خبراء تعليم لـ«الشرق الأوسط»: العالم العربي لن يستطيع القضاء على أمية الرجال قبل 2025 والنساء قبل 2040

28% نسبة الأمية عربيا واعتراف بقصور المخصصات المالية لعلاجها

السعودية من أكثر الدول العربية محاربة للأمية
TT

توقع خبراء في التعليم لـ«الشرق الأوسط» ألا يستطيع العالم العربي القضاء على أمية الرجال قبل 2025، في وقت لن يستطيع فيه القضاء على أمية النساء قبل 2040.

وقال الدكتور عبد العزيز بن عبد الله بن سعد السنبل، أستاذ التربية في جامعة الملك سعود، لـ«الشرق الأوسط» إن الدول العربية المشاركة في الدراسة تخصص مبلغ 82.856.444 دولارا سنويا لصالح برامج محو الأمية؛ أي ما يعادل 0.24 في المائة من موازناتها المخصصة للتربية والتعليم، وهي نسبة ضئيلة بالمقارنة لما ينبغي أن يرصد لهذا الهدف الذي تحدده الدراسات بنسبة 12.5 في المائة.

وأفاد السنبل بأن السعودية تخصص أكبر مخصصات مالية لمسألة محو الأمية مقارنة مع جميع الدول المشاركة، إذ تبلغ مساهمتها (47.706.767) مليون دولار، أي ما يقارب ثلثي ما تخصصه جميع الدول، أما أقل الدول من حيث تخصيص الاعتمادات فهي موريتانيا وإن كانت هي الأعلى من حيث النسبة والتناسب، حيث تبلغ مخصصات موريتانيا لبرامج محو الأمية 2.89 في المائة من إجمالي موازنتها المخصصة للتعليم. وتشير الدراسة إلى أن نسبة نمو ميزانيات تعليم الكبار تبلغ 15.6 في المائة سنويا في الدول التي هي محل الدراسة.

وأفاد بأن الدول العربية تنفق ما يقرب من 84.4 في المائة من الميزانيات المخصصة لمحو الأمية كرواتب وأجور ومكافآت للهيئة التعليمية. وتأتي المخصصات للبحث العلمي رغم أهميتها في المرتبة الأخيرة في بنود الإنفاق. وفي ما يتعلق بدور المجتمع المدني، فأوضح أن المجتمع المدني والتنظيمات الشعبية لعبتا دورا أكبر في تمويل برامج محو الأمية في دول المغرب العربي مقارنة بما هو عليه الحال في دول الخليج. ولعل هذا ما خفف العبء على كاهل دول المغرب العربي وجعلها ربما تخصص موازنات أقل لمشاريع محو الأمية، وانتهت الدراسة بتقديم بعض التوصيات لتفعيل مسألة تمويل برامج محو الأمية.

أشرف البطران، أكاديمي فلسطيني، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن ثمة تساؤلات كثيرة تدور في أذهان المتابعين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي في كثير من بلدان العالم، لا سيما في العالم العربي، في ما يتعلق بمدخلات النظم التربوية ومخرجاتها، ومدى مواكبتها للعصر الحديث، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلدان العربية.

وأفاد البطران بالقول: «على الرغم من مضي خمسين عاما أو يزيد على تحرر كثير من البلدان العربية واكتشاف الثروة النفطية الهائلة التي عادت عليها بالمردود المادي الضخم، فإن النظم التربوية فيها لم تؤت أكلها حتى الآن، ولم تحقق نقلة نوعية في مجتمعاتها على الأصعدة كافة، إضافة إلى تدني التعليم وتراجع مكانته وقيمته في سلم أولويات المواطن. فلو أخذنا كوريا الشمالية - على سبيل المثال - تلك الدولة النامية والفقيرة التي تعاني أوضاعا اقتصادية مأساوية، نرى أنها استطاعت القضاء على الأمية الأبجدية والعلمية والتكنولوجية، وتغلبت على كل مخرجات الحياة العصرية، وتفاعلت معها، وشاركت في إنتاجها.

وساق الخبير الأكاديمي حديثه بأن «الدول العربية لم تستطع القضاء على الأمية الأبجدية التي تجاوزت السبعين مليون أمي حسب آخر إحصائية لتقرير التنمية العربية. وبالاعتماد على تقديرات الباحثين، فإنه من المتوقع ألا يستطيع العالم العربي القضاء على أمية الرجال قبل 2025، أما بالنسبة للنساء فسوف لن يكون ذلك قبل 2040».

