الملحق الثقافي السعودي لدى ألمانيا: طلابنا استفادوا من جامعات رابع أقوى اقتصاد عالمي

قال لـ «الشرق الأوسط»: إن «الابتعاث» الراهن كسر جمود الثمانينات وسبر «معاقل» معرفية جديدة

TT

كشف الدكتور عبد الرحمن الحميضي، الملحق الثقافي السعودي لدى ألمانيا، أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث كسر المحددات المعرفية التي امتازت بها فترة ابتعاث الثمانينات في السعودية، وسبرت معاقل معرفية جديدة في جميع قارات الأرض.

وأكد الحميضي في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن برنامج الابتعاث وجه بوصلته بعناية تجاه ألمانيا صاحبة رابع أقوى اقتصاد عالمي للاستفادة من القوة المعرفية الاقتصادية التي تمتلكها ألمانيا، مشيرا إلى أن 2000 طالب سعودي استفاد ديموغرافيا من قدرات 400 جامعة ألمانية خاصة في مجالات الطب والصناعة والتقنية.

وقال الحميضي إن الجامعات الألمانية تتميز بالإمكانات العلمية العالية جدا والرفيعة، وعدد كبير منها يحظى بالتصنيف العالمي المرموق، وتندرج معظمها ضمن أفضل 500 جامعة حول العالم، وتتميز الجامعات الألمانية على وجه الخصوص، بإعداد وتأهيل الأطباء، بما يمكنهم من الحصول على درجة الزمالة الطبية، أو ما يسمى بالتخصص الطبي، حيث يوجد بألمانيا وحدها أكثر من 400 طبيب يدرسون مرحلة الزمالة الطبية، وينهلون من أفضل المستشفيات الجامعية في العالم، للظفر بأهم التخصصات الطبية على اختلاف أنواعها كتخصصات الجراحة والمخ والأعصاب، والجلدية والباطنية، والأنف والأذن والحنجرة وما إلى ذلك.

وأفاد الملحق السعودي في ألمانيا أن الجامعات الألمانية عرفت بتميزاتها الفنية والعلمية والأكاديمية، ونال على أثر ذلك كثير من السعوديين والطلاب العرب تميزهم الأكاديمي نظير ذلك، مشيرا إلى أن المدرسة الطبية الألمانية عريقة وذات بصمة ريادية على المستوى العالمي، ولدينا الكثير من الأطباء ونتوقع المزيد لهذا العدد، مع زيادة الاتفاقات العالمية بين وزارة التعليم العالي والمستشفيات العالمية، لتكون عملية التدريب محكمة وفق أساليب تعليمية رفيعة.

وحول ما يميز ألمانيا معرفيا غير التخصصات الطبية، أجاب الحميضي أن ألمانيا تتميز أيضا بعلو كعبها المعرفي في المجالات الصناعية والتقنية، بحكم امتلاكها لرابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم، وتتميز لما بات يعرف بالاقتصاد التصنيعي، إذ بات اقتصادها يعتمد اعتمادا كليا على الصناعة، وأضحت مفردة صنع في ألمانيا، تعطي وهجا كبيرا للجودة والصناعة المحكمة والمنضبطة بمواصفات لا تقبل ألمانيا البتة بالنزول عنها، وينسحب على ذلك المعاهد التقنية العالية والرفيعة والتي تهيئ المهندسين والحرفيين للانخراط في المصانع في السعودية.

وأشار الملحق الثقافي أنه يوجد بألمانيا من 300 – 400 طالب يدرسون في التخصصات الأساسية والتقنية، وكل هذه التخصصات الطبية والهندسية، تصب مباشرة في دعم سوق العمل في السعودية، وحين تخرج هؤلاء الأطباء والمهندسين، فهذا يعني أنهم تأهلوا تأهيلا أكاديميا ومعرفيا في الجامعات الألمانية، وأضحوا جاهزين بشكل مباشر نحو الانخراط في سوق العمل في السعودية للمشاركة في المشاريع التنموية التي بدأت وما زالت في طور العمل في البلاد.

