وزير التعليم البحريني لـ «الشرق الأوسط»: توحيد المناهج بين دول الخليج أمر متروك لتقدير القائمين عليه

أكد نجاح التوأمة بين البحرين والسعودية في مجالي العلوم والرياضيات

د. ماجد النعيمي وزير التربية والتعليم البحريني
TT

أوضح وزير التربية والتعليم البحريني الدكتور ماجد بن علي النعيمي، أن التبادل الثقافي بين دول مجلس التعاون الخليجي موجود منذ القدم، ويتضح من الناحية التعليمية من خلال دراسة الطلبة السعوديين والبحرينيين بالجامعات الخليجية، مشيرا إلى أن السعودية والبحرين قد انفردتا مؤخرا بتوحيد المناهج الدراسية لمادتي العلوم والرياضيات كسابقة مهمة.

وأكد النعيمي أن جميع الدول الخليجية على علم بتوأمة بعض المواد بين السعودية والبحرين واشتركوا فيها من البداية، مشيرا إلى أن القرارات الأخرى المتعلقة بمسألة اتحاد المناهج مع بقية الدول الأعضاء أمر متروك لتقدير القائمين على شؤون التعليم في كل دولة.

الدكتور النعيمي نثر كنانة مملوءة بالأساليب التعليمية التي تنتهجها مملكة البحرين من خلال شراكات دولية وصفها بـ«الناجعة»، وأكد في معرض حواره مع «الشرق الأوسط» النية نحو الاستفادة من برامج السعودية في مجال الابتعاث، فكان هذا الحوار:

* بداية.. هل هناك فعليا خطة لتبادل المناهج الدراسية بين البحرين والسعودية؟

- أريد أن أصحح ما تم التطرق إليه، في الواقع أن مملكة البحرين والسعودية الشقيقة قد قطعتا شوطا كبيرا منذ عدة سنوات، وهذان البلدان ينفردان بتجربة رائدة ألا وهي أن السعودية والبحرين من خلال مكتب التربية العربي لدول الخليج قامتا بشراء سلسلة متطورة من كتب الرياضيات والعلوم وهي سابقة مهمة.

* هل بإمكانك إعطاؤنا نبذة عن هذا الموضوع؟

- بدأ عندما شكل مكتب التربية العربي لدول الخليج لجنة لتطوير تدريس الرياضيات والعلوم في الدول الأعضاء بالمكتب، وعقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات مع مؤسسات كثيرة، توصلت بعدها إلى اختيار سلسلة معينة من المناهج وأوصت بتنفيذها. ولم تتردد مملكة البحرين والسعودية بالتوقيع على شراء هذه السلسلة، وفي الواقع فإنها من خلال التطبيق التدريجي قد أعطت انطباعا أنه كان قرارا صائبا.

* ما مدى استفادة الطلبة من تلك المناهج وتعميمها؟

- أتاحت للطلبة الحصول على معلومات حديثة ومتطورة في هاتين المادتين المهمتين، وأعطت مساحة لتدريب المعلمين على هذه المناهج من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية حتى تعممت على المدارس، وسمحت الشركة التي أصدرت هذه الكتب المترجمة للدول التي تطبق الكتاب، أن تغير بنسبة 20 في المائة من المحتوى في ما يتعلق بالأسماء والأوصاف لتتواءم مع واقع الطالب الخليجي. واليوم الطالب في البحرين يدرس من نفس الكتاب الذي يدرس منه الطالب في شمال أو جنوب السعودية. وأريد أن أبين أنه بسبب الشراء المشترك، تمكنت الدولتان من شراء سلسلة متطورة وبسعر تنافسي وأعتقد أنها تجربة رائدة، وممكن أن تطبق في أكثر من مشروع، حيث تبين أن الشراء المشترك له دور كبير جدا.

* هل يعتبر توحيد المناهج بين دولتين من دول الخليج نواة نحو الاتحاد؟

- فكرة المناهج الموحدة طرحها مكتب التربية العربي لدول الخليج، وجميع الدول الخليجية تعرف هذه الفكرة واشتركوا فيها في البداية، ولكن قرارات الأخرى الباقية متروكة لتقدير القائمين على شؤون التعليم في كل دولة.

