الجامعات الهندية تدخل «حلبة صراع» لتطل برأسها ضمن أقوى 200 جامعة حول العالم

تعاني من تقليصات حكومية بواقع 10% على مخصصات التعليم العالي

إحدى حفلات التخرج الجامعية في نيودلهي («الشرق الأوسط»)
TT

جملة من التحديات والعقبات يخوضها التعليم في الهند، البلد الأكثر تطورا في مجال التقنية والصناعات، حيث يصارع نظامها التعليمي في الإطلالة برأسه ضمن أقوى 200 جامعة في العالم.

وأقصت مؤسسة «كيو إس التعليمية للتصنيف»، أكثر من 50 جامعة هندية دفعة واحدة بعد أن حددت معايير أكثر صرامة في مراكز البحوث والابتكار، تزامنا مع قرارات حكومية في الهند، فرضت نزولا ماليا على مخصصات الجامعات الهندية بمقدار 10 في المائة، وهو الأمر الذي اعتبره متخصصون بمثابة شرخ في العملية التعليمية لبلد متطور في التقنية.

عاطف زيشان، مسؤول مكتب «قلوبال» والمتخصص في التعاقد مع الجامعات الهندية في دول الخليج، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه قد جرت العادة بأن ينظر إلى الهند باعتبارها بلدا يرسل الطلاب بدلا من استقباله الطلاب الدوليين، ولكن عددا متزايدا من الطلاب من أماكن أخرى في العالم بدأوا فعليا باختيار الدراسة في الهند.

ووصف زيشان الوضع قائلا: «في الواقع، ووفقا لتقرير صدر في عام 2012 في الولايات المتحدة الأميركية، وجد أن الهند قد أصبحت البلد الأكثر شعبية لطلاب الولايات المتحدة في الخارج»، مؤكدا أن الهند تحظى بأكبر عدد سكاني (بعد الصين)، وتمتاز باقتصاد سريع النمو عن أي وقت مضى، ناهيك عن كونها أكثر تأثيرا في تكنولوجيا المعلومات والدعم الإداري والتشغيلي حيث شهدت توسعا سريعا على مدى العقود القليلة الماضية.

وقال زيشان إن الجامعات الهندية باتت واحدة من أكبر النظم التعليمية، وتتميز الهند بأن لديها خصوصية لنوعية التعليم في مواضيع الهندسة والتكنولوجيا، التي تقودها المعاهد الهندية المرموقة والمعترف بها دوليا في هذا المجال، ويوجد حاليا 16 معهدا عالميا متخصصا، في جميع أنحاء البلاد، مع التركيز بشكل رئيس على تخصصات الهندسة والتكنولوجيا والعلوم، وعلى أثر ذلك، نالت استحسانا كبيرا من قبل المعهد الهندي للعلوم في بانغالور، والمعهد الهندي للإدارة الذي يتوزع على 13 مركزا حول عموم الهند.

واعترف زيشان بعدم دخول الجامعات الهندية ضمن أقوى 200 جامعة حول العالم، استنادا إلى تصنيفات «كيو إس» للجامعات العالمية، وصدر مؤخرا تصنيف لها حسب معايير دقيقة جدا، الأمر الذي أقصى أكثر من 50 جامعة هندية دفعة واحدة، ومع ذلك لم تستطع الجامعات الهندية حجز مكان لها ضمن أقوى 200 جامعة في العالم في وقت دخلت فيه جامعات أقل من الهند في مجالات التكنولوجيا، بينما برزت سبع مؤسسات تعليمية جامعية في الصين ضمن قائمة الـ200، وكذلك جامعة موسكو الحكومية في روسيا التي حظيت بالترتيب الـ112، وجامعة ساو باولو البرازيل في المرتبة 139، وجامعة جنوب أفريقيا في كيب تاون في المرتبة 154.

