المعرض والمنتدى الدولي للتعليم 2013 .. لماذا فنلندا؟

يارنو سوريالا

TT

فنلندا، دولة صغيرة تقع في شمال أوروبا وتعرف بكونها واحدة من أكثر دول العالم تقدما. جنبا إلى جنب مع جيراننا السويد، والنرويج، والدنمارك، وآيسلندا، نشكل معا كتلة تسمى بدول الشمال الأوروبي. وينظر اليوم إلى دول الشمال الأوروبي كمجتمعات مستقرة اجتماعيا ومبتكرة ومتقدمة في معظم الجوانب إذا ما قورنت مع بقية العالم. غالبا ما تكون فنلندا ضمن أفضل ثلاث دول في العالم في الكثير من الدراسات أو المقارنات الدولية، وتحتل دول الشمال الأخرى المراتب الثانية بجانب فنلندا. وحقيقة، إن تمكننا من بناء مجتمع مستقر يتطلع إلى الأمام لم يحدث بالصدفة في غضون يوم وليلة.

بما أننا دولة صغيرة تضم عدد سكان قليلا في عالم كبير ذي منافسة قوية، يتوجب علينا أن نكون قادرين على تطوير أنفسنا باستمرار كمواطنين وكمجتمع. لذلك، فإننا نثمن عاليا التخطيط، والمرونة، والابتكار، وهذه أمور يتعين علينا القيام بها لنبقى ضمن أفضل دول العالم، وهي ليست بالمهمة السهلة، لكننا أيضا نؤمن بقوة بقدرتنا على النجاح في المستقبل. فمن أحد الأسباب التي قادتنا للإيمان بذاتنا بهذا الشكل القوي، هو أننا نرى أننا تمكنا من أن نخلق قاعدة للنجاح في المستقبل من خلال نظام التعليم لدينا الذي يهدف إلى إنتاج مواطنين يمضون بالشعب الفنلندي قدما.

بما أنه من المقرر أن يعقد المعرض والمنتدى الدولي للتعليم الآن، من الجيد أن نستعرض للقارئ نقاط القوة لدينا. تمت دعوة فنلندا للمشاركة في المعرض والمنتدى الدولي للتعليم 2013 كضيف المعرض، ولذلك يعتبر هذا المقال مقدمة موجزة كجواب للسؤال: «لماذا فنلندا؟».

كما ذكرت أعلاه، فإن فنلندا غالبا ما تكون ضمن الدول التي تحتل أعلى المراتب في مختلف الدراسات والمقارنات الدولية. ويعتبر التعليم أحد أهم مجالات نجاحنا، ففي الدراسات الدولية الخاصة بالتعليم، ينظر إلينا كأفضل دولة في العالم. وفي الواقع، كان هذا الشيء مفاجئا نوعا ما بالنسبة إلينا، حيث إن تركيزنا عندما أنشأنا نظام التعليم لم يكن لنصبح أفضل دولة في العالم من ناحية التعليم، بل كان لخلق نظام قادر على خدمة شعبنا بأكبر قدر ممكن. ولكن الآن وبما أنه ينظر إلينا اليوم كأفضل دولة، فهنالك بطبيعة الحال اهتمام كبير بنا وبخبرتنا. ولذلك، فقد قررنا أن نشارك بقية العالم معرفتنا. ولهذا السبب، نحن سعداء وفخورون بكوننا الضيف الرسمي للمعرض والمنتدى الدولي للتعليم 2013. وعودة للسؤال: لماذا فنلندا؟ أرغب في طرح عوامل النجاح الأساسية التي مكنت فنلندا من أن تصبح «قوة التعليم الخارقة» التي هي عليها اليوم.

الأمر الأول الذي أود أن أشير إليه، هو كوننا فعلا نقدر التعليم، فنحن نؤمن به ونعتقد أنه يعود علينا بالنفع كأفراد مواطنين وكشعب. وتشير دراسة أقيمت في فنلندا إلى أن 75% من الفنلنديين يؤمنون بأن إنشاء نظام تعليم شامل يعتبر أساسا ضروريا لرفاهيتنا الوطنية في وقتنا الحاضر. ومن قيمة القاعدة الأساسية هذه، بإمكاننا التعمق في تحليل قصة نجاحنا. انطلاقا من إيماننا بالتعليم، وخصوصا بمبدأ المساواة في التعليم من خلال المساواة في الحصول على التعليم، فقد أنشأنا نظاما ليست له أي نهايات مسدودة. فلا يهم إن ابتدأ الفرد منا بالدراسات المهنية، حيث إنه بالإمكان الحصول على تعليم عال بعد إكمال الدرجة المهنية، وهذا من شأنه أن يوفر لكل مواطن إمكانية تطوير نفسه باستمرار من خلال التعليم المستمر. وهذا يعود بالنفع على المجتمع بأكمله بما أن أصحاب المهارات المحددة المكتسبة من الحياة العملية بإمكانهم تقديم خبراتهم للعالم الأكاديمي، والعكس صحيح. وبهذا الأسلوب، ينتفع مجتمعنا، لأن حرية التنقل داخل نظام التعليم تضمن لمواطنينا قابلية تحسين أنفسهم ومن ثم خلق المزيد من رأس المال الاجتماعي في المجتمع. ونحن بحاجة إلى مجتمع يتكون من رأس مال اجتماعي رفيع المستوى كي يتسنى لنا الحفاظ على التنافسية في عالم اليوم. هذا هو سبب إيماننا الراسخ بقيمة التعليم.

