المدارس الثانوية التكنولوجية في أميركا.. الأمر أكثر من شهادة

TT

طبقات الطلاء الأخضر التي تغطي عتبة النافذة في الطابق الثالث تتقشر. وتغطي الشرائط اللاصقة أجزاء بعض المكاتب، في حين تحمل مكاتب أخرى رسوم جرافيتي. المشهد على الجانب الآخر من الشارع عبارة عن صف من الأحجار البنية المتراصة. ربما يبدو المبنى ومحيطه في حي كراون هايتس ببروكلين متهالكا، لكن ربما يضم المبنى رقم 150 شارع ألباني أفينيو بين جدرانه مستقبل التعليم المهني في البلاد، حيث يوجد أول 230 تلميذا في أول نوع من المدارس التي تمزج بين مناهج التعليم الثانوي والتعليم الجامعي في برنامج مدته ست سنوات لتأهيل التلاميذ للعمل في مجال التكنولوجيا. ومن المقرر أن يشهد عام 2017 تخريج أول دفعة في مدرسة «بي تك»، وهي اختصار «باثوايز للتكنولوجيا والتعليم الثانوي الجامعي المبكر». ومن المفترض أن يحصل هؤلاء على شهادة في العلوم التطبيقية في أنظمة معلومات الحاسب أو تكنولوجيا الهندسة الكهروميكانيكية بعد اجتياز برنامج دراسي تم وضعه بالتعاون مع شركة «آي بي إم».

وتقول مونيسيا ماكنايت (15 عاما) وهي تجلس لتلقي درسا في أنظمة الحاسب على يد أستاذ جامعي «أنا في الصف العاشر وأدرس مناهج الجامعة. إن هذا لأمر رائع حقا». يعد عدد خريجي الجامعات في الولايات المتحدة هو الأكبر على مستوى العالم، مع ذلك يواجه الكثير من خريجي الجامعات اقتصادا متحولا لم تعد تحتاج فيه الوظائف الأشكال العامة من التعليم، بل المزيد من المهارات في العلوم أو التكنولوجيا أو الهندسة أو الرياضيات، وهو ما ينقص الكثير من هؤلاء الخريجين. ولمعالجة ذلك تم وضع أنظمة مدرسية جديدة في أنحاء البلاد بغرض إنشاء مدارس ثانوية جديدة مثل «بي تك» التكنولوجية.

أُعجب مسؤولون في شيكاغو بهذه المدرسة في نيويورك إلى الحد الذي دفعهم لافتتاح خمس مدارس مشابهة خلال العام الحالي بالتعاون مع شركات تعمل في مجال التكنولوجيا والاتصالات. وفضلا عن نيويورك وإلينوي، تعهد المسؤولون في التعليم في كل من ولاية ماين وماساشوستس وميسوري وشمال كارولينا وتينيسي بإنشاء مثل هذه المدارس، وأوصت إدارة أوباما الكونغرس بتخصيص المزيد من الأموال للتعليم المهني، وإن كان الاسم المفضل للإشارة له هو التعليم الفني، من أجل تعضيد هذا التوجه.

وتعتزم مدينة نيويورك خلال عام من الآن افتتاح مدرستين جديدتين على غرار مدرسة «بي تك» مع التركيز على الصناعات الأخرى التي تشهد نموا في المدينة التي قد تتضمن الرعاية الصحية. ومن المقرر أن تتم إقامة مدرسة رابعة في سبتمبر (أيلول) عام 2014. ويحاول مجلس حكماء الولاية وضع اختبارات لهذا النوع من المدارس لتحل محل الاختبارات العادية التي وضعها المجلس.

وقال جون كينغ، مفوض التعليم في الولاية «عندما ننظر في برامج التعليم المهني الفني نجد مدى انخراط الطلبة فيه وتطلعاتهم لمستقبلهم في هذا المجال. للأسف لا يوجد هذا النوع من التعليم في مدارسنا المتعثرة».

ويتم العمل بهذا النظام، الذي استحدث العام الماضي لطلبة الصف التاسع الذين انتقلوا إلى الصف العاشر، داخل مدرسة «بول روبيسون» الثانوية بشكل مرحلي بسبب الأداء السيئ. ويحضر الطلبة للفصول الدراسية من الساعة 08:35 صباحا إلى 04:06 مساء لمدة عشرة أيام، تشمل دروسا في مواد عادية مثل الرياضيات والإنجليزية، فضلا عن دروس في التكنولوجيا والأعمال مثل «التعلم في مكان العمل» الذي يعلّم الطلبة الشبكات والتفكير النقدي ومهارات التقديم. ويتعلم طلبة الصف الثاني الفيزياء والدراسات العالمية وكذا دروسا في الأعمال وفي الخطابة أو المنطق أو كليهما وحل المشكلات على المستوى الجامعي. وهناك دروس صيفية لمدة ستة أسابيع في الهندسة.

والهدف هو إعداد الطلبة وتأهيلهم لشغل وظائف تحتاج الدراية بالتكنولوجيا يصل راتبها سنويا إلى 40 ألف دولار، مثل إخصائيي برامج يجيبون عن أسئلة عملاء شركة مثل «آي بي إم»، أو موظفي دعم فني يردون على مكالمات هاتفية من مستخدمي أجهزة الكومبيوتر الشخصية، وهي مهن تتضمن فرصا للترقي.

ويقول ستانلي ليتاو، رئيس المؤسسة الدولية لـ«آي بي إم»، وهي الفرع الخيري للشركة، ونائب المستشار السابق للمدارس في نيويورك، إن مناهج هذه المدارس التكنولوجية مخططة مسبقا، حيث تم تحليل موظفي «آي بي إم» لمعرفة المهارات التي يحتاجها الطلبة. ويوجد مع كل طالب مشرف من الشركة إضافة إلى الناظر راشد ديفيس. ويتم اصطحاب الطلبة في رحلات إلى منشآت شركة «آي بي إم» لتعلم أمور مثل كيفية صناعة رقاقات الحاسب. وساعدت الشركة في تدريب المعلمين الذي يعملون في المدرسة ويبلغ عددهم 18، وتوفر مسؤول اتصال يعمل بدوام كامل في المدرسة للتعاون مع هيئة التدريس في جامعة نيويورك للتكنولوجيا وجامعة مدينة نيويورك اللتين ساعدتا أيضا في وضع المناهج. وأوضح ليتاو أنه في الوقت الذي لا يمكن فيه ضمان توفير فرصة عمل في شركة «آي بي إم» بعد ست سنوات، سوف تمنح الشركة امتيازا لطلبة المدرسة عند توافر وظائف. كذلك سيتلقون تدريبا عالي المستوى على وظائف أخرى خاصة بتكنولوجيا المعلومات على حد قول ليتاو. وأضاف «لأن المشكلة تكمن في عدم تمتع عدد كبير من الطلبة بهذه المهارات».