وعلى الرغم من أن الترتيب ليست مشجعا بالنسبة للهند بحسب - المنسق الدولي للجامعات الهندية - فإن مجموعة من الأكاديميين تعتبره حقا مسألة مثيرة للقلق، في وقت باتت الهند فيه أكثر حاجة نحو التحسين في مجالات البحث والابتكار لتحصل على مكان في دوري الدرجة الأولى.. رغم أن مجموعات من الأكاديميين المتخصصين ذهبوا نحو الرأي القائل بأن هذه النظم والتصنيفات الدولية هي الأكثر ملاءمة لنظم التعليم في الدول الغربية وغير مواتية بالنسبة لبلد مثل الهند يعيش نظاما تعليميا مختلفا تماما، موضحين أن الهند بحاجة إلى إعادة تحديد احتياجات الطلاب والمعلمين، وإعادة تنشيط أو خلق مراكز للبحوث بشكل متقدم.

من جهتها قالت الدكتورة هند رجا، عضو تدريس اللغات الأجنبية في مدرسة ليتل انجيلز لـ«الشرق الأوسط» إن الهند ظهرت كدولة يجب تحديها في منافسة في مجال التعليم. ويعكس ذلك صورة الصين كدولة مصنعة للبضائع الرخيصة الثمن والتكنولوجيا المقلدة، إلا أن نجاح الهند في مجال تطوير برامج الكومبيوتر وأعمال الإنترنت والقطاعات ذات المعلومات المكثفة التي فشلت فيها اليابان قد أثار المزيد من الحسد.

وأشارت رجا إلى أن الهند تخوض تحديات تعليمية كبيرة أهمها أن الابتكار يتطلب التعاون، ولا تمتلك معظم الجامعات الهندية، مراكز الابتكار ونحن نعيش في عصر الصناعة والآفاق المتجددة، يتمتع العالم بتكنولوجيات متطورة، مضيفة أنه يجب أن تتوجه مؤسسات التعليم العالي لاحتياجات المجتمع، وتعمل بشكل مستقل، وهناك أسباب كثيرة لذلك مثل غياب الحرية الأكاديمية، وعدم كفاية التمويل، ونقص البنية التحتية، وعدم وجود دعم في مجال البحوث، وعدم توافر جودة عالية للمعلمين، على النقيض من جامعات دول أجنبية لديها الحرية الأكاديمية والتحكم في مصادرها المالية بشكل كبير، ومؤخرا الهند زادت التمويل للتعليم العالي ولكن لا يزال غير كاف لجعل الجامعات قادرة على المنافسة دوليا، ومن المهم معرفة أنه كلما زادت الصعوبات المالية، تتأثر الجامعات وتقل جودتها بشكل كبير.

وأشارت عضو اللغات الأجنبية إلى أنه - في الآونة الأخيرة - أصدرت الحكومة مذكرة تتحدث عن التدابير الاقتصادية وترشيد الإنفاق على الجامعات الهندية الحكومية، ووفقا لهذه المذكرة، فإن من المفترض للجامعات الهندية خفض 10 في المائة من الميزانية ونتيجة لذلك، انخفضت مرتبات أعضاء هيئات التدريس بشكل كبير مقارنة مع المعايير الدولية، وعلاوة على ذلك، يطلب من الجامعات في هذه المذكرة عقد ورش العمل، وإقامة المؤتمرات والحلقات الدراسية والندوات التي هي ضرورية للغاية مع النزول المالي الإجباري بمقدار 10 في المائة على من المخصصات المالية للندوات والمؤتمرات مع وجود حظر إنشاء وظائف جديدة، وهنا يجري تساؤل مشروع حول «كيفية توسع المجالات والاختصاصات الأكاديمية دون خلق الوظائف وحضور الندوات والمؤتمرات؟».. فلا توجد بنية تحتية جيدة، ولا ينضوي تحت ذلك جودة في التعليم ولا تمويل كاف، فكيف نتوقع من الجامعات والمعاهد الأكاديمية منافسة جامعات رابطة اللبلاب الأميركية العريقة.

