تربويون: ضعف الموارد المالية في بلدان «الربيع العربي» أصاب المؤسسات التعليمية بـ«الهشاشة»

دول راوحت مكانها في التطوير.. وأخرى تأخرت

TT

أكد تربويون متخصصون في مجال التربية والتعليم، أن ضعف الموارد المالية والبشرية المشرفة على قطاعات التعليم في بعض البلدان العربية التي تعرضت لثورات عربية أسهم في عمليات تسرب واضحة، وأن ضعف أجور المعلمين والفصول الدراسية المكتظة قيدا عمليات الانتشار التعليمي المتسق مع الكفاءة التعليمية.

وقالت الدكتورة عزيزة الجمعي، المستشارة في مركز خبراء التعليم لـ«الشرق الأوسط» إن مستويات التعليم في البلدان النامية في الوطن العربي ظلت تتراوح مكانها، خاصة في البلدان العربية التي تشهد ثورات وحركات سياسية متصلة، وهي تبتعد كل البعد عن الاستقرار التعليمي، حيث تعتبر الكفاءة بعيدة الهدف عن متناول الكثير من البلدان الفقيرة، التي تعاني من انخفاض جزئي وتدريجي في ظاهرة الالتحاق بالمدارس، خاصة بالنسبة للفتيات، والكثير من الأطفال يتسربون من المدارس قبل إتمام تعليمهم الابتدائي، والكثير من الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة يقعون فريسة الأمية التي تترصد لهم بسبب ضعف تدريب وضعف أجور المعلمين الذين يتقاضون أجورا زهيدة، فضلا عن الفصول الدراسية المكتظة، وعدم وجود أدوات التدريس الأساسية مثل الكتب المدرسية والسبورات، والأقلام والورق.

وأبانت الجمعي أن المشكلة في كثير من البلدان النامية هو أن الحكومات تفتقر إما الموارد المالية أو الإرادة السياسية لتلبية الاحتياجات التعليمية لمواطنيها، الأمر الذي يشكل عبئا ثقيلا على بعض الآباء والأمهات في وجود أعداد كبيرة من العاطلين، ويفاقم المشكلات الاقتصادية ويزيد من أعباء وضغوط الأسر المعدمة في الأصل اقتصاديا، ويجب أن تنبثق الكثير من الرؤى التعليمية في هذا الإطار، تركز على أهمية مراعاة الجوانب الاقتصادية الضيقة التي تعيشها معظم الأسر العربية، وأهمية وجود استراتيجيات تكفل لهم فرص عمل وظيفية واعدة.

وعلى الرغم من تقدم كبير خلال العقدين الماضيين، فإن معدلات الالتحاق بالمدارس في البلدان الأكثر فقرا في العالم باتت ضعيفة نتيجة تضاؤل فرص العمل، وهي تسير وفق معدلات منخفضة، مشيرة إلى أن التعليم الأساسي هو استحقاق معترف به ويعود على المجتمع بالفائدة عندما يتم تعليم الأطفال، وأن تتحمل الدول تكلفة قبول جميع أنواع التعليم، خاصة بالنسبة للأطفال الفقراء، وأن الكثير من البلدان الفقيرة، تعاني من فجوة كبيرة في التعليم، إما بسبب وجود ضعف كبير في الموارد المالية أو ضعف في الاقتصاد بشكل كبير، وفي الكثير من البلدان هناك قناعة بعدم جدوى الاستمرارية في التعليم والبحث عن جدوى اقتصادية عن طريق الوظائف الآنية.

وبالعودة إلى الجمعي، فإن هناك غيابا واضحا للاستراتيجيات التعليمية في كثير من الدول النامية خاصة تلك التي اهتز فيها المشهد التعليمي نظير اندلاع ثورات الربيع العربي، وعدم الكفاءة في حين أن المدارس الحكومية والخاصة في الوطن العربي تعاني من عدة أمور تحول دون انطلاقتها، وبالأخص المدارس الخاصة التي تجري فيها أنماط تعليمية بطيئة جدا، ومن الأجدى إعادة التفكير كاملا في الوطن العربي، وإعطاء المجتمعات المحلية دورا أكبر في ماذا وكيف يتم تعليم أبنائها، ومساعدة نظام الاستجابة للسوق.. في حين ترجو كثير من تلك المجتمعات أن تسد المدارس هذه الفجوة.