الأمر الثاني الذي نراه عاملا للنجاح هو الاستقلالية والتمكين، وهما مهمان في مرحلة المدرسة عندما يتعلق الأمر بالمعلمين كأفراد. يحدث التوجيه المركزي عن طريق الأهداف المحددة في التشريعات وأيضا عن طريق المناهج الوطنية الأساسية. إن السلطات المحلية مسؤولة عن تنظيم وتنفيذ التعليم والأهداف الوطنية. المدارس والمعلمون يتمتعون باستقلالية واسعة في كيفية التدريس وفي مضمون التعليم، ومعلمونا يحظون بقدر كبير من الاستقلالية كذلك. وبما أن مهنة التدريس تحظى بشعبية كبيرة في فنلندا، بإمكان الجامعات اختيار أكثر المتقدمين حماسا وموهبة. المعلمون يحظون باحترام عال كمهنيون، ويعملون بشكل مستقل، ويستمتعون باستقلاليتهم المهنية. وعلاوة على ذلك، يطلب من جميع المدرسين الحصول على درجة الماجستير، التي تتضمن أيضا الدراسات التربوية وممارسة التعليم. بهذه الطريقة، نحن نخلق «نظاما من الثقة». ومن أجل تأمين دعم قوي لإجراءات التنمية، تعمل السلطات التعليمية في تعاون وطيد مع منظمات وجمعيات المعلمين وأيضا مع منظمات القيادة المدرسية. نحن بحاجة لأن نكون متعاونين كي نضمن نظاما محدثا ومنتجا لأفضل النتائج الممكنة. فالمقارنات الدولية تظهر أن نتائجنا التعليمية يتم تحقيقها بمقدار متوسط من الاستثمار المالي في النظام. وبذلك، فإن التعاون والتفاهم المتبادل بين مختلف المستويات في النظام في غاية الأهمية.

سيقوم خبراء التعليم الفنلنديون باستعراض جميع هذه المواضيع بتعمق أكثر في المعرض والمنتدى الدولي للتعليم لعام 2013. نحن لدينا قناعة تامة بأنه بالإمكان تقاسم تجربتنا مع بقية العالم، وخاصة مع المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي التي تشارك في المعرض والمنتدى الدولي للتعليم لعام 2013.

وكما ذكرنا أعلاه، نحن الفنلنديين نؤمن بقوة بالتعاون، وهذا الشيء أود أن أؤكده أيضا في التعاون السعودي - الفنلندي في مجال التعليم. فنحن لا نرغب في أن نضع جانبا خلفيتنا وتجربتنا في التأكيد على التعاون عند إنشاء مجتمع ناجح للغاية ونظام تعليم فعال. الفنلنديون يرون أن أفضل النتائج تنبع من الثقة، والتعاون، والتواصل، فهذا ما نقوم به نحن في فنلندا، ويهمنا إيصال رغبتنا هذه عندما نتعاون مع السعوديين. فلا نستطيع أن نخلق شيئا جديدا إلا من خلال إنشاء شراكة قوية وحقيقية تستند إلى العوامل الثلاثة المذكورة أعلاه. نحن نرغب في تبادل خبرتنا في مجال التعليم، لكننا لا نستطيع ولا نرغب في أن نفرض أو ننسخ شيئا من فنلندا كي ننقله إلى المملكة العربية السعودية، فنحن لا نعتقد أن هذا سيكون مثمرا. بدلا من ذلك، ما نريده هو العمل بشكل وثيق مع شركائنا وزملائنا السعوديين وأن نأخذ أفضل ما لدى فنلندا وأفضل ما لدى السعودية كي ننتج شيئا جديدا يصب في مصلحة المملكة العربية السعودية. ما نطمح إليه هو خلق شيء جديد مشترك. ولهذا السبب، نحن فخورون وسعيدون جدا بدعوتنا كضيف رسمي للمعرض. نحن نرى أن هذا الحدث سيعمق فهمنا لبعضنا البعض وسيكون بمثابة قاعدة لتعاوننا المستقبلي من خلال الخلق المشترك.

* سفير فنلندا لدى المملكة العربية السعودية

* خاص «الشرق الأوسط»