أميركا: أعباء بعض المدرسين الخصوصيين تتجاوز مهمة التدريس

أصبحوا جزءا لا يتجزأ من أسرة الطالب

أصبح المدرس الخصوصي من الثوابت في حياة الطالب فهو شخص أكبر سنا وموجه محل ثقة
TT

كان قد مر أسبوعان منذ بداية السنة الدراسية الأولى لكاترينا بارنز في «جامعة نيويورك» عندما بدأت تشعر بالقلق والارتباك، فقد كان هناك الكثير جدا مما ينبغي عليها القيام به: استكشاف مدينة جديدة، والتسجيل في الفصول، والبحث عن حجرات الدراسة، وشراء الكتب. لذا فقد اتصلت بوالدتها ميلاني، التي كانت على اتصال ببيكي فليس، وهي المدرسة الخصوصية لابنتها منذ 6 سنوات. وتؤكد السيدة بارنز، وهي الرئيسة التنفيذية لشبكة «تكساس للمناخ وتبادل الانبعاثات الكربونية» التي يقع مقرها في مدينة أوستن بولاية كاليفورنيا: «كنت أعلم أنها قادرة على التعامل مع الأمر». وعلى الفور قامت السيدة فليس، التي تدير وكالة للدروس الخصوصية تدعى «مركز أوستن للتعلم»، بالبحث عن تيسا بوربريدج من وكالة «بيغ أبل للدروس الخصوصية» التي تقع في حي مانهاتن، وقضت السيدة بوربريدج نحو 30 ساعة في مساعدة الفتاة على إدارة جدولها الدراسي واختيار الفصول، وأن تصبح بشكل عام أكثر ارتياحا في حياتها الجديدة.

وتقول كاترينا بارنز (18 عاما)، وهي طالبة في تخصص الإعلام والثقافة والاتصالات، وهي أيضا عضو في فريق الكرة الطائرة بالجماعة: «لقد كانت تيسا مصدر عون كبير في كل الأمور، فلم يكن في مقدوري الحديث معها عن الأمور الدراسية فحسب، بل أيضا عن أي مشكلات تواجهني مع النواحي الاجتماعية أو المدرسين أو العائلة. من المريح حقا أن يكون بإمكاني الذهاب إليها من أجل أي شيء». وهما على اتصال يومي سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، كما تلتقيان شخصيا من 15 إلى 22 ساعة أسبوعيا. وتعد كاترينا بارنز واحدة من ذلك العدد المتزايد من الشباب والفتيات الذين لم يعد المدرس الخصوصي بالنسبة لهم رفيق دراسة أو مساعدا على أداء الفروض المنزلية فحسب، بل بات أيضا مصدرا للدعم الحياتي العام. وفي العائلات التي لا يمثل المال أي مشكلة بالنسبة لها، بدأ دور المدرس الخصوصي يتجاوز الأمور الدراسية إلى القيام بدور المستشار والناصح والمشجع الشخصي، بالإضافة إلى كونه همزة الوصل بين الطلاب وأولياء الأمور والمدارس.

ويقول إيزاك بيرغ (15 عاما)، وهو طالب من بروكلين يدرس بالسنة الثانية في «مدرسة بارد العليا للدراسة الجامعية المبكرة» بمانهاتن يرى مدرسه الخصوصي نحو 20 ساعة أسبوعيا كي يساعده في كل شيء من الرياضيات حتى اللغة الصينية: «أشعر بأنه يملأ الفجوة ما بين المعالج والمساعد الشخصي». وتذكر د. ساندي أياز، وهي المديرة التنفيذية لـ«الرابطة الوطنية للدروس الخصوصية» في مدينة ليك لاند بولاية فلوريدا التي تعتمد المدرسين الخصوصيين: «إن المدرس الخصوصي لم يعد مجرد مدرس خصوصي. نحن نعتمد المزيد والمزيد من المدربين الدراسيين. إنهم يذهبون بعيدا فيما يتعلق بوضع الأهداف واكتساب المزيد من التفكير الناقد وتكوين الوعي الثقافي والذكاء الانفعالي لدى الطالب. إنهم يساعدون الطالب على معرفة المجالات المهنية وكتابة المقالات. إنهم يتعاملون مع حياة الطالب بأكملها».