من جهة أخرى، وجدت دراسة حديثة للبنك الدولي أن المدفوعات من قبل الآباء للتعليم الأساسي وعلى نطاق واسع في 77 بلدا من أصل البلدان الـ79 التي شملها الاستطلاع، أخذت أشكالا مختلفة وأنماطا متعددة قد تغطي الرسوم المدرسية المعلمين والإداريين (الرواتب) والمواد مثل أقلام الرصاص والكتب المدرسية، وصيانة المدارس، ناهيك عن وجود بعض الأسر في البلدان النامية، تقوم بدفع الرواتب وتوفير مقرات أولية للعملية التعليمية خاصة في بعض الدول الأفريقية، على سبيل المثال، وتوفير الغذاء للمعلمين، والمساعدة في الفصول الدراسية، أو المساهمة بعملهم لبناء المدارس أو الصيانة.

ونبه الدكتور فهد الخالدي، أكاديمي وباحث سعودي متخصص في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى الحاجة إلى إعداد الطلاب العرب لتفهم الدخول إلى المجتمعات التي تعتمد على الاقتصاد المعرفي بشكل كبير، مؤكدا أن هذا يتطلب خلق فرص عمل مع القطاع الخاص والعمل بشكل أكبر وأكثف على المنافسة في إصلاح مناخ الاستثمار، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والتجارة، وتهيئة أجواء تدريبية محفزة لسوق العمل في البلدان العربية بشكل خاص، وبلدان العالم في جميع أصقاع الأرض، وتزويد السوق بالمهارات اللازمة لتلبية مطالب القطاع الخاص، نحو العمل بشكل مركز ومكثف على طرائق التعليم، والأساليب التدريسية المتطورة المبنية على الحرية الكاملة في اختيار المناهج المجسرة للوصول إلى المجتمعات المعرفية في التعليم.

وأشار الخالدي إلى أن الإنفاق العام على التعليم في العالم العربي، يمر بمستويات متدنية جدا في حين أن الوصول إلى الوظائف ذات الأجر الكافي ليس هو الحل، بل الحل يكمن في الوصول إلى بيئة تنظيمية تقنية متكاملة، مؤكدا أن الشباب العربي، اليوم أكثر تعليما على المستوى التقني والتكنولوجي والمعرفي، والجامعات بدأت بشكل كبير على المستويات الدولية في استقطاب مهاراتهم، بل وصهرها في المجتمعات الصناعية، ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن جودة التعليم داخل البلدان العربية، باعتبار أن مخرجات التعليم داخل الدول العربية تفرز معدلات منخفضة ولا تتسق مع أبجديات القراءة والكتابة بين الشباب والإناث.

وأكد أن الدول العربية تعاني بشكل كبير من ارتفاع معدلات البطالة بشكل مقلق، وهذا يعزى لعد القيام بإصلاحات تعليمية واسعة لجميع مراحل التعليم التي تعتبر أهم وأنجع الطرق الحديثة في وضع التعليم في مساراته الحقيقية الكفيلة بنجاحه.

وانتقدت دراسة حديثة حصلت عليها «الشرق الأوسط» الغياب الفاعل لمراكز الجذب والتوعية في المدارس العربية، كونها أتت بما لا يتوافق مع النسق العالمي في التوجهات العلمية الحديثة، مبينة أن رياض الأطفال تعتبر من الأساسيات الاختيارية التي تساهم بشكل فعال في تنمية قدرات الأطفال عقليا وبدنيا وسلوكيا وعاطفيا وتدريبهم على جو الزمالة الدراسية، في هذه المرحلة تكون زيادة الألعاب ووسائل الترفيه، حتى تجذب الأطفال إليها وتشجع الأطفال على التعبير وتنمية الوعي والإدراك لديهم وإتاحة الفرصة لهم للاستقلال في ممارسة أنشطتهم اليومية وتنمية مهارات الملاحظة والتدقيق والمقارنة بين بعض الملاحظات وزيادة الثقة لدى الأطفال وتحفيزهم على الجرأة والإقدام على التعبير عما بداخلهم.

وقالت الدراسة إن نجاعة تلك المدارس تدفع نحو كشف بعض المواهب والطاقات المدفونة وصقلها، ويمكن للطفل في هذه المرحلة التعبير عن ذاته من خلال ميله لبعض الألعاب والأعمال الفنية والتعبيرية وتنمية اللغة لديه وإكسابه مفردات لغوية جديدة وتهذيب بعض السلوكيات غير المرغوبة. ويفترض أن تكون هذه المرحلة مرتبطة بالمرحلة الابتدائية. ومن المفروض أن يكون هناك ملف خاص بالطفل ينتقل معه إلى المرحلة الدراسية الابتدائية يشمل هذا الملف كل ما يتعلق بالطفل من سلوك عقلي ونفسي وما يتضمنه من مهارات الطفل ومواهبه، ولذا يجب أن يكون مربو مرحلة رياض الأطفال متخصصين في التربية والتعليم أي يحملون شهادة جامعية ولديهم إلمام بعلم النفس التربوي وطرق كشف المواهب والمهارات وتنميتها.