وأفاد البطران بأن هذه الكارثة القومية تنبأ بها كثير من المفكرين والتربويين العرب، ونتيجة السجالات الدائرة لوضع آلية معينة للخلاص من هذه الكارثة، ووضع تصور جديد لحل إشكالية الفكر التربوي العربي الحاضر الذي يمثل عصر انحطاط بالنسبة لماضيه الزاهر والحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية.

من جهته، قال الدكتور يحيى الصايدي، المدير الأول للتربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، «إن نسبة الأمية في العالم العربي وصلت إلى نحو 27.9 في المائة من إجمالي سكان العالم العربي البالغ 350 مليون نسمة، حيث تهدف الورشة إلى تزويد المشاركين بالمعلومات والمهارات والاتجاهات العالمية والحديثة وتقويم أداء معلمي الكبار، وذلك من خلال تحليل مفهوم التقويم عموما وتقويم أداء معلم تعليم الكبار على وجه الخصوص، ورصد أهم الإشكاليات التي تطرح راهنا في هذا المجال».

وأضاف الصايدي بالقول: «يجب تحديد موقع التقويم في العملية التعليمية بوجه عام ودوره في تعديل المسار التعليمي وتحقيق النمو المهني للمعلم، توصيف الكفايات المستوجبة لدى معلمي تعليم الكبار التي يمكن في ضوئها تقويم أداء هذه الفئة من المهنيين بدءا من وضع أهداف التقويم، وبناء الأدوات القابلة للاعتماد سعيا لتحقيق هذه المهمة، والأشكال الممكنة لملاحظة الأداء، وصولا إلى الاستغلال الأمثل للمعطيات التي يمكن جمعها عبر عمليات الملاحظة، اقتراح مجموعة من أدوات الملاحظة والتقويم (بطاقات ملاحظة، ملف الإنجاز، إلخ..) القابلة للتطويع والتكييف مع مقتضيات مختلف السياقات والأوساط التي يمكن أن تستخدم في إطارها بغية الحصول على بيانات ذات التصاق بالواقع وذات وجاهة وصدقية من الناحيتين النظرية والعملية».

وأشارت إحدى الدراسات المقدمة حديثا إلى أن الأمية تصل في بعض الدول العربية إلى 60 في المائة، في الوقت الذي لا تزيد فيه عن 3 في المائة فقط في بعض الدول الصناعية، واستخدام الوسائل التقنية لدينا في التعليم أمر شبه معدوم، أو محدود جدا وبصورة بدائية مخجلة، وهناك مشاكل كبيرة في السياسات التعليمية، والإدارة التربوية، وقصور كبير في إعداد وتأهيل المعلمين، وخلل فادح في المناهج التي تعتمد على الشكل النظري، ولا تقترب إلا لماما من التطبيق العملي حتى في الجامعات والأقسام العلمية.... وطبعا، فإن هذه المشاكل لا تقتصر فقط على قطاع التعليم، ولكنها تنسحب مع الأسف على كافة مجالات الحياة الأخرى.

واعتبرت الدراسة أن المهم هو إصلاح العقول وإعادة صياغة وتشكيل شخصية الإنسان العربي المسلم؛ لتنهض على أسس دينية وقِيَمِيَّة وحضارية حقيقية، ولن يتم ذلك قبل إصلاح مجال التربية والتعليم، إصلاحا ينبع من حاجاتنا الحقيقية، بعد دراسة واستيعاب حجم المشاكل التي يعانيها التعليم لدينا، وتبني استراتيجية شاملة متكاملة تحقق الغايات السامية التي نسعى إليها.

وقالت إن للتعليم تأثيرا محوريا في حياة الأمم ومستقبلها، فإما أن يقفز بها - إن كان تعليما راقيا متقدما - إلى مصاف الدول المتقدمة، ولنا في اليابان وماليزيا وكوريا وتايوان والصين.. وغيرها المثال العملي في هذا المجال، فهذه الدول تمثل نموذجا يحتذى به في مجال النهضة والتنمية الشاملة المتكاملة التي أسست على التعليم، فقد استغلت هذه الدول كفاءاتها البشرية، وطورت مستوى التعليم في مدارسها وجامعاتها وذللت العقبات أمام الابتكار والإبداع، ووضعت الخطط والاستراتيجيات العلمية والتقنية، فطورت صناعاتها واقتصادياتها حتى غزت معظم دول العالم بمنتجاتها، وقد أشار أحد التقارير الدولية إلى أن دولا مثل: تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية تنفق على البحث العلمي أكثر مما تنفقه إيطاليا وكندا.