* كيف تقيمون مخرجات التعليم العام في دول الخليج؟ وما هي السبل لتطويرها؟

- سأتكلم هنا عما يعني مملكة البحرين، حاليا قمنا بتنفيذ مشروع تطوير التعليم والتدريب تضمن خمس مبادرات مهمة انبثقت عنها برامج عديدة، فأنشأنا كلية لإعداد المعلمين بالتعاون مع المعهد السنغافوري للتعليم باعتباره معهدا متطورا على مستوى عال. هذه الكلية أنيط بها تدريب المعلمين وتدريس الطلبة الجدد، حيث إن الطالب الجامعي يختلف وضعه عن الوضع السابق خصوصا في كلية التربية، فزيدت نسبة الحصص العملية مقارنة بالأكاديمية، فالطالب يلتحق بالميدان من سنين مبكرة من أول مراحله الدراسية فيجمع بين التجربة والتطبيق والدراسة النظرية.

* هل تعني حصول الطالب على التدريب قبيل تخرجه في الكلية؟

- نعم، ففي السابق كان التدريب العملي في الفصل الأخير، والآن من بداية دراسته الجامعية يبتدئ الطالب بالتطبيق العملي، والكلية تدرب أيضا العاملين في الميدان. وأنشأنا أيضا كلية تقنية «بوليتكنك البحرين» وأيضا طورنا ذلك على صعيد المملكة ككل. واليوم نطبق مشروعا رائدا وهو التلمذة المهنية للطالبات، حيث إن الطالبة تعمل في مواقع العمل وهي تدرس، بحيث لو انتقت مادة تجارية تكون بالقرب من ميدان العمل فهذا يكسبها خبرة عملية بالإضافة للخبرة الأكاديمية.

* ماذا عن المبادرات الأخرى الخاصة بتطوير التعليم في البحرين؟

- ضمن مبادرات مشروع تطوير التعليم والتدريب في البحرين، أنشأنا هيئة ضمان جودة مسؤولة عن مراقبة المدارس والجامعات ومعاهد التدريب، لا تخضع لا لوزير التربية والتعليم ولا لوزير العمل، فهي تعتبر هيئة حكومية مستقلة مرتبطة مباشرة برئيس الوزراء في البحرين. هذه الهيئة تنشر نتائج زيارتها لعامة الناس ليعرف أولياء الأمور مستوى مدارس أبنائهم وجامعاتهم. ونحن كوزارة تربية وتعليم، أنشأنا في المقابل برنامج تحسين أداء المدارس، الذي يهدف لنقل المدارس التي حصلت على معدلات أقل من ممتاز أو جيد إلى أعلى ضمن خطة علاجية تشمل المدرسة ككل وقطعنا شوطا كبيرا فيه.

* هل شمل تطوير التعليم في البحرين الجانب التقني؟

- توسعت مملكة البحرين في موضوع التعليم الإلكتروني، فبدأنا بتنفيذ مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل، وهذا المشروع يهدف لنقل الإنترنت والمحتوى الإلكتروني داخل الفصل الدراسي من خلال استخدام أدوات مساعدة كالسبورة الذكية، حيث تنقل المعلومة رأسا بالصوت والصورة.

* هل يخضع الطلبة في المرحلة الثانوية بمملكة البحرين لاختبارات قياس أسوة بالطلبة السعوديين؟

- نعم أدخلنا مؤخرا اختبارات جديدة للقياس تحت اسم «الاختبارات الوطنية» والتي تبدأ من جميع المراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، بالتعاون مع مؤسسة عالمية، الهدف منها هو أن نقوم بعمل اختبارات نقيس فيها كفاءات الطالب والمعلومات التي حصل عليها، وتنشر لمتابعة الأهالي لمستوى أبنائهم في المدرسة، وكذلك لتكون الوزارة على اطلاع بمستوى الطلاب حتى تستطيع الاستفادة منها، لمتطلبات تعديل المناهج والأسئلة الموضوعة في كل عام. وخلال الأسبوع الماضي أقررنا أن هذا العام ستحسب 12.5 نقطة من نقاط الاختبارات الوطنية ضمن معدل الطالب بتخرجه في الثانوية العامة، لضمان حرص الطالب واهتمامه بهذا الاختبار. وعلى صعيد الجامعات فمجلس التعليم العالي يأخذ بعين الاعتبار هذه التقارير إضافة لتقارير أخرى ويقر من ضمن صلاحياته بجزاءات منها إيقاف القبول لأكثر من عامين في بعض الجامعات.

* هل لك أن تحدثنا عن الإجراءات التالية بعد إيقاف القبول في الجامعات المقصرة في البحرين؟

- الجامعة التي يوقف بها القبول تطالب بتعديل أوضاعها، وعندما تثبت أنها قامت بذلك يسمح لها بالعودة لقبول الطلاب ضمن برامجها. وهذا جزء من الشفافية حيث يعرف ولي الأمر مستوى الجامعات التي يلحق بها أبناءه، وخصوصا الجامعات الأهلية التي تتطلب دفع رسوم للدراسة فيها.