وأفادت رجا بأن النظام الحالي الذي يتم من خلاله القيام بعمليات التصنيف الدولي، هو نظام أكثر تواؤمية للبلدان الغربية، تلك الترتيبات هي الأكثر ملاءمة للدول الغربية والولايات المتحدة، كل تلك التصنيفات تركز على مفهوم البحث، ونوعية البحوث، وسجل المتابعات المالية لهيئة التدريس، والجامعات في الهند لا تفعل البحوث لا كما ولا نوعا، وتتركز في الترتيب بشكل كبير على المؤسسات التي تجري الأبحاث، على الرغم أن لدينا بعض المؤسسات الجيدة جدا مثل كليات جامعة دلهي، ولديهم خبرة جيدة جدا في الدراسات العليا.

خالد الشيباني، حصل مؤخرا على بكالوريوس في الهندسة التقنية من جامعة كالكوتا، قال إن التعليم في المجمل في دولة متقدمة هندسيا وتقنيا كالهند، هي تجربة فريدة من نوعها. مع ضرورة إعطاء قدر أكبر من الحرية الأكاديمية في الجامعات، لأن ذلك سيكون هو المفتاح السحري للنهوض بالجامعات الهندية بشكل أكثر فاعلية. وأضاف قائلا: «الطالب النظامي في الهند بحاجة بحاجة لوجود بنية تعليمية متطورة مثل المباني والكتب والمرافق وغيرها؛ وتعزيز الموارد البشرية من المعلمين والطلاب والموظفين الإداريين، وحقوق التفكير المستقل وحرية الابتكار، وفق ثقافة العالم المتطور تقنيا الباحث عن الدقة والانضباط».

وأشار الشيباني إلى أن «الجامعات العالمية الشهيرة مثل أكسفورد وكمبردج، لديها رغبة كاملة وجامحة في الاستفادة من إمكانات الطلاب ومحاكاة إبداعاتهم، ولديهم كادر تعليمي متطور جدا على أرقى الأطر العالمية. والهند تتحرك لكن بشكل غير سريع»، مؤكدا أنه يجب التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعطاء الأولوية لتطوير التعليم، وينبغي الشروع بشكل كبير نحو اتخاذ خطوات معينة من ناحية التكنولوجيا وتعليمها وتدريبها بشكل أكثر احترافية ومراسا، والمشكلة الأخرى هي أن ليس لدى الهند جامعات متعددة التخصصات.

وذهب الشيباني مع الرأي القائل بأنه «إذا كان لدى الهند الرغبة الجامحة في الوصول إلى مرحلة الانضواء تحت المعايير العالمية لتدخل قائمة أفضل 200 جامعة، لا ينبغي لها أن تفعل ما تفعله الآن، من سن الأهداف العامة على التعليم، ونحن نواصل تذكير أنفسنا في الوطن العربي على أهمية ودلالة الحصول على التعليم ومعايير الجودة عالميا، فضلا عن أهميته في الحياة. لحسن الحظ، حققنا سياسات جيدة ولكن فشلنا في تنفيذها. ومن المهم أيضا أن نتذكر أن نظام التعليم لدينا مختلف، والجامعات الغربية ودول أخرى تستثمر في مجال التعليم منذ فترة طويلة، وبالتالي هناك فجوة ضخمة تربويا بين الجامعات العربية والجامعات الهندية والغربية.. وينبغي لها زيادة الإنفاق على التعليم لتضييق هذه الفجوة التعليمية».

إلى ذلك قال مسؤول من القنصلية الهندية، إنه يمكن للجامعات الهندية جذب عدد كبير من الطلاب الخارجين من المملكة العربية السعودية الذين يبحثون عن فرص تعليمية أفضل للدراسات العليا. وفي هذا الصدد، دعا محمد راغب قريشي، من القنصلية العامة الهندية بجدة، الجامعات الهندية إلى «استغلال الإمكانات الهائلة بالإشارة إلى أن مسألة اختيار المؤسسة لأجل الحصول على التعليم العالي عقب الانتهاء من شهادة الثانوية هام جدا للمجتمع الخارجي، وأنه يجب على ممثلي الجامعات الهندية استكشاف الفرص المتاحة في البلاد والسعي إلى الارتباط بالطلاب والقيام بتوضيح الدورات ووسائل الراحة وهيكل الرسوم، فضلا عن إجراءات القبول».