والمهمة في حياة الطالب الجامعي. ويغلب على وجود تلك الحيرة ضغوط تفرض من قبل أولياء الأمور على أبنائهم لاختيار تخصصات لا تناسبهم، رغم أنه من المفترض على الأهل توجيه اهتمامات وقدرات وميول أبنائهم في الاتجاه الصحيح، ومساعدتهم على اختيار التخصص المناسب، كما أن على الطالب أيضا أن يتواصل مع الجامعات ويستشير أهل الاختصاص حتى يكون بمنأى عن سوء الاختيار، بالإضافة إلى أن المؤسسات والوزارات التي تعنى بالجانب العملي تضطلع بدور كبير في التعريف بحاجات سوق العمل والتخصصات الملائمة التي يحتاجها، حتى تتوافق مخرجات التعليم مع الحاجات الفعلية للسوق، وبالتالي تضمن استفادة الطالب من التخصص الذي يدرسه.

وسعت عمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود متمثلة ببرنامج الشراكة الطلابية وعمادة السنة التحضيرية لإبراز دورها في مجال التخصيص من خلال خلق البرامج المبتكرة وبناء التفكير الصحيح الآمن، وإكساب المهارات المطلوبة لمواكبة ما يحدث، بما يخدم التنمية والتحول إلى الاقتصاد المعرفي لتأهيل خريجي الجامعة لسوق العمل بمهنية واقتدار، حيث اختتم مسؤول المبادرة بدر الغامدي بالقول «المبادرة كانت فاتحة للطريق، ولن تكتمل إلا بوجود مركز متخصص عن اختيار التخصص ومشاكله، وسيتم افتتاح هذا المركز في السنة التحضيرية بجامعة الملك سعود العام القادم، وسيكون هذا المركز بمثابة مكمل لمسيرة المبادرة لنشر الوعي لدى المجتمع في هذا الصدد».