جدل واسع حول المعايير الأساسية للتعليم المدرسي في أميركا

إدارة أوباما دعمتها.. والمنتقدون من اليمين واليسار

راندي وينغارتن رئيسة الفيدرالية الأميركية للمعلمين في إحدى المدارس بنيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

تواجه المعايير الأساسية المشتركة، وهي مجموعة معايير للتعليم في أميركا تمتد من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، معارضة متزايدة من كل من تياري اليمين واليسار حتى قبل أن يتم طرحها على نحو ملائم في الفصول الدراسية.. رغم أنها حظيت بدعم قوي من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والكثير من قادة الأعمال والهيئات التشريعية الحكومية.

وطالب المحافظون من حزب الشاي، الذين يرفضون المعايير باعتبارها مرسوما من مستوى عال غير مرحب به، بالعودة إلى الوضع السابق. في حين أوقفت ولاية إنديانا العمل بها بالفعل، ويعقد مجلس نواب ميتشيغان جلسات استماع لدراسة تعليق العمل بها. وبالاستشهاد بتكلفة الاختبارات الجديدة؛ التي تتطلب المزيد من الكتابة إلى جانب جزء أساسي يتم امتحانه عبر الإنترنت، انسحبت ولايتا جورجيا وأوكلاهوما من اتحاد يطور الاختبارات اعتمادا على تلك المعايير.

في الوقت نفسه، تشير مجموعة من أولياء الأمور والمعلمين إلى أن المعايير، وعلى وجه التحديد الاختبارات المرتبطة بها، بالغة الصعوبة. وقد تجلت تلك المخاوف الأسبوع الماضي حينما نشرت ولاية نيويورك، التي كانت أول من تبنى المعايير الجديدة، نتائج اختبارات قراءة ورياضيات تشير إلى أنه لم ينجح سوى ثلث الطلاب.

«إنني قلق من أن تكون المعايير الأساسية المشتركة في خطر بسبب هذا»، هذا ما قالته راندي وينغارتن، رئيسة اتحاد المعلمين الأميركيين. وأضافت: «إن الصدمة التي حدثت كانت مؤلمة جدا في نيويورك.. إلى حد أنه بات لديك عدد كبير من الناس عبر أنحاء الولاية يتساءلون: لماذا تطبقون التجربة على أطفالي؟».

يخشى المؤيدون من أن تبدأ المعارضة في التزايد بسرعة مع مواجهة الولايات اختبارات جديدة في الفترة من 2014 إلى 2015.

وتقول كاتي هايكوك، رئيس «إديوكيشن تراست»، وهي مجموعة غير ربحية تعمل من أجل سد فجوات الإنجازات: «هناك مشكلة لدى أحزب الشاي، كونها ليس لها تأثيرات عميقة (في الشارع)، لكن هناك ثقلا سياسيا وراءها. كما أن هناك قدرا من الثورة المضادة للاختبارات تأتي من اليسار. السؤال هو ما الذي سيحدث لو اتحدا معا؟ ذلك هو أكثر التوقعات المخيفة».

تركز المعايير، التي كتبتها لجنة من الخبراء التقى بها حكام ولايات ومشرفون، على التفكير النقدي والتحليل؛ بدلا من الحفظ عن ظهر قلب والصيغ. وتتمثل الفكرة في العمل على ضمان أن الطلاب بشكل عام يتعلمون الأشياء نفسها في المدارس الحكومية عبر أنحاء الدولة.

ويتمثل الهدف في تقليل معدلات إصلاح الأخطاء بالكليات والجامعات، ومساعدة الطلاب على التنافس على الوظائف التي تطالب برفع مستويات المهارات عنها في الأجيال السابقة.

وبحسب بعض التقديرات، ينبغي أن يشارك 40 في المائة من الطلاب الذين يدخلون الكليات في دورات إصلاحية قبل أن يمكنهم التسجيل في الفصول المعتمدة. وقالت نانسي زيمفر، رئيسة جامعة نيويورك، إن النظام ينفق نحو 70 مليون دولار سنويا على إجراء دورات الالتحاق للطلاب. وروجت إدارة أوباما للمعايير الأساسية المشتركة بإعطاء الأولوية للولايات التي تبنت المعايير «الجاهزة للكليات والوظائف»، عندما قدمت منحا في ظل برنامجها «السباق إلى القمة». وبحلول الصيف الماضي تبنت 45 ولاية، إلى جانب مقاطعة كولومبيا، المعايير.

غير أن كثيرين - حتى ممن يؤيدون المعايير - يخافون من الطريقة التي تم اعتمادها بها. يقول ديفيد كوهين، وهو مدرس لغة إنجليزية بمدرسة بالو ألتو الثانوية في كاليفورنيا، والذي وصف المعايير بأنها «معقولة»، إنه ما زالت مشاعر المقاومة والغضب والإحباط جامحة بين زملائه.. ولكن ليس بالكامل بسبب العملية. وقد أكد وزير التعليم، آرني دنكان، مرارا وتكرارا أن الولايات والمقاطعات والمعلمين يتمتعون بمرونة واسعة في وضع مناهجهم وخطط دروسهم استنادا إلى المعايير.