وحول تحرك أطراف في مجلس الشورى السعودي على خلفية توسيع مجال التعاون الأكاديمي مع الجامعات الألمانية، أشار الحميضي إلى أن ألمانيا تعتبر المحور الرئيسي في الاتحاد الأوروبي، وهي رابع أقوى دولة على مستوى العالم، ناهيك عن قوتها ومتانتها الاقتصادية على الصعيد الدولي، وهي دولة نموذجية، من حيث عدد السكان والمساحة، ومن حيث العراقة العلمية والأكاديمية، ولا يوجد أدنى شك حول قوة التعليم العالي الألماني.

وعن أهم العقبات التي تعتري مسيرة الطلاب والطالبات في ألمانيا، رد الملحق الثقافي بأنها «اللغة»، واصفا أنها لا تصل لدرجة «العقبة» بل خشية من خوض غمارها اللغوي نتيجة عدم التأهيل المسبق لها، حيث تفتقر المدارس الحكومية في السعودية إلى تعليم اللغة الألمانية شأنها شأن اللغة الإنجليزية والتي باتت في متناول معظم الطلاب والطالبات في البلاد، ناصحا من يرد النهل من المشارب العلمية والتقنية والصناعية بعدم التردد في اختيار الجامعات الألمانية المعترف بها، مؤكدا أنها لغة بسيطة وأن الطلاب والطالبات على حد سواء مدعوون لكسر الحجز اللغوي للغة الألمانية عن طريق تزويد أنفسهم بالسلاح المعرفي والحصول على دورات لغوية قبيل الانخراط الفعلي لسبر التخصصات الأكاديمية في ألمانيا.

وأبان الحميضي أن ألمانيا باتت دولة وقوى عظمى فاعلة على الصعيد العالمي، وينسحب على ذلك إعداد الطلاب الأجانب المتواجدين على الأراضي الألمانية، مؤكدا وجود 2000 طالب سعودي على الأراضي الألمانية بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الطلبة الأجانب من كل الدول خاصة الصينية والهندية، وهو ما يعني إصرارا كبيرا من مختلف دول العالم على ولوج المجتمع المعرفي الألماني بكافة أشكاله وأنماطه، فهي تشكل عنصر جذب، وما يدل على ذلك وجود الكثير من المؤسسات التعليمية في كافة أنحاء ألمانيا مثل هيئة التعاون الألماني لمساعدة الطلاب الأجانب في الانصهار المعرفي والأكاديمي، وتمنحهم منحا أكاديمية للالتحاق بالجامعات الألمانية.

وحول طرائق اتساق الطلاب بملحقيتهم من شتى مدن ألمانيا، أوضح الحميضي أن ألمانيا يوجد بها نحو 400 جامعة، متوزعة على 16 ولاية، وهي دولة فيدرالية كبيرة من حيث عدد الولايات، وكل ولاية لديها شبه استقلال قانوني ومالي، ولدى كل ولاية أنظمة مستقلة فيما يختص بالنظام التعليمي والتأمين الطبي، مبينا أنه جغرافيا نراعي التوزيع الأمثل بين الجامعات والولاية كيلا تقع حالات تكدس بين الطلاب، ويكون توزيعهم الجغرافي متناسبا على حسب جود الجامعة والمحتوى، وجودة المستشفيات الجامعية، خاصة مع تلك الجامعات التي حظيت بإبرام اتفاقيات دولية بين السعودي وألمانيا على مستوى وزارتي التعليم العالي في كلا البلدين.

وأفاد الملحق السعودي، أن الطلاب السعوديين في ألمانيا لا يعانون من حالات تكدس على شاكلة بعض البلدان الأوروبية، والخيارات في ألمانيا متاحة وممكنة بشكل كبير، نظير الكم الهائل، من عدد الجامعات في كافة ولايات ألمانيا، والفرص سانحة ومتوفرة لدى الجميع، مبينا أنه توزيع مقنن وفق التوزيع الديموغرافي لألمانيا.