* برأيك.. لماذا تتغير سياسات التعليم في الوطن العربي بتغير وزرائها؟

- لا شك أن التعليم يبقى بحاجة لتطور، ولا يوجد بلد في العالم – حسب علمي - قد اكتف من تطوير التعليم، فالحاجة ماسة ودائمة لمراجعة الاستراتيجيات والخطط، لأنك تخاطب بشرا ويجب أن ننظر إلى أنه من الصعوبة أن تؤثر في الميدان من أول فترة، فعملية التطوير في رأيي يجب ألا تتوقف.

* ما الخطط القادمة لتطوير التعليم على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي؟

- عقد في البحرين منذ عدة أشهر اجتماع المؤتمر العام للدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، الذي يضم دول مجلس التعاون وجمهورية اليمن، هذا المكتب لديه نشاط كبير جدا في قضية تطوير المناهج والكتب والتدريب، وما يتعلق بالشأن التعليمي، ومن ضمن هذه الأمور اتخذ قرار بأن يعيد المكتب رسم استراتيجية جديدة تعرض على وزراء التعليم خلال الفترة القادمة لتفعيل دور المكتب وعمله، فكل دول الأعضاء لديهم مشاركون في هذا المكتب ولديهم برامج تعليمية مستمرة، وكل مناهجها وتعليمها تتأثر من قريب أو بعيد بعمل مكتب التربية العربي.

* ماذا عن تفعيل التبادل الثقافي بين دول الخليج؟

- لا شك أن الذي يربط دول مجلس التعاون الخليجي روابط وثيقة اجتماعية ودينية ضاربة في جذورها، ونسيجنا الثقافي تقريبا متساو من ناحية القيم العربية والإسلامية. في مملكة البحرين لدينا أكثر من نشاط مع عدد من الدول الشقيقة في أنشطة ثقافية، وبالتأكيد فإن الطلبة الخليجيين في الجامعات هم جزء من هذا التبادل الثقافي، فالعديد من الطلبة السعوديين يدرسون في البحرين والعكس كذلك، فالتواصل إن لم يكن سنويا فهو بشكل يومي.

* هل لدى مملكة البحرين نية للاستفادة من تجربة السعودية في الابتعاث؟

- إن تبادل الخبرات بين الدول الشقيقة في المجالات كافة أمر مطلوب ومحمود، بل هو أمر واقع فعلا، من خلال مكتب التربية العربي لدول الخليج، الذي يعتبر بيت خبرة لدول المنطقة، كما يعتبر حلقة وصل بين الدول الأعضاء في مجال الاستفادة من الخبرات المختلفة في التعليم والتعليم العالي والتدريب والمناهج، وكذلك قضايا الابتعاث ليست ببعيدة عن هذا المنطق، وبالعودة إلى السؤال فإننا ننظر بكل التقدير لتجربة الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في مجال الابتعاث، ونستفيد منها في عدة جوانب، كما نتبادل البعثات والمقاعد الدراسية بين البلدين الشقيقين على مستوى الجامعات الحكومية، وهنا لا يفوتني أن أشيد بالدعم الكبير الذي نلقاه من الإخوة في المملكة العربية السعودية في فتح مجال الدراسة للطلبة البحرينيين في عدد من التخصصات المهمة، بما يدعم العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين، كما أشير في هذا الإطار إلى أن عددا مهما من الإخوة الطلبة من المملكة العربية السعودية يلتحقون بجامعة البحرين والجامعات الخاصة على حد سواء.

* هل هناك علاقة بين مفهوم التطرف الفكري وسياسات التعليم؟

- بلا شك، فإن التطرف بجميع أشكاله يصنع في العقول أولا، ولذلك أعتقد أن التعليم هو مصنع العقول، وبالتالي فهو يمكن أن يكون مصنعا للتطرف أو مصنعا للتسامح والسلام، ومن هذا المنطلق فإننا حرصنا ونحرص على أن نربط بين التعليم والتربية، أي بين البناء المعرفي للطالب والبناء القيمي والسلوكي له في ذات الوقت، بما يحصنه ضد جميع أنواع التطرف المهلكة للمجتمع وللبشر، وفي هذا السياق أشير إلى أننا في مملكة البحرين قد حرصنا منذ بداية المشروع الحضاري لجلالة الملك المفدى على دمج قيم التسامح والعيش المشترك وحقوق الإنسان واحترام الرأي والرأي الآخر، ضمن مناهجنا الدراسية وأنشطتنا التربوية، بما يحقق التوازن بين الجانب المعرفي والجوانب الاجتماعية والقيمية، باعتبار أن المدرسة لا تصنع آلات ولكن تصنع عقولا وتبني المواطنة التي من أسسها الثابتة التسامح والعيش المشترك والوحدة الوطنية بين مكونات الشعب، كما أن الوزارة استفادت بالخبرات العالمية لتطوير مناهج حقوق الإنسان وإدخال هذه المفاهيم في الكتب بالشكل الذي يساعد الطلبة على استيعاب مفاهيم حقوق الإنسان، ومنها تقبل الرأي والرأي الآخر، وقيم التسامح، لما لهذه المفاهيم من تأثير في بناء شخصية الطالب التي تنسجم مع مبادئ الدين والقيم العربية.