وبعض وكالات الدروس الخصوصية تضم ضمن العاملين بها أطباء نفسيين للمساعدة على تحديد أفضل الطرق لمساعدة الطلاب، حيث يقول فيليب إرنست، وهو مؤسس وكالة «إرنست للمدرسين الخصوصيين»: «إن الطبيب النفسي يساعدنا على أن نصبح أكثر وعيا بنمط التعلم الخاص بكل طالب، ويعلمنا كيف نحفزه كي يحقق أفضل مستوى من التعلم، ويوجهنا إلى الطريقة الأكثر فعالية في تطبيق أساليب واستراتيجيات التعلم التي ننتهجها داخل جو الاختبارات». وأضاف الرجل أن نحو نصف العائلات التي يعمل معها تطلب تحديد موعد مع الطبيب النفسي. وتقول د. إياز إن الدروس الخصوصية صناعة يتراوح حجمها من 50 إلى 70 مليار دولار وتضم ما يتراوح بين 30 و50 مليون مدرس خصوصي على مستوى العالم، وهي تقدر أن يكون حجم هذه الصناعة قد تضخم بما يتجاوز الضعف عما كان عليه منذ عقد مضى، وتعزو هذه الطفرة إلى ارتفاع عدد الأسر ذات الدخل المزدوج، بالإضافة إلى زيادة الضغوط من أجل الالتحاق بإحدى الكليات المرموقة.

وقد أسس دانيل ليفيني، وهو ممثل من برودواي، وكالة «بيغ أبل للدروس الخصوصية» عام 1997 كمشروع جانبي يقدم المساعدة في مواد الكيمياء العضوية والفيزياء والحساب، إلى أن أصبح اليوم يحصل على أجر يتراوح من 100 إلى 150 دولارا في الساعة. ويقول ليفيني إنه في البداية «كانت الأم تتصل وتقول: (ابني الطالب في السنة الثانية يحتاج إلى مساعدة في الكيمياء) أو (ابني البالغ من العمر 7 أعوام يحتاج حقا إلى مساعدة في القراءة)». ولكن في غضون سنوات بسيطة، لاحظ الرجل أن أولياء الأمور لا يطلبون مدرسا خصوصيا في مجال من المجالات، بل يريدون شخصا يستطيع الإشراف على مجموعة واسعة من المواد الدراسية، بالإضافة إلى الاختبارات الموحدة والإعداد لكتابة المقال الخاص بالكلية.

وقد أصبح المدرس الخصوصي من الثوابت في حياة الطالب، فهو شخص أكبر سنا وموجه محل ثقة، وهو أيضا «جزء لا يتجزأ من الأسرة»، وذلك بحسب ما ذكرته سوزان ريولت، وهي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «دائرة أرسطو» التي تقع في مانهاتن، التي تضيف: «إنهم يكونون جزءا من أي مناقشة مع أولياء الأمور والمدرسين والطلاب من أجل مساعدة الطالب على بلوغ المراحل الهامة في حياته الدراسية والإحساس بشعور إيجابي تجاه نفسه أثناء هذه العملية». وترى السيدة ريولت أن أي نظرة سيئة ترتبط بالمدرسين الخصوصيين قد اختفت إلى حد بعيد، نظرا لأنهم لم يعودوا يعملون مع من يعانون من صعوبات دراسية فحسب، بل صاروا يعملون أيضا مع من يرغبون ببساطة في «الإثراء»، على حد تعبيرها.

ولم تكن هانا سبير (19 عاما)، التي كانت تدرس في مدرسة «سانت أندروز» الخاصة في مدينة روكا ريتون بولاية فلوريدا، تخفي أبدا أن لديها مدرسا خصوصيا، وهي تقول إن من بين أسباب ذلك «أنك تكون محظوظا إذا كان لديك واحد»، ومن الأسباب الأخرى أن الكثيرين من أصدقائها كانوا يتعاملون مع نفس المدرس الخصوصي. وبعض الأسر تستعين بالمدرسين الخصوصيين بمعدل يصل إلى 5 أيام أسبوعيا، قائلين إن هذا يقلل من الضغط العصبي مع المحافظة على استقرار المسار التعليمي لأبنائهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»