كليات القمة تتراجع في أجندة أولويات طلبة الثانوية العامة في مصر

بعد ارتفاع معدلات البطالة وتغير احتياجات سوق العمل

TT

تراجعت أسماء كليات القمة التي ظلت لسنوات طويلة تحتل الصدارة في رغبات وأحلام طلاب الثانوية العامة في مصر، وأصبحت سوق العمل هي المتحكم الأساسي في اختيارات الطلاب للكليات التي يريدون الالتحاق بها، بعد أن قفز شبح البطالة والإحباط وحاصر الكثير من الشباب، مشكلا كابوسا يهدد أحلام وطموحات طلاب المرحلة الثانوية، خاصة مع ازدياد نسبة البطالة التي تمثل الآن نحو 13 في المائة من إجمالي سكان مصر.

وقديما كانت كليات القمة، كالطب والهندسة والصيدلة والإعلام، تتربع على عرش الكليات التي يسعى الطلاب للالتحاق بها، وكانت متاعب الدراسة بها لا تثنيهم عن أمل الالتحاق رغبة في الحصول على لقب «المهندس» أو «الطبيب» في ما بعد، أما الآن فيرى خبراء أن مبدأ العرض والطلب في سوق العمل والمقابل المادي هما المحركان الأساسيان لإقبال الطلاب على كليات بعينها، ولم تعد أسماء الكليات ذات قيمة كبيرة، ليرتفع بذلك الإقبال على كليات كالتجارة والآداب والحقوق على حساب كليات الطب والهندسة، نظرا لتوافر فرص عمل كثيرة في هذه المجالات.

وفي تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، أوضح أن الطلب على المؤهلات العليا بسوق العمل يمثل نحو نصف الطلب على المؤهلات المتوسطة، وبلغ عدد الوظائف المشغولة سنويا بالقطاع الخاص 8048 وظيفة، مقابل 4005 وظائف للقطاع العام والحكومي، وهذا يعكس أن الالتحاق بالوظائف الحكومية لم يعد حلما يراود معظم الخريجين الآن، نظرا لقلة مرتبات الوظائف الحكومية بالمقارنة بالشركات الخاصة والأجنبية.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور خيري مقلد، وكيل كلية طب جامعة عين شمس الأسبق، رئيس جامعة 6 أكتوبر، لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح إقبال الطلاب على كليات القمة والكليات العملية بشكل عام متدنيا بشكل كبير ومحبطا، فهذه الكليات تتطلب المعرفة والتدريب العملي المكثف، بالإضافة إلى أداء زيارات وبعثات للدول المتقدمة، وكل هذا يحتاج إلى أموال ومصاريف ضخمة. هذا بالإضافة إلى أن مصاريف هذه الكليات كبيرة جدا، ومرتبات سوق العمل المرتبط بها ضئيلة جدا، وذلك بعكس كليات أخرى كالتجارة والحقوق والآداب، فكل المعلومات والمتطلبات التي تتطلبها هذه الكليات يمكن الحصول عليها بسهولة من على المواقع الإلكترونية والكتب، كما أن المرتبات التي يتقاضاها خريجو هذه الكليات كبيرة إذا قورنت بكليات القمة، ولذلك فإن الإقبال عليها يزيد سنويا بشكل كبير».

ويرجع الكثيرون جذور هذه المشكلة إلى عدم اهتمام الدولة بدعم سوق العمل لخريجي كليات القمة، وعدم تقديمها الدعم المادي الكافي الذي يضمن للخريجين العيش في ظل حياة كريمة. ويؤكد مقلد أن الدولة لا تهتم الاهتمام الواجب بتطوير الوظائف التابعة لها، كما أنها لا تهتم بالإنفاق الكافي على البحث العلمي والبعثات الخارجية، مشددا على ضرورة تخصيص الدولة لنصف ميزانيتها للبحث العلمي ودعم كليات القمة حتى لا نصل للوقت الذي نجد فيه عزوفا كاملا عن الالتحاق بهذه الكليات.

وفي سياق متصل، يقول رامي أشرف، الذي يعمل مندوبا بإحدى شركات الأدوية، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا عاد بي الزمن ما كنت التحقت بكلية الصيدلة، ولفضلت كلية التجارة، فنحن نعاني أثناء دراستنا بالكلية وبعد التخرج كثيرا، بينما خريجو كلية التجارة لديهم فرص عمل كثيرة ومن ضمنها فرص العمل بالبنوك، والتي أعتبرها من أفضل فرص العمل الآن». وأضاف أشرف أنه يشعر بالندم لأنه منذ تخرجه قبل خمس سنوات لا يشعر بأنه ضمن مستقبله أو حقق شيئا من أحلامه، ولذلك فإنه دائما ما ينصح الآخرين بعدم الوقوع في فخ السير وراء الأسماء الكبيرة للكليات.

ويرى خبراء أن العبء لا يقع على الدولة وحدها، بل هو ناتج لعدم نظر الطلاب للمستقبل نظرة دقيقة، فيقول الدكتور جلال عبد الحميد، المستشار السابق لوزير التعليم العالي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشكلة الطلاب الآن أنهم ينظرون لسوق العمل نظرة لحظية في الوقت الذي يتغير فيه سوق العمل ويتطور يوميا بشكل ملحوظ، فمثلا منذ سنوات لم تكن هناك كليات تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، ولكن الآن أصبح هذا التخصص له رونقه ويجذب الكثيرين مع التطور التكنولوجي الهائل، ومن ثم فإن التفكير مسبقا في مجالات العمل الأكثر جذبا شيء غير مضمون نهائيا». وأكد عبد الحميد أنه يجب على الحكومات أيضا أن تهتم بوضع خطط خمسية أو عشرية من أجل رفع مكانة المهن التي قل الإقبال عليها بسوق العمل.