* هل المدارس النظامية الحكومية في البحرين تستوعب إدخال لغات أخرى غير اللغة الإنجليزية في صفوفها؟

- في البداية لا بد أن أشير إلى أننا بادرنا منذ عام 2006 بتعميم تدريس اللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي، كما عززنا تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية في المدارس، باعتبارهما أساسيين لهويتنا الوطنية، أما على صعيد اللغات الأخرى فنشير إلى أن اللغة الفرنسية كانت تدرس في المرحلة الثانوية كمادة اختيارية، إلا أننا منذ العام الدراسي 2009-2010 قمنا بإدخال اللغة الفرنسية كلغة أساسية في المدارس الإعدادية، ونعمل على تعميم هذه التجربة، كما أننا من خلال الأندية المدرسية المسائية سوف نفتح المجال لتدريس المزيد من اللغات الأجنبية الأخرى كالإسبانية والألمانية أمام الطلبة بصفة اختيارية.

* هل هناك تواؤم بين أعداد خريجي الثانوية والجامعات والمعاهد مع متطلبات سوق العمل في مملكة البحرين؟

- المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل عملية مستمرة وهدف أساسي لتعليمنا الثانوي والجامعي، وذلك لأن متطلبات سوق العمل متغيرة، من حيث آليات العمل وأولوياته وأدواته وأجهزته ونظمه، ومن هذا المنطلق نحرص في مملكة البحرين على تحقيق قدر معقول من هذه المواءمة من خلال تعزيز التعليم الصناعي وتطويره وتعزيز التعليم الفني وتطويره ومراجعته بشكل مستمر بالتعاون مع سوق العمل، حيث نقوم بإشراك رجال الأعمال والفاعلين الأساسيين في سوق العمل لصياغة المناهج الدراسية في التعليم الصناعي والفني، كما تتولى سوق العمل المساهمة في تدريب طلبتنا بشكل مستمر.

وعلى نفس الصعيد قمنا ضمن مبادرات المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب باستحداث تجربة التلمذة المهنية للمرحلة الثانوية لتشمل البنين والبنات على حد سواء، بما يعزز علاقات مخرجات التعليم بسوق العمل.

كما أن الهيكل التنظيمي في مملكة البحرين ضمن المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب يركز على الفصل بين المسار الأكاديمي والمسار الفني والتقني مع الإبقاء على جسور التواصل بينهم لتسمح للطالب بالانتقال من مسار إلى آخر وقت الحاجة، كما أن الهيكل سيراعي توزيع الطلبة حسب ميولهم وكفاءاتهم من حيث اتجاههم إلى التعليم الأكاديمي أو الفني أو المهني، وخصوصا أن هناك إقبالا للتوجه إلى المدارس الصناعية، حيث تبلغ نسبة الطلبة الذين يختارون هذا المسار نحو 36 في المائة من طلبة المرحلة الإعدادية.

* ماذا عن حجم الشراكة مع جهات أجنبية لتدعيم ركائز التدريب والتعليم بالبحرين؟

- البحرين ضمن مشروع تطوير التعليم والتدريب أنشأت بالتعاون مع المعهد السنغافوري كلية خاصة لإعداد المعلمين لها، تضطلع بمهمتين أساسيتين أولاهما إعداد الطلبة أكاديميا وتطبيقيا وهم الذين سيتوجهون إلى سلك التعليم منذ السنوات الأولى للالتحاق بالكلية التي لها مهمة أخرى وهي إعداد المعلمين العاملين في الميدان والقيادات المدرسية من أجل تطوير قدراتهم بالشكل الذي يساعد على تقديم أفضل الخدمات التعليمية للطلبة. وعلى صعيد التعليم العالي فقد استحدثنا كلية «بوليتكنك البحرين»، وهي كلية تقنية تستوعب في جزء كبير منها مخرجات التعليم الفني والصناعي، وتتولى إعداد وتكوين الكوادر الفنية والهندسية التي تخدم سوق العمل.