ومتحدثا عن المعايير الأساسية المشتركة أمام الجمعية الأميركية لمحرري الأخبار في يونيو (حزيران) الماضي، قال دنكان: «الحكومة الفيدرالية لم تكتب المعايير، ولم تصدق عليها ولم تلزم بها.. ولن نفعل ذلك مطلقا. وكل من يقول عكس ذلك فهو إما حصل على معلومات مغلوطة أو تم تضليله عن عمد».

وفي العام الماضي، أصبحت كنتاكي أول ولاية تجري اختبارات رياضيات وقراءة جديدة اعتمادا على المعايير الأساسية المشتركة، وكما في نيويورك، هبطت بشكل حاد مستويات الطلاب الذين كانوا يعتبرون متميزين مقارنة بعام سابق. وقد أرعبت تلك النتائج المعلمين الذين يشاهدون من على بعد، ولا سيما مع اتجاه المزيد من الولايات إلى تقييم المعلمين اعتمادا بشكل جزئي على درجات اختبارات الطلاب.

تقول إليزا ميمس، المعلمة بالصف الخامس في مدرسة «بليزنت فيل» الابتدائية في نيو كاسل بولاية ديلاوير: «عندما أنظر لأنواع الأسئلة في هذه الاختبارات، أشعر بالخوف الشديد على أطفالي. يبدو لي أنهم يطلبون منا القيام بمهام معينة في قدر ضئيل من الوقت، ثم يقولون إنهم سيختبروننا فيها». وفي مقابلة، أشار دنكان إلى أن التحول قد يكون صعبا. وقال: «من الأسهل الاستمرار في قول إن كل شيء يبدو عظيما. تلك هي أيسر وسيلة للقيام بهذا، لكنني لست على يقين مما إذا كان هذا سيغير حياة الأطفال أو يساعد دولتنا في أن تستمر في المنافسة الاقتصادية».

وبحسب تقرير صادر عن مركز سياسة التعليم بجامعة جورج واشنطن، يقوم معلمون في 30 ولاية بتدريس بعض الدروس اعتمادا على المعايير. ولكن لم تشر سوى عشر ولايات فقط إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع المعلمين قد تلقوا أي تدريب على المبادئ الأساسية المشتركة في العام الدراسي الأخير.. ويقول مؤيدو المعايير الجديدة إن المنتقدين قد نفد صبرهم تماما.

«سوف يستغرق الأمر وقتا، وسوف يتطلب جهدا مضنيا»، هكذا يقول ديفيد دريسكول، وهو مسؤول تعليم سابق بولاية ماساتشوستس التي وضعت معاييرها الخاصة في نهاية التسعينات من القرن العشرين وواجهت تراجعا في درجات الاختبارات في الولايات، قبل أن تراها ترتفع بشكل مطرد. واليوم، تقود ماساتشوستس الدولة في درجات الاختبارات التي تديرها وزارة التعليم الفيدرالية، وتأتي في مرتبة مقاربة لبعض الدول التي يشار إليها باعتبارها رواد العالم في الأداء الأكاديمي.

لقد أجرت عدة ولايات تدريبا للمعلمين، ووسعت نطاق تواصلها العام. وفي تنيسي، قدم مسؤولو تعليم بالولاية دورات لقرابة ثلاثين ألف معلم هذا الصيف. وفي ديلاوير، قال مارك ميرفي، وزير التعليم، إن المناطق التعليمية سوف تستضيف ليالي «العودة إلى المدارس» عندما يتسنى للمشرعين «المشاركة في أحد دروس المعايير الأساسية المشتركة، والتعامل مع نوع التعلم الذي سوف يحصل عليه الطلاب».

يقول بعض النقاد إن المعايير الجديدة غير واقعية. وتقول ديان رافيتش، وهي مؤرخة تعليمية عملت في وزارة التعليم في عهد جورج بوش الابن، ولكنها أصبحت منذ ذلك الوقت من أشد منتقدي الكثير من المبادرات التعليمية: «نحن نوظف معيارا غير ملائم على الإطلاق. أعتقد أن هناك كثيرا من الطلاب يتم إخبارهم بأنهم إذا لم يذهبوا إلى الكلية، فسوف يدمر ذلك حياتهم.. لكنهم ربما لا يحتاجون للذهاب إلى الكلية».

وبالمقارنة، قالت كريستال دولين، معلمة اللغة الإنجليزية بإحدى المدارس الثانوية في كوربن بولاية كنتاكي، وهي منطقة ريفية في الركن الجنوبي الشرقي من الولاية، إن المعلمين يجب أن يتوقعوا المزيد من طلابهم. وتقول دولين، التي تم اختيارها للحصول على لقب معلمة عام 2013 بولاية كنتاكي: «أشعر كما لو أنه إذا خفضنا توقعاتنا، فسوف يحذون حذونا. وإذا قمنا بالتدريس بالطريقة التي تعلمنا بها على مدى أعوام، فسوف نسلب المستقبل من أطفالنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»