وعن الآلية التي يتم فيها اختيار التخصصات الطبية وتواؤمها مع سوق العمل، أفصح أن سوق العمل في السعودية لا يعمل بمفرده، وهو جزء من المنظومة العالمية، والاحتياجات المتعلقة في العمل في السعودية هي تقريبا نفس التخصصات التي يبحث عنها أي طالب عمل في جميع أنحاء العالم، ولا نتوقع قولبة التعليم العالمي ليلبي احتياجات سوق العمل السعودية، وغالبا ما حصل في السابق من بعض الطلاب السعوديين الذين امتهنوا تخصصات لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل، تم إلحاقهم في البعثة، وهنا فرق لا يعرفه كثير من المتابعين لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي - الذي تمت دراسته دراسة متأنية وشاملة - وهو أنه استهداف تخصصات بعينها وفق معطيات بعينها، والتخصصات التي كانت خارج المنظومة التي بني عليها البرنامج، كانت لمجموعة من الطلبة تم إلحاقهم بالبرنامج عن طريق «برنامج الضم»، لأولئك الذين درسوا على حسابهم، فشملت الدولة السعودية برعايتها، وتم إدراجهم في البعثة.

وحول الملاءة المالية للطالب المبتعث وقدرتها على مجابهة التحديات المعيشية في أوروبا، قال الحميضي المخصص الشهري الذي يقدم للمبتعث في ألمانيا هو 1800 يورو، مدروس بشكل جيد، وهو كاف لعيش حياة الطالب، معتقدا أن المبلغ كاف ويتوازى مع متطلبات المعيشة إذا ما قورن بمستوى المعيشة الأوروبية فهو مناسب، ناهيك عن الخدمات الأخرى التي تقدم من الوزارة، مثل التأمين الصحي الكامل للطالب، وتذاكر السفر، ومكافآت التفوق، ومكافأة الدورات العلمية والمؤتمرات لطلاب الماجستير والدكتوراه.

وتعليقا على مقارنة مخرجات الابتعاث في الثمانينات والابتعاث الجاري، ذكر الملحق الثقافي أن برنامج الابتعاث يصب في تنويع مصادر التعليم، سواء كان في الثمانينات أو برنامج خادم الحرمين الجاري، وهو بلا شك يحظى بفوائد جمة، وإحداث نقلة في كون الطالب ينافس كل التحديات التعليمية في شتى أنواع المعرفة والعلوم على أحدثها، وما يميز برنامج العاهل السعودي الراهن، هو أنه طرق دولا لم تكن مطروقة من قبل في جميع قارات الأرض، على العكس من فترة الثمانينات التي كانت حكرا على ثلاث دول لا أكثر، وبرنامج الملك كسر القالب التعليمي الذي كانت تتسم به فترة الثمانينات على تخصصات بعينها، وفتح المعرفة على معاقل معرفية جديدة، لتصب جميع هذه التجارب والمعارف في خطط التنمية في البلاد.

وحول فتح الملك عبد الله لربع الميزانية السعودية على برامج التعليم، أفاد الحميضي أنني في هذه السانحة أشكر الحكومة السعودية على هذا البرنامج الوطني الكبير، لأن النتائج التي تحققت وستتحقق بحول الله كبيرة جدا، لأن هؤلاء الأجيال هي من بيدها ستدار كفة التنمية في المستقبل، هؤلاء هم سواعد الوطن، وبناء معاقل المعرفة في أماكنها، فمشاريع التنمية تحتاج إلى رجال، وعقول معرفة، ولدينا شواهد متعددة حول كوريا الجنوبية وماليزيا وكثير من البلدان التي تفتقر إلى مصادر الدخل، ومع هذا بنت وطنا، ونهضت بأمم، واعتمدوا على سواعد رجال، ونقلوا بلدانهم على مصاف الدول المتقدمة معرفيا.